الحقيقة الغائبة
الأستاذ والطالب
أو
الولي والوريث لكشف 4/4
الزركانى البدرى
وكان النظام يعتبر كل هذه
الحركة موجهة له، لأنه لا يريد للشعب أن يستيقظ ويكون واعياً؛ لأنه سيدرك أن السبب
الرئيسي لما يحل به هي حماقات النظام وسياساته الخرقاء.
وقد وجد بعض الإخوة في إحدى
وثائق مديرية الأمن العامة بعد سقوط النظام وأوكاره بيد الشعب رسالة موجهة من مدير
أمن بغداد المدعو اللواء عباس إلى مدير الأمن العام يذكر فيها أن له شرف السبق إلى
التنبيه على خطورة حركة الشيخ محمد اليعقوبي وأنها تشابه حركة السيد محمد باقر
الصدر نحو الشباب والمثقفين في السبعينيات.
وبتنامي هذه الحركة المباركة
فقد أخذت معالم الخط الصدري الحقيقي –باعتباره طليعة الحركة الإسلامية – تبرز
بوضوح ويستعيد ثقته بنفسه، وبدأ باجتذاب المثقفين الأكاديميين والشباب، وابتعد عن
العنف والصِدام والتسقيط الذي كان من المخلّفات السيئة التي تحمّلت وزرها بسبب
تصرفات بعض المحسوبين على السيد الصدر (قدس سره)، وغَيَّر الكثيرون تقليدهم إلى
السيد الصدر (قدس سره) مستندين إلى فتوى بجواز تقليد الميت ابتداءً إذا كان هو
الأعلم، وازدادت القاعدة الصدرية وتميزت بحركتها ونشاطها وأهدافها.
وبدأ القلق يساور السلطة،
وأخذت تتابع هذه الحركة وتراقبها وتعتقل من تشتبه بهم وتحقق معهم لمعرفة كيفية
إدارتها بهذه السعة والانتشار وأسماء العاملين فيها وأبلغوني أكثر من مرة أن هذه
الإصدارات غير مجازة وتعتبر مخالفة، وكنت أناور معهم بما يخفف الاحتقان فتارةً
أُوضِّحُ لهم أن مضامين المنشورات خالية من السياسة، وأن الهدف منها إصلاح المفاسد
والانحرافات الأخلاقية، وهو من صميم عملنا كحوزة علمية، والمفروض أنه عمل يصب في
مصلحة الدولة التي هدفها إصلاح حال الناس وإسعادهم.
وتارةً أنفي مسؤوليتي عن تأليف
بعض الإصدارات وهو حقٌّ؛ لأن بعضها يكتبها غيري بإشرافي وتوجيهي ومراجعتي.
ومما يذكر في هذا المجال أنه
طُرِق باب الدار عليَّ بعد عودتي من صلاة المغرب والعشاء فخرجتُ، وإذا بأربعة من
الرجال بزيٍّ أنيق قد ترجّلوا من سيارة ذات دفع رباعي تستعملها الحكومة، وتقدّم
أحدهم وعرّف نفسه بأنه نائب شيخ الطريقة الكسنزانية –التي ينتمي إليها ويرعاها عزة
الدوري نائب صدام وآخرون ويحضرون جلساتها وطقوسها – الدكتور فلان وأن مجيء هذا
الوفد لإيصال رسالة عتب من شيخ الطريقة لما ورد في كتيب صدر بإشرافنا ضمن سلسلة
نحو مجتمع نظيف عن أدعياء السفارة وأصحاب النور والطرق المضللة للسذج وذكر اسم شيخ
الطريقة فيه، وحدّدوا لي الصفحة ولا زلت أتذكر أنهم قالوا ص92، وأظهرت لهم عدم
علمي بالتفاصيل، فأبرزوا لي الصفحة من الكتاب، وهنا قلت لهم: هل الكتاب من تأليفي؟
قالوا: كتب عليه أنه بإشرافكم، قلت: هذه كتابات لبعض طلبة العلم يرغبون بنشرها
وأكتب اسمي كمشرف عليها لترويجها، ومن وظائفي رعاية الأقلام الناشئة وتشجيعها
ولا أعرف كلَّ الذين
يراجعونني، فرضوا بهذا العذر وبدأوا يتحدثون عن طريقتهم، وأنها متصلة إلى أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). هذا كله جرى في باب الدار ولم أدعهم
للدخول لأنهم أربعة وأنا واحد، فأردت أن أكون أمام الناس؛ لأن الشارع لا زال
سالكاً والليل في أوله.
ولتحجيم هذه الحركة والسيطرة
عليها فقد عرضوا(1) – مكراً – أن تقدم المطبوعات عبر الطرق القانونية –أي الدائرة
المختصة في وزارة الإعلام مع لجنة خاصة من وزارة الأوقاف- لمراجعتها وسيجيزونها
ليكون نشرها قانونياً، وكان الهدف تعويق هذه الحركة وتحجيمها ووضع هذا النشاط تحت
سيطرتهم، وكنت أعلم أنهم لا يجيزونها فقد كنت قدمت قبل ذلك كتاب (الرياضيات
للفقيه) لمنح إجازة الطبع فمنعته الرقابة على المطبوعات مع أنه كتاب علمي خالص،
ولكنني أبديت موافقتي على العرض وقدمت لهم كتاب (من وحي الغدير) وواصلت طباعة
الإصدارات الأخرى لتبدو وكأنها صدرت قبل هذا الوقت، وإنني ملتزم بهذا الأمر، وفشلت
خطتهم ولم يجيزوا هذا الكتاب أيضاً.
