آخر الأخبار

أطفال الشوارع



أطفال الشوارع



د. محمد ابراهيم بسيوني


تُعدُّ ظاهرة أطفالِ الشّوارعِ ظاهرةً مُنتشرةً بوضوح في كافّة المُجتمعات في أنحاء العالم؛ إذ صرّحت الأُمم المُتّحدة أنّ ما يزيدُ عن 150 مليون طفل في مختلف أنحاء العالم في وقتنا الحاضر، يُصنَّفون ضمن أطفال الشّوارع؛ إذْ يُجبَرُ الكثيرُ منهم على كسبِ لُقمة عيشهم بطُرقٍ مهينة، مثل: الاستِجداء، والبحثِ في القمامة، وبيع البضاعة البسيطة كباعةٍ مُتجوِّلين في الأحياء والمُدن الفقيرة.

عرّفت الأُمَم المُتّحدة أطفالَ الشّوارع بأنّهم أيّ وَلدٍ أو بنتٍ يتّخذون من الشّارع بمُختلف معانيه؛ بما في ذلك الخرابات، والأماكن المهجورة، وغيرها مقرّ إقامةٍ، أو مصدراً لكسب الرِّزق، دون أن يتمتّعوا بإشرافٍ، أو توجيهٍ، أو حمايةٍ كافية من قِبل أولياء أُمورهم الرّاشدين.


على مدى عقود متوالية كان أطفال الشوارع مصدرا للإزعاج لسكان مدينة برازيليا ولغيرها من المدن البرازيلية الكبرى، وفى التسعينيات من القرن الماضى تحول مصدر الإزعاج إلى مصدر للرعب، فقد تزايد عدد أطفال الشوارع تزايدا كبيرا، وتزايدت بالتالى معدلات الجرائم التى يرتكبونها وفى مقدمتها جرائم السرقة والدعارة والاغتصاب التى يترتب عليها فى معظم الحالات إصابة الضحية بالإيدز الذى أصبح متفشيا بينهم بنسبة تتجاوز الـ 90%، حيث كان الوضع الاقتصادي البرازيلى فى مجمله كان سيئا، فالديون الخارجية للبرازيل كانت قد وصلت إلى أرقام قياسية، ومعدلات البطالة تتصاعد عاما بعد عام، والفساد متغلغل فى كل أنحاء الجهاز الحكومى، والأصوات المنادية بتأهيل أطفال الشوارع وإعادة إدماجهم فى المجتمع يعلم أصحابها جيدا أن مثل هذه العملية عالية التكلفة إذا ما قورنت بتكلفة إتاحة فرص العمل للعاطلين من غير أبناء الشوارع، فضلا عن أنها غير مضمونة النتائج. حدثت هناك جرائم فظيعة وكانت أبرز تلك الجرائم وأشدها عنفا هى مذبحة كنيسة كانديلاريا؛ فبحسب تقرير لصحيفة "انترناشيونال بيزنيس تايم" نشر فى 25 يوليو من العام 2013 بمناسبة مرور 20 عاما على ذكرى تلك المذبحة؛ فقد قتل ثمانية من أطفال الشوارع المشردين والمراهقين من قبل الشرطة في الجزء الأمامي من الكنيسة كانديلاريا في وسط العاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو، ونجا أكثر من 60 طفلا من إطلاق النار العشوائي في ليلة 23 يوليو 1993 حيث كان ثمانية أطفال فقط أعمارهم أكثر من 15 عام، في حين أن الباقي تتراوح أعمارهم بين 5 و 14عاما.


وأشار التقرير إلى أنه من بين كل تسعة من رجال الشرطة (بعضهم خارج الخدمة) يعتقد أنهم ارتكبوا جرائم قتل فإن ثلاثة فقط من منهم قد أدينوا وسجنوا، وظل الدافع وراء مذبحة كانديلاريا لغزا حيث ادعى البعض أن الشرطة ارتكبت تلك الجريمة بدافع الانتقام بسبب مواجهة سابقة مع الضحايا، إلا أن نظرية آخرى انتشرت فى البرازيل حول تكوين "فرق الموت والاغتيالات" المدعومة من قبل أصحاب الأعمال المحليون ممن كانوا يدفعون مكافآت ورواتب لقتل المشردين من الكبار والأطفال من أجل "تطهير وتنظيف" المنطقة المحيطة بمصالحهم وأعمالهم، وهو ما أذكره تقرير لإحدى المنظمات غير الحكومية بواشنطن.

