التجربة
الصينية وحكم مينشين
د. محمد ابراهيم بسيوني
الصين تمتلك واحد من أقوي اقتصاديات العالم دخلت كل بيت
علي الأرض، تنتج وتصدر كل شئ وأي شئ وتنافس في كل المجالات العلمية وكل يوم تحقق
معجزة. الصين معظم أهلها يعيشون حياة مرفهة يتمناها ويحلم بها معظم سكان الأرض.
الصين بدأت كل هذا من وضع أقل بكثير من وضعنا ووصلت بأهلها الذين كانوا من القمة
للقاع يلبسون "براند واحد"، ويأكلون طعام واحد؛ لكن كلهم كانوا يعملون
ليل ونهار. الصين بلد حضارة قديمة وعلم قديم استثمروه لكن ليس بالكلام علي القهاوي
والتفاخر علي الميديا أو التشكيك والتباكي، استثمروه بطريقة أخري ونحن فرصتنا أكبر
وممكن نحقق أكثر لو كنا نريد بالعمل.
كانت في الواقع عملية صنع القرار على النمط السوفيتي
القديم تهتم أكثر بالمركزية من الديمقراطية، ولكن الصين قد حسنت ذلك، وأسست مساءلة
إجرائية في مركزيتها الديمقراطية. وفي ظل هذا النظام، فإن قراراً كبيراً مثل خطة
الدولة الخمسية للتنمية أخذ أكثر من عام من المشاورات المكثفة والتفاعلية في مختلف
مستويات الدولة والمجتمع الصينيين، مع العديد من دورات "من الشعب وإلى الشعب،
وإلى الشعب من الشعب". وتلقت عملية صنع القرار مدخلات من الآلاف من مؤسسات
الفكر والرأي، والوكالات الحكومية، والجامعات، والعلماء البارزين والمحترفين، بما
في ذلك مناقشات ساخنة نادرة في وسائل الإعلام الاجتماعية وعلى موقع ويبو للمدونات
الصغيرة.
طلبت مجموعة الصياغة التي رأسها الرئيس شي جين بينغ
شخصياً، الآراء من أكثر من 100 مؤسسة في جميع أنحاء البلاد، وتلقت 2500 اقتراح على
مدى عام ونصف العام. وقُبل نحو 50 في المائة من هذه الاقتراحات. وخلال هذه
العملية، ذهب جميع كبار القادة لمناطق مختلفة من الصين لإجراء تحقيقات في التحضير
للمداولات بشأن القرار. ونتيجة لذلك، فإن القرار النهائي عكس التوافق الواسع
للمجتمع الصيني حول العديد من القضايا مثل إصلاح الصحة العامة، وتعديل سياسة الطفل
الواحد، وتأخير سن التقاعد، وإصلاح القطاع المصرفي، وإصلاح التعليم.
القضية الصينية قد تكون فريدة من نوعها، حيث إن الدولة
الصينية، تحت مفهوم" اقتصاد السوق الاشتراكي"، لا تدير فقط هذه الأدوات
الكينزية مثل السياسات المالية والنقدية، ولكن أيضا أدوات أخرى قد لا تكون متاحة
في بلدان أخرى، مثل الملكية العامة للأراضي والموارد الإستراتيجية فضلا عن القطاع
الحكومي الكبير، وتعطي هذه الأدوات الدولة الصينية سلطة أكبر. وقف خلف كل هذا
الفلسفة الصينية في الحكم، بما في ذلك اثنان من المفاهيم المميزة هما "مين
يي" (minyi) و"مينشين" (minxin)، وتشير الأولي إلى "إرادة الشعب" والأخير إلى
"مشاعر الشعب". ويمكن أن تكون إرادة الشعب عابرة وتغيير بين عشية
وضحاها، في حين مشاعر الشعب تميل إلى أن تكون مستقرة ودائمة، مما يعكس كل مصالح
الأمة على المدى الطويل. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، حتى في ظل الضغوط
الشعبية أحيانا النابعة من إرادة الشعب فقد ظلت الدولة الصينية تمارس عموما
"حكم مينشين" . وهذا يسمح للصين بالتخطيط للمدى المتوسط وإلى المدى
الطويل وحتى للجيل القادم، بدلا من 100 يوم المقبلة أو الانتخابات المقبلة كما هو
الحال في العديد من البلدان. ولا تزال الصين تواجه العديد من التحديات المرعبة
التي تتراوح من الفساد إلى فجوات الدخل الإقليمية والتدهور البيئي، ولكن الصين هي
في الواقع أفضل مما كانت عليه في أي وقت في تاريخها الحديث. وتعتبر البلاد الآن
أكبر مختبر في العالم للتجريب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وتوجد كل الأسباب
التي تدعو للاعتقاد بأن الصين، التي لديها نظام سياسي مُتكيف بشكل مستمر، سوف تصل
إلى هدفها المتمثل في أن تصبح أكبر اقتصاد في العالم في غضون عقد من الزمن مع كل
الآثار المترتبة على الصين نفسها وبالنسبة لبقية العالم بأسره .
عميد طب المنيا السابق
0 تعليقات