تبديل مراكز جنرالات عراقيين: من المستفيد؟
في 29 أيار/مايو، أعلنت
الحكومة العراقية أن القائد العسكري الرئيسي في الموصل اللواء نجم عبدالله الجبوري
سيتقاعد في حزيران/يونيو. وسيحلّ محلّه اللواء الركن نومان عبد الزوبعي قائداً لـ
"قيادة عمليات نينوى" الذي سينتقل إلى منصبه الجديد بعد أن قاد لفترة
وجيزة "قيادة عمليات صلاح الدين"، التي ستنتقل قيادتها إلى اللواء الركن
عبد المحسن العباسي الذي سيُخلي منصبه في "قيادة عمليات ديالى" لصالح
قائد فرقة هو اللواء الركن غسان العزي.
ولا يمكن اعتبار الضباط الجدد
خيارات سيئة بالضرورة. فاللواء الزوبعي، السنّي، لديه تاريخ طويل في محاربة تنظيم
«داعش» إلى جانب تشكيلات ضمن الجيش العراقي في محافظة الأنبار. وبخلاف سلفه، فهو
ليس من مواليد محافظة نينوى بل ينحدر من غرب بغداد. أما اللواء العباسي، قائد
المعارك السنّي القادم من كركوك، فيتمتع بخبرة واسعة في قيادة الفرقة الرابعة عشرة
في الجيش قرب الفلوجة. وكان اللواء عزي قد تولى سابقاً قيادة الفرقة الحادية عشرة
شمال شرق بغداد. ويبقى القاسم المشترك الوحيد بين جميع هؤلاء القادة هو أنه تمّ
مؤخراً نقلهم من بيئات اضطروا فيها إلى التعامل يومياً مع قادة مجموعات قتالية
نافذين.
لكن ما يثير القلق بشكل أكبر هو ظروف هذه التغييرات وتوقيتها. وكان اللواء الجبوري قد شغل سابقاً منصب قائد شرطة وقائمقام مدينة تلعفر حيث أثمر تعاونه مع القوات الأمريكية بين عاميْ 2005 و 2008 عن أولى الانتصارات الواضحة في مجال مكافحة التمرد ضد تنظيم «القاعدة» في العراق، سلف تنظيم «داعش». وبعد طرده من البلاد عام 2009 على يد عناصر شيعية ضمن قوات الأمن، عمل في "جامعة الدفاع الوطني" في واشنطن حتى عام 2014. ومع ذلك، فقد عاد إلى العراق في عام 2015 ليقود الجهود المبذولة لتحرير الموصل وحكمها ضمن محافظة نينوى مسقط رأسه.
ورغم استياء بعض العناصر منه لكونه ضابطاً في
قوات الدفاع الجوي يضطلع بدور عسكري بارز، إلا أنه نجح في تجنيد قبائل محلية في
المعركة ضد تنظيم «داعش» وإقامة شراكة مع التحالف بقيادة الولايات المتحدة. كما
سعى إلى تطبيق سياسة الحكومة العراقية القائمة على تقليص الخطر المحدق بالاستقرار
المحلي الذي تشكله عناصر «قوات الحشد الشعبي» في مدينة الموصل وسهل نينوى. ووفقاً
للتفسيرات الرسمية، يتقاعد الآن بسبب عامل السنّ رغم أن العديد من الجنرالات
الأكبر سناً بقوا في الخدمة.
ويأتي تسريح اللواء الجبوري في
وقت أبرمت فيه مجموعات موالية لإيران ضمن «قوات الحشد الشعبي» اتفاقات مع شركاء
محليين من السنّة والأكراد لانتخاب منصور المرعيد - عضو في التكتل السياسي المرتبط
بـ «قوات الحشد الشعبي» - محافظاً لنينوى ذات الأغلبية السنّية. وقد تسبّبت هذه
الخطوة المثيرة للجدل في انقسام الفصائل السنّية ضمن مجلس المحافظة وبغداد على
السواء.
وإلى جانب تقاعد الجبوري ورفض
الميليشيات في سهل نينوى الامتثال للأوامر القانونية التي تقضي بوضعها تحت سيطرة
"قيادة عمليات نينوى"، يبعث الدور المفرط الذي تلعبه «قوات الحشد
الشعبي» في تعيين المحافظ رسالة مقلقة.
وعلى كل حال، هكذا اندلعت
أعمال الشغب في الموصل في الفترة 2011-2014، عندما انتقلت المدينة من حالة استقرار
نسبية لتسقط في قبضة تنظيم «داعش». وبعد أيام قليلة فقط من انسحاب القوات
الأمريكية في أواخر عام 2011، بدأ العراق بعزل ضباط جيش بارزين تلقوا تدريباً
أمريكياً من مناصب قيادية أساسية. وخلال العامين اللذين سبقا سقوط الموصل، تمّ
استبدال أبرز ضباط الجيش في المنطقة سبع مرات على الأقل، وقائد الشرطة المحلي
مرتين، حيث كان كل تغيير أسوأ من الذي سبقه.
وفي المقابل، كانت إحدى الخطوات الأولى التي
اتخذها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي فور توليه منصبه في عام 2014، هو العمل
بسرعة على إعادة الجبوري وغيره من القادة الذين تلقوا تدريباً أمريكياً، وكانت
النتيجة تحرير أربع وعشرين مدينة في غضون ثلاث سنوات فقط.
ولواشنطن مصلحة في أمن العراق،
ولا سيما على صعيد قيادة القوات العسكرية النظامية، التي تُعدّ أهم شريك لأمريكا
في حربها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». لذلك يجب على الحكومة الأمريكية تكريس
المزيد من الجهود للإنذار المبكر والتقييم الخاص بالتغييرات التي تطرأ على المناصب
القيادية الرفيعة في العراق، ولا سيما عمليات الاستبدال المتعددة للضباط الذين
لديهم سجل حافل مثبت في محاربة تنظيم «داعش» أو منع عودة ظهوره. يتعين على
"قوة المهام المشتركة" تقديم تقارير منتظمة إلى رئيس الوزراء عادل عبد
المهدي إذا قدّم القادة الجدد خدمات خاصة للمجموعات القتالية، أو كانوا أقل
تعاوناً من أسلافهم، أو رفضوا الأوامر القانونية الصادرة عن بغداد.
وقد تكون مساعي الجيش العراقي
لاستيعاب " الحشد" والسيطرة عليها في سهل نينوى بمثابة اختبار مبكر
للنجاح على هذا الصعيد.
وتبقى معرفة من الذي كان وراء قرار تنحية
الجبوري - وسبب ذلك القرار - مسألة مهمة أخرى يجب تقصيها. وقد يوفّر التدقيق في
دور "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في اختيار محافظ نينوى الجديد
معلومات إضافية عن موثوقية شركاء الولايات المتحدة. ولا يمكن لواشنطن أن تأمل منع
حدوث انزلاقات في القيادة العسكرية والمدنية في العراق إلا من خلال الإصرار على
تسليط الضوء على السلوك السلبي.
0 تعليقات