الصفقة المشبوهة
د. محمد ابراهيم بسيوني
على عكس السياسات الأمريكية السابقة المتحفظة عملت
الإدارة الأمريكية منذ قدوم الرئيس ترامب على التمهيد للرأي العام الأمريكي بأن
حلول الأزمات الاقتصادية هناك مرتبط بضرورة التخلي عن رعاية الأمن العربي بتمويل
أمريكي وهو الأمر الذي لم يحدث قط سواء كان وجه السلطة جمهورياً أو ديموقراطياً،
حيث أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ ظهور النفط في أرض الجزيرة العربية لم
تنفق سنتاً واحداً من ميزانياتها على هذا الأمن المزعوم، بل أنها تلقت الدعم
المادي والنفطي غير المشروط لمدة ستون عاماً منذ لقاء الملك عبد العزيز آل سعود
وفرانكلين روزفلت في العام ١٩٤٥ في مقابل حماية عرش آل سعود، ضمانا لاستمرار الحماية
وكذلك دفع الأذى عن عروشهم الأزلية.
الصفقة التي يتصدى لها جاريد كوشنر صهر الرئيس
الأمريكي ومحل ثقة السلطات الصهيونية في فلسطين المحتلة، والتي تعزف أطراف أخرى
كدول الإتحاد الأوروبي والصين وروسيا عن دعم تلك المبادرة أو مجرد إبداء النصح
بشأنها. هذه الصفقة لن تنجح في التطبيق من خلال التجارب السابقة مع سلطات الاحتلال
الصهيوني في فلسطين المحتلة خلال أي اتفاقيات مسبقة لم يلتزم الصهاينة بتطبيقها
كعادتهم.
الصفقة المشبوهة تحول قضية نزاع حقوقي إلى مجرد مسألة
تعاطف إنساني.
سيتحدث كوشنر
وترامب عن "حل الدولتين" الذي سبق ورفضه صراحة نتانياهو وقال أن حل
مشكلة اللاجئين مثلاً سيكون خارج حدود الأرض المحتلة. وسيحاولان، بل سينجحان في
إقناع بعض الحكام العرب بأنهم يؤمنان بفلسطين مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية،
وستتم الدعوة لجلسات استماع ومناقشات حول أفكار واشنطن لعزل كل مشكلة على حدة وفصل
مكونات القضية وربما تدويلها لإيجاد حلول سياسية وتمهيد الطريق للسلام والاستقرار،
بينما في واقع الأمر سيتم توزيع المشكلة بصعوباتها وبتكاليفها على عدة أطراف بعضها
قبض الثمن مسبقاً وبشكل مثير للشفقة.
نتانياهو
وترامب لن يعطيا للشعب الفلسطيني شيئاً، وقد أعلنها الأول صراحة أنه لن يقبل بأرض
فلسطينية موحدة تحاصر دولته. هكذا صارت الأمور منذ مؤتمر مدريد، ولم تشفع قرارات
الأمم المتحدة ولا الوساطات الدولية في تطبيق الشرعية أو إعادة الحقوق لأصحابها.
------------------
عميد طب المنيا السابق
0 تعليقات