البغدادي لم يستسلم بعد
بعد هزيمته في سوريا والعراق،
ظهر أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم "داعش" من جديد من خلال
شريط فيديو نشر على الإنترنت ليعلن للعالم خطّته المستقبلية. وكما هو متوقع، أثار
الحدث اهتمام بعض الصحف السويسرية الصادرة هذا الأسبوع.
في مقال تحليلي رابط خارجي
كتبته هيلين سالون، لصحيفة "لوموند الفرنسية"، وأعادت نشره صحيفة
"لوتون" السويسرية الناطقة بالفرنسية يوم الاثنين 29 أبريل الماضي، ورد
التأكيد على أن "هذه أوّل مرة يظهر فيها زعيم تنظيم الدولة (عراقي الأصل يبلغ
من العمر 47 عاما) على الملأ منذ الإعلان عن تأسيس "الخلافة" من جانب
واحد في جامع النوري بالموصل في شهر يونيو 2014". وتذكّر الكاتبة بأنه
"لم تنسب للبغدادي أي رسالة صوتية منذ شهر أغسطس 2018 ". ويأتي هذا
الظهور، من خلال تسجيل سمعي بصري مدّته 18 دقيقة نشر على "الفرقان"، وهو
موقع دعائي لصالح التنظيم، بعد أن انتشرت إشاعات حول وفاة زعيم التنظيم أو إصابته
على الأقل. وقد أكّد المركز الأمريكي لمراقبة التنظيمات المتطرّفة لاحقا صدقية هذا
التسجيل.
"الجهاد فقط هو الذي
يستطيع مقارعة الطغاة"
المقال يحاول تحديد الفترة
التي سجّل فيها هذا الفيديو بالاستناد إلى العديد من المؤشرات من داخل الفيديو
نفسه لتصل الكاتبة إلى أن هذا الخطاب يعود إلى "ما بعد معركة باغوز، وهي آخر
منطقة كان يسيطر عليها تنظيم "داعش" في شرق سوريا وبالتحديد يوم 23
مارس 2019، ولكن قبل الهجمات التي استهدفت كنائس وفنادق في سريلانكا يوم 21 أبريل.
فهو يتطرّق إلى جانب ذلك إلى سقوط عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر وعمر البشير في
السودان، وقد عبّر في خطابه عن "أسفه لكون الناس هناك "قد استبدلوا
طاغية بآخر"، وخلص إلى أن "الجهاد فقط هو الذي يستطيع مقارعة
الطغاة".
الطريقة التي صُمّم وأخرج بها
الفيديو مدروسة بدقة دائما بحسب الكاتبة "لتأكيد الدور المركزي للبغدادي داخل
تنظيم الدولة، وتعزيز الثقة في منظمته، بعد الإنقسامات التي هزت التنظيم بعد سقوط
سيطرتهم".
وفي هذا التسجيل، وعد البغدادي
- دائما نقلا عن الصحيفة - بـ "الانتقام لأتباعه الذين قتلوا"، وبأن
"المعركة مع الغرب ستكون طويلة، وعلى المستوى العالمي".
وفي تدوينة على تويتر، يعلّق
شارلي فانتر، الخبير بالمركز الدولي لدراسة التشدد، التابع لجامعة "كينغز
كوليدج" في لندن، على هذا التسجيل قائلا: "إنها ليست دعوة لحمل السلاح
ولكنها دعوة إلى الاستمرارية. ويقدّم داعش على أنها تنظيم حيوي ودينامي، ويدعو
حوارييه للإستمرار في مناصرة القضية مهما حصل".
رسالة خطيرة من تنظيم حاضر في
عشرين دولة
بعد سقوط سيطرت داعش على الارض،
وعد البغدادي، نقلا عن نفس المقال، "بالقيام بعمليات ضد
"الصليبيين"، على غرار الاعتداءات التي استهدفت كنائس وفنادق في
سريلانكا مؤخرا والتي أودت في آخر حصيلة بحياة 253 شخصا بريئا، أو الاعتداءات
الاثنين وتسعين التي نفّذت في ثمانية بلدان مختلفة باسم هذا التنظيم الإرهابي.
ويشير تقرير منشور حول أنشطة التنظيم ظهر في صور الفيديو المذكور إلى نشاط هذا
التنظيم في بلدان مثل الصومال وليبيا وتركيا ومنطقة القوقاز وغرب إفريقيا، وفي
منطقة سينا بمصر".
خطورة هذا الفيديو بحسب
الخبراء والمراقبين تأتي من التوقيت الذي ظهر فيه ليبدو بمثابة إعلان "طي
الصفحة نهائيا أي الإنتقال من مرحلة مشروع الدولة أو الخلافة في سوريا والعراق إلى
خلايا نائمة في البلديْن حيث يشن التنظيم هجمات أو في سريلانكا" بحسب كل من
الخبير شارلي فانتر والخبير أيمن التميمي الذي نشر مؤخرا مقالا حول الموضوع في
المجلة الأمريكية المشهورة "ذي أتلانتيك".
