تقاليد
وعادات شهر رمضان.. اضمحلال وتلاشي
زينب فخري
ممَّا لا شكّ فيه أن شهر رمضان المبارك يحمل سمة خاصة
من بين الشهور ليس في العراق فحسب بل في جميع العالم الإسلامي، وله ممارساته التي
أضحت تقاليده وعاداته.
وكان مألوفاً تخصيص هذا الشهر الفضيل لقراءة القرآن
الكريم والأدعية والابتهالات وقضاء معظم الأوقات في المساجد والحسينيات فضلاً عن
قيام الليل اما في أيامنا هذه فمعظم الأوقات تخصص على شاشات الهواتف الذكية والفضائيات.
بل قضى التطور التقني على مهنة المسحراتي أو كما
يسميه البغداديون (المسحرجي أو أبو الطبل)، تلك شخصية الرمضانية الحاضرة بقوَّة في
الذاكرة العراقية منذ القدم، ومهمته كما هو معروف للجميع تقتصر على تنبيه النائمين
على موعد السحور على إيقاع طبلته، وقد يتجول في الأزقة بمفرده أو يكون بصحبة
مجموعة، كان الأطفال ينتظرونه ويقدمون له شيئاً من السحور معهم، لكن دوره تلاشى
الآن، باستثناء بعض الأزقة والمناطق التي مازالت تسمع طبلة هنا وإيقاع هناك،
والجميع متيقن أن معظم الناس مستيقظون، مستمتعون بشاشات الفضائيات والهواتف الذكية
وفي حال خلودهم للنوم فمنبهات الهواتف الذكية تتولى مهمة إيقاظهم بدلاً عن
المسحراتي!
ومن العادات والتقاليد المهددة بالانقراض هو التزاور
بين العوائل التي تربطها صلات قربى أو علاقات وشيجة، فبعد الإفطار كان من النادر
ان تبقى عائلة في بيتها، مستثمرة الشهر الفضيل لتعزيز هذه العلائق وتمتينها وتقديم
العون لبعضها لكن بعد غزو الهواتف الذكية والفضائيات باتت هذه العادات مهددة
بالانقراض، فالعائلة تقضي جلّ وقتها مبحلقة أمام الفضائيات، متسمّرة لمتابعة
مسلسلات سطحية لا تمت لتقاليدنا بصلة بل لا تحافظ على قدسية شهر رمضان الفضيل
ممَّا يشكل تراجعاً خطيراً في مستوى العلاقات الاجتماعية بل الأسرية فضلاً عن تدني
مستوى الذائقة الفنية.
ومن العادات والتقاليد الرمضانية التي قضى عليها
التطور التقني، تبادل الأكلات بين عوائل الحي الواحد، الأمر الذي يسهم بزيادة
تماسك النسيج المجتمعي والتقارب الاجتماعي بل يوفر فرصة للفقراء والمحرومين
والمتعففين بالتمتع بأكلات قد لا تكون بمتناول استطاعتهم الاقتصادية ليبقى هذا
السلوك منقوشاً في الذاكرة معبراً عن أبهى صورة للتعايش السلمي المجتمعي، لكن هذا
الأثر الرمضاني للأسف يكاد يختفي على نحو كامل من مجتمعنا على الرغم من أن هذا
الشهر الفضيل هو شهر محبة وصدقات.
واشتهر في هذا الشهر الفضيل أيضاً بعض الألعاب
الرمضانية كـ (لعبة المحيبس أو البات)، نسبة للمحبس الموجود في اللعبة، وكانت هذه
اللعبة التراثية الشعبية تقام في الأزقة والحدائق العامة بين فريقين وربما فرق كل
فريق من مدينة، وحالياً هذه اللعبة أصبحت تقام وفي خطوة لإحيائها تحت إشراف مؤسسات
او اتحادات لمنع اندثارها وزوالها ولكنها تظل محاولة خجولة أمام وسائل جذب باتت
منتشرة في مجتمعنا كالمقاهي والكوفيشوب والمولات المزودة بالنت والنرجيلة وكل شيء.
ونختتم مقالتنا هذه بالقول وبحسرة إن العادات
والتقاليد في شهر رمضان المبارك قد تغيرت كثيراً عما كانت عليه قبل سنوات، بل تكاد
تضمحل وتزول بشكل نهائي، فالفضائيات ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي أو تطبيقات
الهواتف الذكية التي غزت بيوتنا فعلت فعلها في التأثير على نمط حياتنا وفرضت علينا
أنماطاً من السلوك الفردي والجمعي لم تكن سائدة من قبل وقامت بدورها المرسوم في
الحرب الناعمة!
0 تعليقات