آخر الأخبار

حتمية التقريب 1/1


حتمية التقريب





محمود جابر

مدخل:


التقريب، إجمالا؛ هو اتجاه جاد داخل الإسلام مجرد تماما من اللون الطائفي أو الاقليمى،للتخلص من العداوة المتبادلة بين أهل المذاهب الإسلامية المختلفة، وصيانة وحدة المسلمين .

ويخرج من نطاق هذا التعريف التبشير بالإسلام عند غير المسلمين، وكذا التبشير بمذهب من المذاهب الإسلامية عند أهل مذهب آخر منها، كما يخرج التقارب بين أهل الأديان المختلفة سواء أكان الإسلام من بينها أم لم يكن، كما يخرج منه رد الغلاة الذين ينتسبون للإسلام باسم مع الإخلال بركن أو أكثر من أركانه، ويخرج كذلك منه رد المقصرين من المسلمين، وأخيرا يخرج منه المدارس والمذاهب الإسلامية، وكل اختلاف في الرأي بين المسلمين لا يصحبه عداوة تحدث انقساما فى وحدة الجماعة الإسلامية .

ذلك أن التقريب يرتبط ارتباطا تاما بوحدة المسلمين، إذ هو محاولة للدفاع عن هذه الوحدة واستنقاذها.

ووحدة المسلمين تدور على محورين :
أولهما : التسليم بحقوق عامة للمسلم فى كل مكان من بلاد الإسلام، بغض النظر عن مذهبه وطبقته وجنسه ولونه ولغته، وأهمها عصمة دمه وماله وعرضه، وإلا يظن به السوء .
وثانيهما: اعتقاد أخوة المسلم للمسلم تبعا لإخوتهما فى الله .
فليس التقريب حركة تبشيرية بأي وجه، ولا يدخل فى رسالته الدعوة لإسلام بين غير المسلمين، ولا الدعوة لنشر هذا المذهب أو ذاك بين المسلمين في أي مكان، لأنه لا ينشد إزالة المذاهب الإسلامية، ولا إضعاف ولاء المسلمين لمذاهبهم، وإنما ينشد إزالة العداوة المتبادلة بين أهل هذه المذاهب، لأنه لا تلازم بين وجود المذهب والولاء له، وبين عداوة المنتسبين إلى المذاهب الأخرى وبغضهم.
ولا يدخل فى مهمة التقريب التقارب بين أهل الأديان المختلفة توحيدا لمساعيها فيما تتفق عليه مبادئها من البر والخير والفضيلة والاهتمام بروح الإنسان، وفى دفاعها ومقاومتها للمذاهب والحركات المادية التي انتشرت فى هذا الزمان .
ولا يشتغل التقريب بمحاولة رد الغلاة من الفرق والطوائف الغالية إلى الإسلام الحق، لان هذه المحاولة مع وجوبها مهمة قائمة بذاتها تحتاج لمن يتوفرون عليها ولا يشتغلون بسواها .
كذلك ليس من اختصاص التقريب رد المقصرين من المسلمين عن تقصيرهم فى أداء الالتزامات التي يوجبها الإسلام على المسلم فى العبادات والمعاملات فهذا مع لزومه عمل ضخم يتناول كل جوانب حياة المسلم، وظروفه، وظروف المجتمع الذي يحيا فيه .
ثم لا شأن للتقريب باختلاف المسلمين في الرأي، ولا بالمذاهب ومدارس الفكر عندهم ما دام الاختلاف الفكري لا ينقلب إلى عداء وانشقاق وعداوة أو لا يصحبه شيء من ذلك، لان وجود المذاهب ومدارس الفكر المختلفة داخل الإسلام شيء طبيعي مرغوب فيه ليس منه بد مادام الإسلام دينا حيا لإحياء لكي يزدادوا حياة، وليس دينا ميتا لأموات لكي يهيئ لهم الانسحاب من الدنيا .
مع الأخذ فى الاعتبار أن الإسلام ذاته شحنه هائلة من النشاط العقلي الروحي تأبى أن يتحول المسلمون إلى مجرد نسخ متطابقة تتكرر باستمرار وبلا اختلاف من عقل واحد، أيا كان هذا العقل، حتى لا يهلك المسلمون من الإجداب والرتابة والركود والشعور بالقدم والموات، فالمسلم ليس نسخة من أحد، وإنما هو أصل فذ يعقد عليه الإسلام آماله، ويضن به على الدنيا بأسرها، وليس يرضى الإسلام أن تلد المسلمات مكررة معتمة، وإنما يرضيه ويعليه إنجاب العقول الجديدة اليقظة النشطة التي تتسلم دينها ودنياها بشغف وحماس، وتحلل بلوراتها الصافية المتنوعة الطاقات والأبعاد وضياء الإسلام إلى مالا حد له من الألوان المبهجة الملهمة.

إرسال تعليق

0 تعليقات