وبحسب التقرير فإن انخفاض رواتب الشرطة كان الدافع لانضمام الكثيرين منهم إلى فرق الموت كوظيفة ثانية لاستكمال احتياجاتهم المالية حيث كان من متطلبات تلك الفرق القتل من أجل حماية المحلات التجارية والمطاعم والمراكز السياحية الأخرى، وكذلك الحفاظ على سلامة الأحياء من المشتبه بهم بارتكاب أنشطة إجرامية وللأسف أصبح أطفال الشوارع بالبرازيل أهداف هذه الفرق لأن أصحاب المتاجر والمواطنين الأثرياء اعتبروهم خطرا يهدد السلامة العامة والتجارة.
يرى مراقبون أن مذبحة كانديلاريا كشفت جوانب آخرى قبيحة من المجتمع والحياة البرازيلية الحديثة فى ظل وجود فجوة الثروة الضخمة، وفساد الشرطة حيث قالت منظمة العفو في بيان لها أنه بعد عقدين من الزمن، كانت هناك سلسلة من عمليات الإعدام تقوم بها الشرطة خارج نطاق القضاء من نفس النوع حيث يقتل 2000 شخص سنويا على يد الشرطة التى تنجح دائما فى الإفلات من العقاب.
وقد أشارت "سي إن إن" خلال تغطيتها للمحاكمة فى إبريل 1996 أن تلك المحاكمة سبقتها ثلاث سنوات من التحقيق، ومحاولتين لاغتيال أحد الشهود الرئيسيين بالقضية وهما المراهقين الذين نجا من الهجوم بعد إطلاق النار عليهم ونجحت السلطات فى إنقاذهم وإرسالهم إلى سويسرا لحمايتهم ليعودا بعد عامين إلى ريودى جانيرو تحت حراسة مشددة من الشرطة يرتدون سترة مضادة للرصاص لتكون شهادتهم سببا فى إدانة ضباط شرطة بأحكام سجن تراوحت ما بين 204 إلى 300 عام.


وقد دفعت تلك الجرائم المؤلمة البرازيل لاتخاذ استراتيجية مختلفة تجاه أطفال الشوارع لتصبح تجربتها فى ذلك الملف ضمن أبرز ثلاث تجارب عالمية فى مجال معالجة وحل أزمة أطفال الشوارع بالإضافة إلى الهند وبريطانيا وهو ما دفع المجلس القومى للأمومة والطفولة إلى عقد ورشة عمل فى مصر فى يناير من العام 2013 حول (سبل تمكين وتوظيف الشباب في وضعية الشارع) التى نظمها المجلس بالتعاون مع برنامج الأطفال والشباب بالمعهد العربي لإنماء المدن لعرض التجربة للاستفادة منها، حضر فيها خبراء من دول البرازيل والهند والمملكة المتحدة والسعودية والسودان، بحضور ممثلى جمعيات المجتمع المدنى واليونيسيف.


وقالت الدكتورة ديزى كوزاسترا رئيسة المنظمة العالمية للأسرة بالبرازيل التى شاركت بورشة العمل خلال كلمتها وأكدت أن التجربة البرازيلية فى القضاء على ظاهرة أطفال الشوارع التى استمرت لمدة 5 سنوات والتى كان عنوانها "الأطفال لا يريدون مؤسسة خيرية، الأطفال يريدون المستقبل" وتم تطبيقها على مدينة كوريتيبا البرازيلية، حيث يبلغ تعداد المدينة البرازيلية نحو 2 مليون و700 ألف نسمة، أسفرت نتيجتها بعد تطبيق السياسات العامة الشاملة للحماية الوطنية والطفولة والشباب والأمن بالتعاون مع منظمات المجتمع المدنى والسلطة عن القضاء وبشكل تام عن الظاهرة حيث أصبح عدد أطفال الشوارع هناك "صفر"، على حد قولها.


كما نظمت البرازيل فى مارس 2013 كأس العالم لأطفال الشوارع في ريو دي جانيرو فى إطار حملة عالمية تسعى لمنح أطفال الشوارع الحماية والفرص التي يستحقها جميع الأطفال. ومن خلال كرة القدم والفن والاجتماع الدولي لأطفال الشوارع، تهدف الحملة لتحدي التصورات والمعاملة السلبية لأطفال الشوارع. وقد شارك فيها فرق من أطفال الشوارع من حوالي 20 دولة منها مصر، السلفادور، الولايات المتحدة الأمريكية، زيمبابوي، الأرجنتين، إنجلترا، موزمبيق، نيكاراجوا، جنوب أفريقيا، بوروندي، إندونيسيا، الهند، باكستان، ليبيريا، البرازيل، موريشيوس، كينيا، تانزانيا، الفلبين.


المجتمع المصرى ملئ بالاصلاحيات التى تؤهل أمثال هؤلاء من اطفال الشوارع من التبرعات والمنح يالاضافة الى انها تزوجهم ايضا وتسعى لهم فى الحصول على فرصة عمل شريف او نشاط تجارى، وإنشاء مراكز حكومية تعمل على إيواء هؤلاء الأطفال و تعليمهم وتدريبهم، حتى يستطيعوا الانخراط في المجتمع بشكل طبيعي في المستقبل. ذلك بزيادة الوعي لدى المجتمع عن طريق المحاضرات والندوات ووسائل الإعلام، التي تعمل على التَّقليل من هذه الظَّاهرة والتَّحذير من عواقبها الدِّينية والاجتماعية والأمنيَّة والاقتصاديَّة. وإنشاء صندوق حكومي يتولى شؤون الأمهات اللاتي فقدن أزواجهن أو تعرَّضن للاغتصاب، بحيث يعمل هذا الصندوق بتوفير كل الاحتياجات الاقتصادية لدى الأُسر من هذا النوع. وزيادة الوعي لدى الأطفال أنفسهم، وذلك بإدراج التحذير من هذه الظاهرة في المناهج التعليمية، وتبيين مخاطرها وسوء نهايتها، حتى يصبح عند الطفل نوعٌ من الحذر للإقدام على مثل هذه خطوة.


عميد طب المنيا السابق


إرسال تعليق

0 تعليقات