وما
الحكم إلا لله..
خالد الأسود
مبدأ الحاكمية الذي تؤسس عليه كل الجماعات
والأحزاب الدينية قناعاتها ومنهجها يشيطن قوانيننا الوضعية، يصم تطورنا الإنساني
بالكفر والطاغوت..
وعندما نتساءل هل سينزل المولى عز وجل من
عليه ليحكم بنفسه؟
نجد الإجابة:
أنهم هم الذين سيحكمون، سيفرضون فهمهم
باسم الله، وكل ما يصدر عنهم يصبح هو حكم الله..
الخطوة التالية، المناداة بشرع الله.. وتكفير
كل جهد بشري يخرج عن صندوقهم وأفكارهم باعتبارهم وحدهم الحاملين صكوك الشرع،
المحتكرين مقاصده..
الحقيقة أن النص السماوي بين أيدينا
جميعا، الحقيقة أن مايسمونه قانونا وضعيا هو خلاصة تطور الإنسانية، هو فهم
المفكرين ورجال القانون ونخب الأمة للنصوص السماوية، يصوغون فهمهم بتواضع إنساني،
يقبلون مراجعة فهمهم ونقضه ونقده تبعا لتطورات الحياة واحتمالات الخطأ والصواب..
قوانيننا التي يسمونها وضعية ويشيطنونها
كطاغوت يعتدي على ألوهة الخالق هي تفسير أرقى عقول الإنسانية للنص.
أعتقد أننا بقوانيننا أقرب للنصوص
السماوية، وعي المفكرين ورجال القانون مصدره رحابة العقول وانفتاحها على الثقافات
والمفاهيم؛ فصارت أقدر على إدراك مقاصد الخالق، قوانيننا الوضعية هي التي تقيم شرع
الله كما فهمه رجال يدبون على الأرض وتظلهم السماء..
ضيق أفق المحتكرين الحقيقة المتحدثين باسم
الله حولهم إلى أحافير وثنية، يعبدون أقوال القدماء التي حفظوها ولا يعرفون غيرها،
مناهجهم في التعلم تصبهم قوالب تكرارية متطابقة، تمنعهم من العقل الناقد المفكر،
يقينهم بأنهم ملاك الحقيقة المقدسة وحدهم ألبسهم غرور الشيطان..
فهمهم المحدود للنص لم يجعلهم يحرمون
الرق، بل قننوه ونظموه وحاربوا تحريمه وكانوا آخر أمة تحرمه..
حرموا القهوة والحنفيات والسيارات
والمذياع والتلفاز، كرهوا المرأة وشيطنوها وكفنوها وختنوها وحبسوها، وحتى أول أمس
كانوا يحرمون عليها قيادة السيارات خوفا على حوضها ومبايضها من الارتداد.. فهمهم
المنغلق للنص جعلهم يحرمون الفن والتفكير، يرفضون الآخر والمختلف، يرعبهم العقل
الناقد، تغضبهم التساؤلات والدهشة والرغبات..
أمامنا فهمان للنصوص السماوية..
فهم يسمونه القوانين الوضعية يتصالح مع
الحياة يحتفي بالإنسان لكونه إنسانا، يهدف إلى العدل والمساواة ورقي الإنسان
وسعادته، يتوج الإنسان ملكا في الكون يعمره وينتفع به..
وفهم يسمونه هم شرع الله، يخاصم الإنسان ويحوله
إلى آلة كراهية وحقد، لا يعترف بالعدل ويمارس طائفية ساذجة يحتكر فيها الحقيقة
والجنة، يصبح الإنسان عبدا لأوثان من الماضي، ثقافته محورها الموت.
القوانين التي يسمونها وضعية لم تشغلها
ثياب النساء وأمور النكاح، وشغلتها العبودية والرق وفرضت حقوق الإنسان..
الفهم الساذج المحدود للنص الذي يسمونه
شرع الله، لم يؤلمه رق الإنسان ونظام العبودية، ولكنه تألم من شعور النساء وارتعب
من وثيقة حقوق الإنسان..
وما الحكم إلا لله، ولكن من أقدر على فهم
كلمات الله؟
هل يحتكر أحد فهم كلمات الله؟
هل الذين أباحوا الرق والعبودية بل رفضوا
تجريمها، الذين ظلوا يحسبون ختان الإنسان مكرمة، الذين أفزعتهم الحنفيات، وترعبهم
الحريات، هل هؤلاء جديرون أن يحتكروا فهم كلمات الله ؟
ليست الدولة والقوانين والمؤسسات طاغوتا
بل هم الطاغوت حتى لو أتونا بثياب الملائكة وعمم حمراء وخنفة في أنوفهم ولهجة
فلاحي.
0 تعليقات