ومما زاد قلق النظام صدور
مواقف وبيانات سياسية تشعر بأنها تستهدفه بشكل مباشر، وهو الذي لا يرضى بأقل من
ذلك، بل يرفض بشدّة أي توجه توعوي حركي أو سياسي للحوزة العلمية، فقد ندّدت في
أكثر من بيان وكتيب بالتوجه الإفسادي للرياضة، حيث كان يرأس المقبور ابن المقبور
عدي صدام حسين اللجنة الأولمبية، ونشرنا بياناً وكتيباً بعنوان (احذر في بيتك
شيطان) لفضح البرامج الرذيلة التي كان يعرضها تلفزيون الشباب الذي كان يديره عدي،
مضافاً إلى موقفنا الصريح والواضح برفض قرار الحكومة بإلزام الطالبات بالتقاط صور
بدون غطاء الرأس في هويات المشاركة في الامتحانات العامة، فعطّلت درسي فور علمي
بالقرار وألقيت محاضرة لبيان خطورة هذا القرار ومخالفته للشريعة، والمطالبة
بإلغائه، وطبعت المحاضرة في منشور ووزِّع بكثافة ووصل إلى مسؤولي النظام، فألغوا
على الفور قرارهم السابق، وحاولوا تأويله بأنهم ما أرادوا خلع الحجاب وإنما أرادوا
عدم المبالغة فيه بحيث تغطي البنت أجزاءً من وجهها.
ونشر لي في مجلة الكوثر تعليق
عن العمليات الاستشهادية التي استهدفت الصهاينة الغاصبين في فلسطين، وقلت فيه أن
أول من سنَّ العمليات الاستشهادية هم الفتية الذين نصروا الحسين (عليه السلام)،
حيث كان أحدهم يلقي نفسه وسط جموع العدو التي فاقت سبعين ألفاً، ومثل هذه الروحية
ترعب النظام وتقلقه ويخشى من سريانها إلى الشعب.
كما كانت ترعبهم الخطوات
العملية التي تؤدي إلى تدريب الناس على الطاعة والانقياد لأوامر القيادة الدينية،
كالذي حصل عندما ألزمت بمقاطعة السيكاير الأمريكية والبريطانية والفرنسية رداً على
إعلانهم العداء للإسلام ووصف المسلمين بالإرهابيين، وأن صراعهم الحضاري القادم هو
مع الإسلام، وأن الإسلام هو عدو الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، واخترت تحريم
السيكاير لضررها أصلاً على الإنسان، وأصدرنا كتيباً بعنوان (حتى متى التدخين)
لبيان تلك الأضرار صحياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً، وكانت تجارة السيكاير
بيد أولاد صدام ومقربيه، فاستجاب المؤمنون للمقاطعة، وأثَّرت بشكل واضح على هذه
التجارة، مما دعا الشركة الرئيسية التي كانت تسيطر على السوق العراقية إلى أن تبعث
مندوبها من الأردن لمقابلتي(2) في مسجد الرأس، وعرّف نفسه بأنه (الشيعي) الوحيد
بينهم، وكأنه لاستدرار عواطفي، وحاول بخبث أن يعزل بيني وبين القواعد التي نفذّت
الأمر، وقال: إن بعض الجهلة نسبوا إلى حضرتكم هكذا قرار، فرددت عليه بحزم وقلت له:
إن القرار صادر مني فعلاً، ولا يحق لك أن تسمي المؤمنين الملتزمين بالأوامر
الصادرة من الحوزة (جهلة) وأنت تصف نفسك بأنك شيعي.
ثم قال بلغةٍ لا تخلو من إغراء
بأن القرار تسبب في تعطيل آلاف (الكارتونات)(3) من السيكاير في المخازن، وكل (كارتون)
تكلفنا رسومه (9) دولارات، قلت له: هذا شأنكم وعليكم أن تلتزموا بهذا القرار كأبسط
إجراء لمواجهة عدوان الغرب ولحماية صحة الناس من هذا الداء، وهنا انتقل إلى
التلويح بالتهديد، فقال: للعلم فإن للشركة فرع وحيد في العراق ومقره في تكريت (وهي
أصل صدام وأزلامه)، ولم ألتفت إليه وانتهى اللقاء.
---------
(1) بواسطة العميد مدير
السياسية والدينية في مديرية الأمن العامة، والعميد مدير أمن محافظة النجف.
(2) كان اللقاء يوم 10/6/2002 م الموافق 29/ربيع
أول/1423 هـ.
(3) الكارتون يضم (50) مجموعة
المعروفة بالكروص التي تضم الواحدة 10 علب.
الحلقة السابقة : الحقيقة الغائبة الأستاذ والطالب أو الولي والوريث لكشف 3/3
0 تعليقات