دور السلطان عبد الحميد في تسهيل السيطرة الصهيونية
على فلسطين
بقلم : إبراهيم غرايبة
إنّ دور السلطان عبد الحميد في
مساعدة اليهود وتوطينهم في فلسطين يرقى إلى الحقيقة، بدليل أرقام الهجرة
والاستيطان والتملك التي حصلت في عهده، وبدليل ما تشير إليه عشرات الدراسات؛
التاريخية والوثائقية العربية والأجنبية، ومنها على سبيل المثال: كارين آرمسترونغ "القدس
مدينة واحدة وثلاثة أديان"، وأمين مسعود أبو بكر "ملكية الأراضي في
متصرفية القدس (1858 – 1918)"، وعمران أبو صبيح "الهجرة اليهودية: حقائق
وأرقام"، و"آريه أفنيري: الاستيطان اليهودي والعرب (1878 – 1948)"،
وإبراهيم أبو لغد "تهويد فلسطين"، و"يوميات هرتزل"، ونجيب
عازوري "يقظة الأمة العربية".
وقد استوعبت الدكتورة فدوى
نصيرات معظم هذه الدراسات، في كتاب صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية العام 2014،
بعنوان "دور السلطان عبد الحميد الثاني في تسهيل السيطرة الصهيونية على
فلسطين".
أصدر السلطان عبد الحميد،
العام 1887، فرماناً بتشكيل متصرفية القدس، التي حوِّلت إلى كيان إداري مستقل عن
ولاية سوريا، ويرتبط حاكمها بالسلطان مباشرة في إسطنبول، وكان الوجود اليهودي
يتزايد قبل ذلك، ومنذ العام 1869، عندما صدر فرمان الامتيازات التي منحت للأجانب
في الإمبراطورية العثمانية، كما بدأت الهجرات اليهودية الجماعية بالتدفق إلى
الدولة العثمانية، خاصة إلى فلسطين، بسبب العداء الأوروبي المتصاعد ضدّ اليهود،
وقد عرض السلطان عبد الحميد على اليهود الحصول على الجنسية العثمانية، والإقامة في
أراضيها كمواطنين يحقّ لهم التملك والعمل والإقامة، واختص اليهود بالإعفاء من
الضرائب والخدمة العسكرية، كما منحوا حرية ممارسة شعائرهم الدينية وإمكانية
الإقامة في مجموعات لا تتجاوز 150 عائلة في منطقة واحدة.
وتضاعفت أعداد اليهود في
فلسطين في عهد السلطان عبد الحميد ثلاثة أضعاف؛ إذ تزايد عددهم من 25 ألفاً العام
1882 إلى 80 ألفاً العام 1908، وتضاعفت نسبتهم إلى السكان من 5% إلى 11%، وكانوا
يملكون العام 1909، أكثر من 400 ألف دونم في فلسطين في أفضل وأخصب أراضيها، منها
275 ألف دونم باسم روتشيلد، المتمول والقائد اليهودي المشهور، الذي كان على صداقة
قوية وشخصية مع السلطان، وأنشؤوا في ذلك العام مدينة تل أبيب بجوار مدينة يافا،
والتي صارت عاصمة إسرائيل.
وبدأت في عهد السلطان عبد
الحميد عمليات الاستيطان اليهودي المنظم، لتأخذ شكل المدن والمستوطنات المستقلة
خارج المدن الرئيسة التقليدية لليهود، وهي؛ صفد والخليل والقدس وطبريا، وأنشأ
اليهود مجموعة كبيرة من المدارس والمستشفيات والمصانع والبنوك، وتعرض نصيرات في
كتابها جدولاً بأكثر من 100 مستوطنة أقيمت في عهد السلطان عبدالحميد، يتضمن الاسم
والموقع وسنة التأسيس، كما عرضت معلومات عن عشرات الجمعيات الاستيطانية والشركات
والبنوك التي كانت تمول وترعى عمليات الاستيطان والتشغيل لليهود في فلسطين، مثل؛
جمعية التحالف اليهودي العالمي، وكان من مؤسسيها أدولف كراميه، وزير العدل في
الحكومة الفرنسية، واتحاد الجمعيات الرومانية الاستيطانية، الذي يضمّ 32 جمعية
يهودية رومانية، و"تحيات إسرائيل/ بعث إسرائيل" وهي شركة عقارية لشراء
الأراضي في فلسطين، و"يسود همعلاه" التي تنسق الجهود الروسية اليهودية،
وجمعية أحباء صهيون، وهي أول حركة صهيونية ذات طابع سياسي تأسست العام 1881.
ونشأت الوكالة اليهودية برئاسة
هرتزل العام 1897، وكان يرأسها هرتزل بإشراف البارون روتشيلد، وقد امتلكت مجموعة
واسعة من الأراضي والمستوطنات والمدارس والمستشفيات والمصانع والشركات
والاستثمارات لصالح اليهود في فلسطين، وأنشِئ الصندوق القومي اليهودي العام 1900،
الذي كان يركز على تمويل شراء الأراضي في فلسطين، وكان يملك العام 1908 حوالي 90
ألف دونم؛ 7 آلاف دونم منها في وادي الأردن، وألفان في سهل حطين.
قابل هرتزل السلطان عبد الحميد
ست مرات، بين عامي 1896 – 1902، مرتان منها على نفقة السلطان وفي ضيافته، ورغم أنّ
السلطان لم يوافق على إعلان فلسطين وطناً قومياً لليهود، كما طالبه هرتزل، لكنه
سمح بحرية الهجرة والاستيطان في القدس وفلسطين بصفة فردية، باعتبار اليهود مواطنين
عثمانيين يحق لهم التملك والإقامة والعمل في أي مكان تابع للإمبراطورية.
وقد ذكر هرتزل في الخطاب
الافتتاحي لمؤتمر بال الصهيوني عام 1897، أنّ اتصالاته مع العثمانيين كانت مفيدة
ومهمة لليهود، وبعد المؤتمر قابل هرتزل السلطان، وقدم له الشكر كونه قدم مساعدات
كبيرة لليهود، وأكّد السلطان صداقته لليهود وثقته بهم (مذكرات هرتزل)، وقد عمل
هرتزل في المقابل على التنسيق لتقديم المال للدولة العثمانية على هيئة قروض
واستثمارات، وجرت مراسلات بين هرتزل والسلطان بهذا الخصوص.
يبدو أنّ فكرة السلطان عبد
الحميد كانت تشكيل ولاية عثمانية في فلسطين، تكون مستقلة عن سوريا، وتتبع إلى
الباب العالي مباشرة في إسطنبول، وربما كان يخطط أن تكون هذه الولاية عملياً وطناً
لليهود، دون إعلان رسمي في البداية على الأقل.
وفي المحصلة؛ فإنّ التأسيس
الفعلي والحقيقي لدولة إسرائيل في فلسطين كان برعاية تركية، أداره وأشرف عليه
السلطان عبد الحميد، ولم يكن وعد بلفور، العام 1917، سوى استئناف أو تتويج للجهود
والأعمال التركية التي بدأت قبل ذلك بأربعين عاماً، صحيح أنّ السلطان لم يستجب
للطلب اليهودي الذي قدمه بلفور فور دخوله إلى فلسطين، لكنّ المكاسب والفرص التي
منحها لليهود لم تكن تقل أهمية عن وعد بلفور، وكانت في محتواها وحقيقتها هي الوعد
نفسه.
0 تعليقات