وتختم الكاتبة مقالها بالتأكيد
على أن البغدادي "قد خاطر كثيرا بإطلاقه هذه الرسالة. فالرجل الذي كان يترأس
في نهاية 2014 مصائر سبعة ملايين شخص في أجزاء كبيرة من سوريا وحوالي ثلث العراق،
هو الآن واحد من أواخر قادة التنظيم الذين نجوا من الحرب".
البغدادي لم يستسلم بعد
أمّا في صحيفة نويه تسورخر
تسايتونغ فتقدم مراسلتها من إسطنبول إنغا روغ في تقرير مفصّل نشرته يوم الثلاثاء
30 أبريل رابط خارجي عرضاً لآخر التطورات المتعلقة بتنظيم "داعش"، وذلك بمناسبة ظهور زعيمها في هذا التسجيل المصور الجديد. كان أول
ظهور للبغدادي بهذا الشكل في يونيو 2014، عندما تحدث من منبر جامع النوري في
الموصل خلال خطبة الجمعة، وأعلن توليه للخلافة على مساحة يمكن مقارنة حجمها
بالمملكة المتحدة، بحسب الصحيفة، التي تضيف أنّ "الدمار يعمّ موطن خلافته
هناك الآن".
في السنوات الماضية التي عانى
فيها التنظيم هزائم عديدة اقتصر ظهور البغدادي على رسائل صوتية، كان الهدف منها
تشجيع أتباعه على الصمود. في تلك الفترة انتشرت اشاعات كثيرة عن موته أو عن تعرضه
لإصابات خطيرة، كما وضعت الولايات المتحدة الأمريكية جائزة وقدرها 25 مليون دولار
لمن يأتي بخبر عنه ويتسبب بالقبض عليه. ولكن على ما يبدو فإن البغدادي حيّ يرزق وبصحة
جيّدة، بحسب الصحيفة، فقد ظهر في هذا التسجيل الذي نشرته قنوات التنظيم على
الإنترنت.
تنقل الصحيفة أيضاً تفاصيل ما
جاء في الفيديو من اعترافات للبغدادي بالهزيمة في باغوز في نهاية مارس 2019، آخر
معقل للتنظيم، على أيدي الأكراد السوريين وحلفائهم مدعومين جوّاً من التحالف
المناهض لتنظيم الدولة بقيادة الولايات المتحدة. وترى روغ أنّه يؤكد بطريقته
الخاصة قول خبراء الإرهاب بأنّ "تدمير الخلافة هو في أحسن الأحوال انتصار
مرحلي في المعركة ضد التنظيم". وتنقل عنه قوله "إن معركة باغوز أثبتت
وحشية الصليبيين على الأمة، على جميع المسلمين. ومع ذلك، مثل معارك المدن الأخرى،
أظهرت أيضًا صمود المسلمين". وتأتي الصحيفة على ذكر قادة التنظيم الذين تطرّق
البغدادي نفسه لهم، ممن قُتلوا في المعارك في منطقة باغوز، "بمن فيهم
المتطرفون من المملكة العربية السعودية ومصر والعراق، والعديد من الجهاديين من
أستراليا وبلجيكا وفرنسا. والإخوان الفرنسيان فابيان وجان ميشيل كلاين المعروفان
باسم أبو أنس الفرنسي وأبو عثمان، اللذان يعتبران العقل المدبر لهجمات نوفمبر 2015
في باريس، والتي أودت بحياة 130 شخصًا".
توقيت التسجيل المصور
ترى روغ أنّ البغدادي يؤكد من
خلال ذكر الجهاديين الأجانب إلى "تطلعات عالمية للمتطرفين"، وتنقل عنه
قوله "الجهاد ضدّ الصليبيين سيستغرق وقتاً طويلاً". وقد تبنى البغدادي
في الفيديو الهجمات الأخيرة في سيريلانكا والهجوم الصغير في المملكة السعودية في
نفس اليوم، ويسمي هذه الهجمات "ردّاً على باغوز" وهنأ "الانتحاريين
على المذبحة". على ما يبدو لا علم لأحد إلى الآن عن مكان ووقت التسجيل المصور
هذا ومدته 18 دقيقة. العراقيون يعتقدون أنّ البغدادي في مكان ما في وادي الفرات،
على الحدود العراقية السورية، والبعض الآخر يعتقد أنّه في سوريا. في الفيديو يناقش
البغدادي العديد من الأحداث الجارية في العالم كانتخاب رئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو والإطاحة بالأنظمة الحاكمة في الجزائر والسودان، كما جاء في تقرير
الصحفية.
في نهاية التقرير، تتطرق
الصحفية إلى أجواء تصوير الفيديو وإلى الأشخاص المتواجدين فيه، ومن ثم تصل إلى
استنتاجها الذي يتعلّق بالهدف الأساسي من نشره، إذ ترى أن أهم رسالة موجهة لاتباعه
هي "أنّه على قيد الحياة"، من أجل "رفع معنوياتهم"، كما أنّ
روغ لا تنسى التوقيت الذي نُشر فيه الفيديو قبل حلول شهر رمضان بأيام قليلة، وتقول:
"في الرؤية التدميرية للمتطرفين، ,الاستشهاد’ في شهر الصيام مقدس بشكل خاص،
في السنوات الأخيرة، كان يرافقه عادة زيادة في الهجمات".
0 تعليقات