آخر الأخبار

جذور الأزمة الاقتصادية فى مصر




جذور الأزمة الاقتصادية فى مصر






د. محمد إبراهيم بسيوني

في ١٧ يناير عام ١٩٧٧ كنت طالبا في نهائي طب القصر العيني، واذكر جيدا أن هناك كانت توجيهات من الرئيس أنور السادات برفع الدعم عن بعض السلع الأساسية، وبالتالي ارتفاع الأسعار.

كانت من وجهة نظره الاقتصادية خطوة لابد منها لمحاولة بناء اقتصاد قوي عندما تُباع كل سلعة بثمن تكلفتها الحقيقي. لكن نزل الجموع إلى الشوارع في انتفاضة الخبز أو انتفاضة الحرامية كما لقبها الرئيس السادات مما اضطر بالحكومة لإلغاء قرارتها رضوخاً لانتفاضة الشعب، لتتوالى الأعوام وتزداد عجز الموازنة كل عام ويرتفع الدين الخارجي للدولة ويستمر انخفاض قيمة الجنية المصري من ٠,٤ للدولار عام ١٩٧٧ في حكم الرئيس السادات، إلى ٥,٥ للدولار عام ٢٠٠٧ في حكم الرئيس حسني مبارك، إلى ١٨,٨٥ للدولار عام ٢٠١٧ في حكم الرئيس السيسي.

رحلة قضتها مصر خلال أربعين عاما من انتكاسات اقتصادية متلاحقة كانت من الممكن أن يتجنبها هذا الجيل إن مررنا منذ أربعين عاما قرارات الرئيس أنور السادات برفع الدعم، في زمن كان عدد السكان ثلث عدد السكان الحالي، ونسبة البطالة أقل بكثير من الآن، ومستوى تعليمي لم يكن الأفضل لكن بالتأكيد أفضل من الآن، وسكن بإيجار دائم مُيسر للكثير غير ما وصلت إليه أسعار السكن الآن .. ألخ.

نحن الآن ندفع ثمن كان لابد أن يدفعه الجيل السابق منذ أربعين عاما لكنه رفض، فتفاقمت الأوضاع الاقتصادية والتعليمية وكل الأمور الخدمية مثل الصحة والتعليم إلى الحضيض. فإما أن ندفع ثمن الجيل السابق أملاً في حياة أفضل لأجيال لاحقة إن استطعنا أن ننجب أجيال لاحقه من الأصل، أو نتملص من دفع فاتورة إخفاقات الأجيال السابقة وننتظر جيلاً قادماً لتسديد فواتير أجيال ظلمها حكامها فظلموا من أتوا بعدهم أيضاً. تعديل نواميس الاقتصاد المصري لابد وأن تتغير أملاً في تغيير حقيقي آجلاً أم عاجلاً، برضا الشعب أم بانتفاضته، فمصر وصلت إلى مرحلة من التردي منذ الزعيم جمال عبدالناصر إلى الآن إلى أشده، الأمر الذي يستوجب التغيير بحلول جذرية بعيداً عن الترقيع الاقتصادي الذي هوى بكل الخدمات التعليمية والصحية وغيرها إلى ما قبل العصر الطباشيري. حلول لابد منها وإن كانت بالطبع تفاقم لمعاناتنا الآن فاخفافات دولة في عشرات السنيين أمر مرهق جداً في حله لكنه شئ لابد منه قبل رحيل جيلنا.
‫فلكي نتحدث بوضوح عن الأزمة الاقتصادية في مصر فهي بدأت عند التحول من النظام الاشتراكي إلى سياسة الانفتاح الاقتصادي دون حسابات دقيقة للتداعيات.
الأزمة الاقتصادية في مصر بدأت عام ١٩٧٤حين اقنع هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الرئيس أنور السادات بضرورة بناء طبقة من رجال الأعمال ومن ثم بات الانفتاح الاقتصادي ضرورة من وجهة نظر الرئيس أنور السادات الذي اكتشف عام ١٩٧٧ خسارة رهانه حين تراجع عن قراراته الاقتصادية بفضل انتفاضة الخبز الشعبية، ومن يومها ساد الارتباك في إدارة المشهد الاقتصادي حتى وصلنا إلى ما نحن فيه وبات العلاج يحتاج إلى حلول جذرية لم تتبلور حتى الآن بمسارات محددة وخطط زمنية منضبطة. الرئيس جمال عبد الناصر تدخل حين زادت الحكومة سعر كجم الحلاوة الطحينية قرش صاغ لأنه أيقن أن دعم النظام السياسي يظل مرتبطا بظهير شعبي عماده الطبقة الوسطى التي يضمن بقاؤها الحفاظ على السلم الأهلي وعدم سقوط المجتمع في أتون التطرف والإحباط وإلا زادت معدلات الجريمة بين الناس.
 مصر تحتاج الآن إلى عقول باردة تقدم تقييما جديا للوضع الاقتصادي والإجابة عن أسئلة عديدة منها، ما الذي أدى بنا للاعتماد على المساعدات ؟؟.
 ومن المسئول عما حدث خلال العقود الماضية ؟؟.
 وكيف السبيل للاعتماد على أنفسنا في إدارة بلدنا بعيدا عن شروط الخارج التي تزيد الوضع تعقيدا ؟؟.
 لا بديل الآن عن بناء مصر قوية بعيدا عن المحسوبية والفساد وابتزاز دول إقليمية وخارجية في ملف المساعدات التي تكون دائما مشروطة.
 مصر حضارة وتاريخ وتراث إنساني وموارد بشرية وطبيعية تستحق اقتصادا قويا ورفضا لمبدأ المساعدات الخارجية التي لا تقدم لوجه الله تعالى. هناك جماعات ودول تدعمها تستميت لتظل مصر ضعيفة اقتصادية لتمزيق النسيج الاجتماعي بها في مرحلة لاحقة، انتهى.



عميد طب المنيا السابق



إرسال تعليق

0 تعليقات