آخر الأخبار

الحقيقة الغائبة الأستاذ والطالب أو الولي والوريث لكشف 3/3



 الحقيقة الغائبة


الأستاذ والطالب
أو
الولي والوريث لكشف 3/3







الزركانى البدرى 


يصادف ذكرى زيارة السيد الصدر (قدس سره)  لقاءه بالطلبة وإعلانه للمرشح الوحيد وبذكرى ولادة الزهراء (عليه السلام) (20 جمادى الثانية) التي شهدت عام 1418هـ انطلاق صلاة الجمعة المباركة، فارتجلت كلمة تربط بين هذه المناسبات (ولادة الزهراء، إقامة صلاة الجمعة، جامعة الصدر، استخلاف القيادة النائبة) بانسجام عجيب، ثم لما رأيت فكرتها عميقة، نقحتها وألقيتها في مسجد الرأس الشريف في ذكرى عيد الغدير بعنوان (كيف خطط رسول الله (ص) للخلافة من بعده) وحذفت منها خصوصيات جامعة الصدر وما يتعلق بخلافة السيد الصدر(قدس سره) لتكون عامة ولأنني كنت أخفي قضية وصية السيد الصدر للمرشح الوحيد وشريط التسجيل لحديثه (قدس سره).
وأخذت هذه المحاضرات تأخذ صداها في الحوزة والمجتمع، وراحوا يترقبون مناسباتها فيمتلئ مسجد الرأس على سعته بالحضور وتسجل وتنتشر أشرطة التسجيل في المحافظات، بل انتقلت إلى خارج العراق وكان لها صدى وتأثير على العراقيين المهاجرين من بطش النظام في إيران وسوريا وغيرهما، وبعث الأمل من جديد ببروز قيادة واعية حكيمة للحركة الإسلامية في العراق الدامي، ويقول بعض أصحاب مكاتب التسجيل وبيع أشرطة التسجيل في كربلاء(1) أنه يبيع حوالي 3000 شريط في كل ليلة جمعة، حيث يفد الزوار إلى ضريح أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).
وكانت هذه المحاضرات تطبع وتنشر مضافاً إلى كتب متنوعة بحسب ما تقتضيه حاجة العمل الإسلامي والإصلاح الاجتماعي وقضايا الأمة. وقد أحدثت بعض هذه الكتب منعطفات في حياة الشباب والمثقفين والمهتمين بالوعي الإسلامي، ككتاب (شكوى القرآن) و (فقه طلبة الجامعات) و (فقه المرأة المسلمة) حيث طبعت منها آلاف النسخ عدة مرات إلى الآن، وكانت توزّع على مدى واسع في الجامعات والمساجد وسائر التجمعات.
واقترن مع هذه الحركة نشاط من نوع آخر، وهي المنشورات بأشكالها من البيان والاستفتاء والمقالة والكتيب والكتاب التي كنت أكتبها بنفسي أو أكلّف أحد بتحريرها بعد أن أعطيه الخطوط العامة والأفكار، ثم أراجع ما يكتب وأنقّح وأصحح حتى تبلغ الشكل المقبول، وقد آزرني في هذه الحركة ثلة من الطلبة العاملين خصوصاً من جامعة الصدر الدينية، لكني لم أكن أكتب الاسم الصريح لأي واحد على الكتب والمنشورات حرصاً على سلامتهم، وأكتفي بذكر أسماء حركية، وقلت لهم: (اعصبوها برأسي).
وكانت هذه الكتب والنشرات تنتشر بسرعة وبكثافة حيث تطوع العديد من الشباب الرساليين لاستنساخها وتوزيعها مع ما كان يمثل هذا من تحدٍّ للسلطات الأمنية، وأعتقل بسبب ذلك عدد منهم، كما تطوع آخرون لإيصالها إلى المعتقلين في سجن أبي غريب، الذي ضمّ الكثير من الشباب وطلبة الحوزة العلمية ممن اعتقلوا في أيام تصاعد الحركة الثورية للشهيد الصدر (قدس سره) وبعد استشهاده، وكانت تصل إليهم خلال ما يعرف (بالمواجهة) بين السجناء وزائريهم في مواعيد محددة وعبر آليات متنوعة لئلا تقع بأيدي الجلاوزة.
فمثلّت هذه الكتب والنشرات لهم سلوه وأملاً بتواصل النهج الذي سلكه السيد الشهيد الصدر (قدس سره).
