آخر الأخبار

من الإبادة الي الإبقاء



من الإبادة الي الإبقاء





د. محمد إبراهيم بسيوني


هناك كائنات مجهرية تعيش على وجوهنا وأصابعنا، مائة مليار خلية بكتيرية تعيش على بشرتك وتقوم بالمضغ من زيوت الجلد الخاصة بك وتتكاثر، العديد منها تسرب محتوياتها أمعائها عبر المسام الخاصة بك .. وفقا لتقديرات أشارت إليها صحيفة نيويورك تايمز هناك حوالي تريليون نوع من الميكروبات على الأرض، و99.999 في المئة منهم لم يتم اكتشافها بعد.

 في الآونة الأخيرة كان يعتقد أن عدد الأنواع الميكروبية هو بضعة ملايين على الأكثر -أكثر قليلا من عدد أنواع الحشرات- ولكن التقديرات ظلت تنمو، وقد استخدم كينيث ج. لوسي وجاي ت. لينون، علماء الأحياء في جامعة إنديانا، تقنيتين لاستنتاج أن عدد الأنواع الميكروبية أكبر مما توقعه أي باحث سابق. ومن مصدر آخر أشارت العالمة مادين أن من خلال استخدامها تقنيات الحمض النووي المتطورة للكشف عن الحياة المجهرية في المنازل، وجدوا أكثر من ستمائة فصيلة من الحشرات في منازل أمريكا، بدء من العناكب والصراصير إلى أنواع العث الصغيرة. وهناك أكثر من مائة ألف فصيلة من البكتيريا والفطريات تعيش في أدوات تنظيف الغبار، والآلاف في أماكن أخرى كأماكن الاستحمام، وليس هذا وحسب بل تطرقت هي وفريقها للبحث في أماكن أبعد من ذلك، فبحثوا عن الحياة المجهرية التي تعيش داخل أجساد الحشرات التي تعيش في المنازل، فمثلا الدبور وجدوا فيه غابة مجهرية، ففيه عالم من مئات الأنواع النابضة بالحياة، عالم بيولوجي متكامل.

في المائة سنة الأخيرة ظهرت حلول إنسانية للمشاكل الميكروبية، ولكن خلال المائة سنة القادمة ستظهر حلول ميكروبية للمشاكل الإنسانية. طيلة السنوات السابقة كان العلماء يبحثون عن دواء لإبادة البكتيريا أما الحديث الآن عن أدوية من تلك الكائنات تنتفع البشرية منها. هدفهم الآن هو إيجاد تكنولوجيا من تلك الكائنات تساعد على إنقاذنا، فتلك المائة ألف فصيلة التي تم اكتشافها تمثل أيضا مائة ألف حل لمشاكل إنسانية، شئ من الصعب تصديقه كائنات غاية في الصغر يمكنها عمل أشياء بمنتهى القوة. فكائنات تستطيع المحافظة على حياتها بتناول أي شئ من البلاستيك والنفايات ولها القدرة على العيش في أي مكان بمقدورها إنتاج الزيت والطاقة من شذرات صغيرة من الذهب الحقيقي، وتحويل مواد غير قابله للأكل إلى مواد غذائية غاية في الأهمية لا غنى عنها، تهب هذه الكائنات الشوكولاه نكهتها والتربة القدرة على النمو، كما تحيل السكر إلى كحول .. إن المائة سنه المقبلة ستكون حافلة بالأشياء المذهلة في هذا العالم، ستحل هذه الكائنات مشاكلنا العديدة.

قام الدكتور ريتشارد غالو، طبيب الأمراض الجلدية والأحياء في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، وزملاؤه مؤخرا بتصنيع علاج ميكروبي مبتكر للأكزيما، وهو مرض يتميز ببشرة حمراء وحكة ملتهبة، وكانت وصفة بسيطة نسبيا. وقد اكتشف الدكتور غالو أن المكورات العنقودية هومينيس والمكورات العنقودية البشرية، وأعضاء عادة من ميكروبيوم الجلد البشري، يمكن أن تقتل المكورات العنقودية الذهبية، والتي من المعروف أن تلعب دورا في الأكزيما، لذلك قام الفريق بطرح المكورات هومينيس والمكورت إبيدرميديس من جلد عدد قليل من المتطوعين مع الأكزيما، ونمت البكتيريا في المختبر، وأدرجت الميكروبات في محلول سيتافيل. بعد ذلك طبق البلسم التجريبي على المتطوعين، مما أدى إلى زيادة كبيرة في أعداد بكتيريا الجلد المفيدة الخاصة بهم، في غضون 24 ساعة، والقضاء تقريبا على العنقودية الذهبية من جلدهم، كما تمكن الباحثون من التعرف على بعض المركبات التي تستخدمها البكتيريا المفيدة لردع العنقودية الذهبية.
الآفات دبور يعيش في المنازل بداخله كائنات مجهرية لها العديد من المميزات، فله قدرة على صناعة البيرة وهي ميزة القليل جدا من الفصائل من يملكونها، الحقيقة كل أنواع البيرة المتوفرة تصنع من ثلاث فصائل مجهرية، ولكن هذه الفصيلة تستطيع صنع بيرة ذو مذاق العسل، ولها طعم ورائع ولاذع. هذه الفصيلة المجهرية الدقيقة التي تعيش في بطن الدبور تصنع بيرة قيمة وحامضة، أفضل من تلك الفصائل الأخرى، والآن أصبح بالإمكان القول أن البيرة تصنع من أربع فصائل مجهرية على هذا الكوكب.

لقد تغيرت نظرتنا لهذه الكائنات بشكل كبير، فلم نعد نرى من خصومنا القديمة تلك إلا كائنات ودية لطيفة نسعى لخلق علاقات ودية معها أيضاً، إن الغوص في عالم الكائنات المجهرية والتعمق في القراءة فيه يجعلك تتلذذ بقراءة الجديد دون ملل. عالم الأحياء المجهرية هو حياة أخرى على هذه الأرض يحتاج منا أن نحافظ عليه أكثر من السعي نحو إبادته، الكائنات المجهرية هي عالماً من الكائنات الصغيرة تشاركنا العيش على هذا الكوكب وتهبنا المنفعة .
------


الأستاذ المتفرغ لعلم الميكروبيولوجيا الطبية والمناعة
وعميد طب المنيا السابق


إرسال تعليق

0 تعليقات