أمريكا
تحذّر السودان وربما السعوديون
من اتخاذ إجراءات صارمة ضد المحتجّين
تَجري أحداثٌ مروّعة في العاصمة السودانية، الخرطوم،
وسيحدث المزيد منها على الأرجح. فقد فرضت القوات شبه العسكرية الموالية للجنرالات
الحاكمين في السودان نظاماً إرهابياً. فقد تعرض المدنيون المعارضون للضرب، وهم
الذين أدّت احتجاجاتهم إلى إنهاء حُكم الرئيس عمر البشير الذي دام ثلاثين عاماً في
نيسان/أبريل، كما تم اغتصاب النساء. وتُقرّ الحكومة بحدوث أكثر من 40 حالة وفاة.
إلا أن العدد الحقيقي يبلغ أضعاف ذلك على الأرجح.
وفي السادس من حزيران/يونيو، ذكرت صحيفة
"التايمز" اللندنية أن النساء، من بينهنّ الطاقم الطبي، تعرضن للإساءة،
مقتبسةً القول الآتي عن لسان أحد قادة الاحتجاجات: "تعرف [الميليشيا] أنها
إذا نالت من النساء، فستنال من الثورة. ففي هذه الثقافة، لا توجد عقوبة أفظع على
النساء من الجرائم الجنسية". ونقلت الصحيفة أن "صورة لـ 'غنيمة حرب'
تعود إلى أحد المقاتلين - عبارة عن ملابس داخلية متدلّية من بندقية ويُعتقَد أنها
أُخذت من ضحايا الاغتصاب - تم تداولها على نطاقٍ واسع على وسائل التواصل
الاجتماعي".
إن الخرطوم تبعد كثيراً عن واشنطن، وبالنسبة للعديد
من الأمريكيين، فإن السودان هي ربما اسم مرادف للدكتاتورية والمجاعة. لكنّ هذه
المرّة قد تكون مختلفة. فيبدو أن الولايات المتحدة تُعرب علناً عن قلقها من دور
السعودية، الذي يُشرف عليه على الأرجح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وفي الشهر الماضي، التقى نائب رئيس "المجلس
العسكري السوداني"، الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي،
بالأمير محمد بن سلمان في جدة. وكان دقلو أحد أمراء الحرب خلال الفظائع التي
ارتُكبت في دارفور في عام 2003، وهي الأحداث التي أدّت إلى إدانة "المحكمة
الجنائية الدولية" للرئيس البشير بارتكاب جرائم حرب. وهذا الأسبوع، قال دقلو
إن عناصر مارقة وتجّار مخدّرات توغّلوا بين المحتجّين.
ويوم الثلاثاء، قالت وزارة الخارجية الأمريكية:
"تحدّث وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية ديفيد هيل اليوم مع نائب وزير
الدفاع السعودي خالد بن سلمان" - الأخ الأصغر للأمير محمد بن سلمان -
"عن القمع الوحشي الذي شنّه 'المجلس العسكري الانتقالي' في السودان ضد
المحتجّين المسالمين في 3 حزيران/يونيو. وأشار وكيل الوزارة هيل إلى أهمية
الانتقال من 'المجلس العسكري الانتقالي' إلى حكومة بقيادة المدنيين وفقاً لإرادة
الشعب السوداني".
وفي ظل الظروف القائمة، من الصعب عدم رؤية هذا
التصريح على أنه يشكّل ضغطاً علنيّاً جدّاً على الرياض من أجل تغيير دعمها
للجنرالات السودانيين. ولا يُعرَف ما هو الحدث أو المعلومات الاستخباراتية التي
حثّت على هذا الحديث الذي أجراه هيل مع خالد بن سلمان، ولكن نبرة التصريح تُشير
إلى أن الرياض ربّما تكون قد شجعت بنشاط حملة القمع. وفي الأسبوع الماضي زار
المملكة، بالإضافة إلى مصر والإمارات، الفريق أول عبد الفتّاح البرهان، رئيس
"المجلس العسكري السوداني". ويُفترَض أنه سعى إلى - وتلقى - الدعم
والمساندة في أعماله، التي بدأت يوم الاثنين عندما شنّت قوّاته هجوماً على مخيّم
احتجاج في الخرطوم.
وكنتيجة واضحة للضغط الأمريكي، أصدرت "وكالة
الأنباء السعودية" بياناً يوم الأربعاء قالت فيه، إن المملكة "تابعت ببالغ
القلق تطورات الأحداث في جمهورية السودان الشقيقة، والتي أسفرت عن وقوع عدد من
القتلى والجرحی". ونقلَ بيانٌ آخر من السفارة عن وزير الدولة السعودي للشؤون
الأفريقية قوله: "أولوياتنا هي أمن السودان واستقرارها. نحن واثقون من أن شعب
السودان لن يسمح بانحدار بلده إلى حالة الفوضى والحرب الأهلية، وهو أمرٌ لا يخدم
سوى قوى الإرهاب والتطرف".
وفي هذا السياق، فإن "الإرهاب والتطرف" هو
على الأرجح كلمتان ترميزيتان لتركيا وقطر، اللتيْن تعتبرهما الرياض بأنهما
تتنافسان من أجل الحصول على النفوذ في الخرطوم. ففي الأسبوع الماضي، أغلق
"المجلس العسكري السوداني" مكتب "الجزيرة" في الخرطوم، وهو
جهة بث قطرية، وأمرَ السفير السوداني في قطر بالعودة إلى بلاده للتشاور.
وتمرّ سياسة الأزمة في حالة تغير كبير. فعندما بدأت
حملة القمع، قالت القوات العسكرية إنها تفسخ تعهداتها بالانتقال إلى الحُكم
المدني. ومنذ ذلك الحين، عرضت إجراء محادثات غير مشروطة مع زعماء المعارضة. لكنّ
ذلك لقي رفضاً من تحالف الاحتجاج ومجموعات المعارضة.
وعلى الرغم من القلق العلني الذي تُبديه الولايات
المتحدة وأوروبا، إلا أن الصين، بدعم من روسيا، أعاقت التحركات في "مجلس
الأمن" الدولي يوم الثلاثاء لإدانة مقتل المدنيين والدعوة إلى وضع حد فوري
للعنف. وقال "الاتحاد الأفريقي" إنه علّق عضوية السودان.
إن الشخص الذي يجب مراقبته هو دقلو. فبناءً على أحداث
هذا الأسبوع، قد يكون عديم الرحمة. وهذا الأمر لا يبدو جيّداً لشعب السودان.
0 تعليقات