التاريخ المغيب لسيرة الزهراء عليها السلام
ستارالنعماني
هناك الكثير من التاريخ بحاجة إلى
مراجعة وإعادة قراءة ضمن إطار تاريخي يضمن لنا المسار الصحيح ومعرفة الشخصيات وأدوارهم
التاريخية وارتباط هذه الأدوار مع بعضها ارتباطا عقائديا لتشكل نسيجا متكاملا تصبح
من خلاله الرؤية واضحة لاستعادة الحوادث التاريخية ومحاولة فهمها بشكل يزيل كل
عوامل الغموض بعد أن عصفت بالتاريخ رياح التزييف والتحريف وباتت أقلام السلطة
منكبة على تصوير التاريخ بما يخدم مصالحهم وإيجاد كل أسباب الاتهام لكل من عارض أو
رفض هذا التصور بل وصل الأمر إلى اتهام الرافضين بتهم ايدولوجية أوجدها مؤرخو
وفقهاء السلطة حتى يتسنى لهم تصفية كل خصومهم دون أن يحرك ذلك أفراد المجتمع تهم
تحاول أن تصورهم بمظهر المرتد وبدأت آلة الإبادة عملها حتى وصل الأمر إلى تشييد
بناء تاريخي أصبح من الصعوبة معه أن تكتشف الحوادث على حقيقتها إلا من خلال تكوين
وعي تاريخي ومعول من معاول المعرفة يساهم في تهديم هذا البناء الزائف والاطلاع على
هذه الحقيقة . وهذا الأمر قام به فضيلة الشيخ عبد الهادي الزيدي وكتابه الموسوم
(الثورة المغيبة ) قراءة لدور الزهراء( عليها السلام )في حركة المسلمين بعد أبيها(
صلى الله عليه واله ).
لقد عمل الشيخ الزيدي في هذا
الكتاب على رسم خارطة تاريخية للأحداث بعد شهادة النبي الأكرم (صلى الله عليه واله
) يكون فيها البحث والتحليل والتحقيق هي بوصلة التوجيه لوضع الأحداث بمسارها
الحقيقي بعيدا عن التزييف وتوفير كل عوامل المقارنة بين الأحاديث والروايات لمعرفة
الخطأ من الصواب وتصحيح مجرى التاريخ فالقضايا التاريخية كما ذكر المؤلف أسهمت
وبشكل واضح في تغيير مجريات الواقع المعاصر وما سبقه فهي ليست قضايا تاريخية محضة
مجردة عن التوابع بل هي ذات اثر عقدي مؤثر في حياة الفرد . ومن هنا سار المؤلف
باتجاه مختلف عن الاتجاه السائد في كتابة التاريخ حيث يرى أن التاريخ لم يعد مجرد
سرد للحكايات بل على الباحث إيجاد العلاقة بين مجريات الأحداث للوصول إلى الفهم
الصحيح لها وان هناك وظيفة أخرى للمؤرخ هي تفسير الحوادث وأثارها إضافة إلى وظيفة
التدوين وتطرق المؤلف إلى وظيفة مهمة من وظائف القيادة الدينية وهو استشراف
المستقبل وذلك لتوجيه التاريخ وتقنين حركته وهذا لم يتوفر إلا في بعض القيادات
الواعية ومنهم المرجع اليعقوبي .
الكتاب يتناول موضوع الزهراء
(عليها السلام )ودورها المهم في توجيه المسلمين بعد شهادة أبيها صلى الله عليه
واله ويحكي لنا قصة امرأة عظيمة كافحت من اجل الرسالة السماوية .
يقع الكتاب في أربع فصول
تتناول جوانب مهمة في مرحلة ما بعد استشهاد الرسول صلى الله عليه واله فالفصل الأول
تكلم المؤلف عن دور التاريخ في صناعة الأمم ومن أهم المحاور التي ناقشها المؤلف في
هذا الفصل هي المعرفة في التاريخ والسنن التاريخية والقيادة الدينية وفهم السنن
التاريخية إضافة إلى علاقة الماضي بالحاضر .
ثم يعرج المؤلف في الفصل
الثاني من الكتاب إلى مواقف السيدة الزهراء عليها السلام وكيف استنهضت الأمة وما
هي الأساليب المستخدمة والفهم الصحيح لهذا الأساليب .
أما الفصل الثالث
والمعنون أثار الحراك الفاطمي ما أطلق عليه (ردة المسلمين ) قد يكون هو الأهم في
هذا الكتاب رغم أهمية الفصول الأخرى فقد ناقش قضية مهمة جدا غيبها التاريخ كحقيقة
(ثورة) وحرفتها أقلام المؤرخين باتجاه أعطى السلطة شرعية مزيفة لقمعها وإبادتها
فمن أشعل فتيل الثورة وفجرها ومن هم الثوار ومن هي القبائل الثائرة وماذا حصل لهم
بعد القضاء على هذه الثورة فالمؤلف كانت له وقفة مع هذه الأحداث وناقشها بمنهجية
علمية أغفلها معظم المؤرخون عمدا حتى لا تتصادم مصالحهم مع مصالح السلطة أو بسبب
الانتماء العقائدي للثورة والذي يتعارض مع سياسة الحكام وقد تناول المؤلف الكثير
من الشواهد التي تؤيد صحة ما ذهب إليه .
وفي فصل الكتاب الرابع
يذهب الكاتب إلى موضوع شرطة الخميس وماهي الظروف التي عاشها أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب (عليه السلام) ومحاولات البعض من فرض آرائهم على الإمام الذي رفض الانصياع إلى
مطالبهم بل عمل على تهديم كل كيانهم المشيد على مظاهر القداسة الزائفة .
إن المؤلف حاول في كثير من
مؤلفاته أن يأخذ التاريخ دوره في صقل وبلورة الشخصية الواعية لا أن يبقى التاريخ
مكتفيا بسرد الأحداث وتدوينها فقط ولهذا نجده دائما يؤكد على أهمية التاريخ وأهمية
تنقيته من الشوائب التي فرضت على التاريخ بسبب ميول السلطات والحكام حفاظا على
مصالحهم .
0 تعليقات