آخر الأخبار

الهلباوي الذي دافع عن الاحتلال ضد أبطال دنشواي




الهلباوي الذي دافع عن الاحتلال ضد أبطال دنشواي






سامح جميل

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 26 يونيو 1906م..
«الهلباوى» يترافع أربع ساعات ضد فلاحى «دنشواى» ويدافع عن الاحتلال الإنجليزي..
فى الساعة الثامنة والدقيقة 20 من صباح يوم 26 يونيو «مثل هذا اليوم عام 1906»، واصلت المحكمة عقد جلساتها التى بدأت يوم 24 يونيو لمحاكمة المتهمين فى حادثة دنشواى.. «راجع وقائع الجلسة الأولى فى ذات يوم 24 يونيو 2018».

كان يوم «26 يونيو» هو يوم إبراهيم الهلباوى، الذى أوكلت له الحكومة القيام بوظيفة النائب العمومى فى القضية، وبمقتضى ذلك «ترافع ضد هؤلاء الفلاحين الحفاة الجائعين، وشنقهم بلسانه»، حسب وصف صلاح عيسى فى كتابه «حكايات من دفتر الوطن» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة»، مضيفًا: «فى السرادق الذى أقيم أمام مبنى المديرية ليكون قاعة للمحاكمة، تعلقت به عيون وآذان أربعة آلاف من أعيان البلاد ووجهائها وهو يدخل إلى القاعة، ويقف على المنصة ليبدأ مرافعته، أما عيون المتهمين من فلاحى دنشواى وأسرهم فقد شخصت إليه شاردة، مثقلة بالهم والرعب والخوف من المجهول، تحاول أن تفهم شيئًا مما جرى أو يجرى فلا تفهم، كان الأمل فى النجاة أو الإفلات من حبل المشنقة قد ابتعد تمامًا منذ اللحظة التى عرفوا فيها أن الهلباوى سيترافع ضدهم».

بدأت مرافعة «الهلباوى» يوم 25 يونيو، وتواصلت يوم 26 يونيو «مثل هذا اليوم 1906»، وحسب نصها فى «مجلة المجلات العربية - أول فبراير 1906»، فإن «الهلباوى» لم يتورع فى وصف فلاحى دنشواى بأحط الأوصاف، فى مقابل وصفه للاحتلال الإنجليزى بأعظم الأوصاف، قال عن أخلاق المتهمين «سجاياهم تقبل كل جريمة»، وعن الضباط الإنجليز «سلكوا فى عملهم طريق الآداب واللياقة»، واستخدم كل مهاراته ليثبت على الفلاحين تهمة القتل مع سبق الإصرار.

استمرت مرافعته أربع ساعات كانت، وفقًا لصلاح عيسى «مرافعة عن الاحتلال ضد وطنه، وعن الصائدين ضد ضحاياهم، ولم يخطئ مرة واحدة أثناء مرافعته الطويلة فيلتمس عذرًا للبؤساء من أهل دنشواى فيما لم يفعلوه، فالقضية كما صورتها مرافعته، هى صراخ بين ضباط خيرين طيبين شجعان، وبين فريق من الهمج المتوحشين».

سيرًا على هذا النهج تحدث عن المتهمين السبعة الرئيسيين بكل سوء، قال: «حسن محفوظ هو أول الزعماء، كان فى وسط الحادثة، كنت أنظر إلى شيخوخته أتأثر، ولكن تلاحظون حضراتكم أنه رجل وصل إلى سن السبعين وكون من ظهره عائلة كبيرة ولم تهذبه هذه السن، يجب أن تطهر الجمعية البشرية منه، إنه لم يكدر قرية بل كدر أمة بأسرها، وصار أعيان البلاد والمنوفية خجلين من هذه الحادثة، وقد جاءوا كلهم يتبنون لحضراتكم أنهم أبرياء من هذه التهمة، حسن محفوظ أقام الفتنة النائمة فكدر جو أمة بأسرها، لأنه بعد أن مضى علينا 25 عامًا ونحن مع المحتلين فى إخلاص واستقامة وأمانة، أساء إلينا وإلى كل مصرى فاعتبروا صوتى صوت كل مصرى حكيم عاقل يعرف مستقبل أمته وبلاده»، كما تحدث بنفس السوء عن أحمد محمد، ويوسف حسين سليم، ومحمد عبدالنبى المؤذن، وأحمد عبدالعال محفوظ، والسيد عيسى سالم، ومحمد درويش زهران، وبعد أن أثبت أن هؤلاء السبعة هم زعماء المعركة، أخذ يشير إلى بقية المتهمين بسرد الأدلة ضدهم.

ثم تحدث عن مكارم أخلاق الضباط الإنجليز، وامتدح سلوكهم، وقال «إنهم لم يقبلوا أن يدافعوا عن حياتهم، وكان فى إمكانهم ذلك، ولكن لابد أنه يقضى على حياة الكثيرين، ولكنهم نسوا أنفسهم ونسوا واجباتهم وعرفوا أن واجب الفضيلة أسمى وأعلى»، وأضاف: «أرسل قائد جيش الاحتلال خمس نوتات تتضمن تاريخ حياة الضباط حيث قضى بعضهم سنوات فى حرب الترنسفال، وانتصروا وحازوا الميداليات ونياشين الشرف»، ثم قدمها للمحكمة، «فإذا كانت هذه أخلاق الأمة، وكان هؤلاء المتهمون قد خالفوا تلك الأخلاق بارتكابهم هذه التهمة الفظيعة، فهم يستحقون عليها أكبر وأشد عقوبة تناسبها حفظًا للنظام».

اختتم «الهلباوى» مرافعته بأن وجه نداء إلى المحكمة بأن تحكم بما تشاء، لافتًا إلى أن القانون الفرنسى يعاقب على جريمة المتهمين بالإعدام، والقانون الإنجليزى يعاقب بالإعدام ولا يشترط الإصرار، وقال: «لكم أن تحكموا بما تشاؤون لأنكم غير مقيدين بقانون، فاسمحوا لى أن أقول بأننا فى بلد إسلامى، ولنا أن نطلب معاقبة المتهمين طبقًا للشريعة الإسلامية، ففى «تبين الحقائق» فى شرح «الزينى» أن القتل العمد يعاقب عليه بالقتل، عملًا بنص القرآن الشريف «كتب عليكم القصاص» حتى لو كان القتل بقشرة قصب، وأنا قررت أنه إذا لم يتوفر الإصرار فلكم أن تطبقوا القانون الإنجليزى الذى لا يشترط الإصرار، ولكم أن تنظروا فى مصلحة الأمن العام الذى تركها المشرع أمانة بين أيديكم»، وفى اليوم التالى أصدرت المحكمة أحكامها. !!




إرسال تعليق

0 تعليقات