وقد تنوعت هذه المنشورات لتغطي ساحة المواجهة إزاء كل التحديات، وتلبي الحاجة في مختلف الحقول، فعلى صعيد تبليغ الأحكام ونشر الفقه لدى الناس جميعاً وتقنين أفعالهم وفق الشريعة الإسلامية بدأنا بتطبيق الفقه الاجتماعي بلحاظ الشرائح الاجتماعية ومخاطبة كل شريحة بفقهها الخاص، فصدر (فقه العمال والموظفين والصيادين والحلاقين والخياطين والأطباء والصيادلة والمرأة والمعلمين والأسرة والتعامل بالدولار والشعائر الحسينية
والزيارات ونحوها كثير.. حتى فقه تجارة العتيق التي كثرت يومئذٍ بسبب حرمان الناس وعوزهم)؛ ومن الطريف أن بعض باعة العتيق تفاعلوا مع الكتاب المختص بهم، فتبرع أحدهم بطبع ونشر مائتي نسخة على نفقته.
ولتحذير المجتمع من بعض الدعاوى الدينية والطرق المضللة المبنية على الدجل كتبنا في أدعياء السفارة المهدوية والسلوكية وما يسمى بالطريحة وأصحاب النور والمزارات المنسوبة إلى أولاد الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وبعض الطرق الصوفية.
كما كرسنا نشرات عديدة لموجات الإفساد الأخلاقي التي كانت تنشر الخلاعة والانحلال بطرق عديدة؛ كنشر الصور الفاضحة مع الألبسة النسائية أو مع علب المنظفات أو في الحلويات ونحوها. وتارة باسم الرياضة وأخرى باسم الفن والثقافة وحذّرنا خصوصاً من القناة التلفزيونية التي أحدثها المقبور عدي صدام باسم (تلفزيون الشباب) تجاوز فيه على الآداب والأخلاق الاجتماعية فأصدرنا كتيب (أحذر في بيتك شيطان) وبعض المنشورات الأخرى وحصل ضغط على القناة مما اضطر عدي إلى تحميل مديرها المسؤولية فعزله وخفّف من مجون القناة.
وكنا ننبه إلى التيارات الفكرية التي تريد حرف المجتمع خصوصاً الشباب عن الطريق المستقيم، وقد كان من أكثرها تأثيراً ما كتبه المهندس عالم سبيط النيلي الذي ألّف أولاً كتباً استهوت المثقفين كالطور المهدوي وغيره، ثم لما رأى الإقبال على كتبه قدّم نظرية اللغة الموحّدة التي ادعى عند طرحها أن فهمها يؤهل معرفة معاني القرآن والروايات وتنتفي الحاجة إلى المجتهدين ومراجع الدين، وقد تأثر به جمع وتركوا التقليد، فكتبت كرّاساً بعنوان (نظرية اللغة الموحدة في الميزان) أوردت فيه على النظرية أكثر من ثلاثين نقضاً، وأثار الكراس حفيظة المتأثرين به وغيظهم؛ لأنه أحبط حركتهم، وما لبث الرجل أن مات بعد ذلك.
وخصصنا جزءاً مهماً من نشراتنا لبيان أبعاد شخصية المسلم وإثارة غيرته على هويته وخصوصياته وإلفات نظره إلى محاولات تذويب هذه الشخصية في النموذج الغربي وتمييعها وإفراغها من محتواها.
وكنّا نشخص بدقة المشاكل التي تعاني منها الأمة ونبيّنها ونوقظ الناس من الغفلة عن خطورتها، ونقدّم أفكاراً لمعالجتها، كمشكلة العنوسة والفقر والأيتام والأرامل وبعض التقاليد الاجتماعية البالية والظواهر المنحرفة والإشاعات الهدامة المخرّبة لثقافة المجتمع وعقائده، وصدرت كتيبات وبيانات في كل هذه القضايا.
وهكذا أخذت الحركة الإسلامية زمام المبادرة في المواجهة مع النظام ومع كل تحديات الفساد والانحراف والخواء الروحي وانهيار القيم، ونفضت غبار الكسل والإحباط واليأس الذي ساد بعد استشهاد السيد الصدر (قدس سره).

------
(1) صاحب تسجيلات (السفينة).


الحلقة السابقة :  الحقيقة الغائبة الأستاذ والطالب أو الولي والوريث لكشف 2/2

إرسال تعليق

0 تعليقات