آخر الأخبار

الغردقة أول مكان فى العالم ينتج منه البترول








الغردقة أول مكان فى العالم ينتج منه البترول





صلاح سليمان الرشندى

حدوتتنا اليوم عن حقيقتين تاريخيتين يكشف عنهما مبنى حجري قديم بمنطقة "جبل الزيت".

الحقيقة الأولى: أن (الغردقة أول مكان فى العالم ينتج منه البترول بعد الولايات المتحدة الأمريكية).




ظهر خام البترول فوق سطح الأرض بمنطقة (جبل الزيت والجمشة) الواقعة شمال مدينة الغردقة وذلك لوجود احتياطي كبير منة فى باطن الأرض وقريب من السطح جعله "ينشع" ويتسرب مكونا برك من الزيت، وهذا سبب تسمية (جبل الزيت) بهذا الاسم، وفى العام 1854م استعان "الخديوي إسماعيل" بالخبير الأمريكي فى علم الجيولوجيا مستر "ديرك" لاستخراج البترول من هذه المنطقة، وكان يتبنى هذا الخبير فى البداية فكرة (الحفر السطحي) حيث يقوم بعمل "حفر" فى الأماكن التى ينشع منها الزيت فتمتلئ هذه الحفر مكونة برك يسهل الحصول منها على الزيت ولكن بكميات لاتلبى الطلب، فأمر الخديوى ببناء وتجهيز مبنى حجرى مكون من عدة غرف بالقرب من الميناء البحرى بجبل الزيت، ليكون مقرا للخبير يدير منة عمليات الحفر والإنتاج، واستمر العمل بهذه الطريقة لمدة 5 سنوات، وفى العام 1859 تبنى هذا الخبير فكرة جديدة وهى الحفر العميق للوصول إلى أماكن تواجد الزيت بين طبقات الأرض ليخرج منها إلى السطح نتيجة الضغط الهائل فى باطن الأرض، ولم يكن استخراج النفط من باطن الأرض ممكنا قبل ذلك وقد حققت نجاحا هائلا في ولاية "بنسلفانيا" بالولايات المتحدة الأمريكية وتم نقل هذه الفكرة والعمل بها فى منطقة جبل الزيت والغردقة ثم رأس غارب، وعممت فى باقى دول العالم التى لديها احتياطيات من الغاز والبترول، وما زال يعمل بها حتى اليوم.



وفى عام 1882م جاءت إلى منطقة "الجمشة" القريبة من جبل الزيت الشركة الفرنسية صاحبة حق الامتياز فى البحث وإنتاج "الكبريت"، وبعد شروعها فى حفر الأنفاق والمغارات بحثا عن خام الكبريت، ونظرا لقرب المخزون البترولى من سطح الأرض، فوجئت بتدفق كميات كبيرة من الزيت من باطن الأرض امتلأت على أثرها الأنفاق والمغارات مما أدى إلى توقف الإنتاج الذى لم يدم سوى بضع سنوات، وحاولت الشركة تغيير نشاطها إلى استخراج البترول بدلا من الكبريت ولكن رفضت الحكومة المصرية بحجة أن حق الامتياز الممنوح لها هو استخراج الكبريت لا البترول، غادرت الشركة الفرنسية وجاءت شركة "شل" العالمية وقامت بعمليات البحث والتنقيب وإنتاج البترول ووسعت مناطق بحثها واتجهت جنوبا حتى منطقة "دشة الضبعة" وحفرت بها أول بئر بترول داخل نطاق مدينة الغردقة.





الحقيقة الثانية: هى معرفة تاريخ إنشاء مدينة الغردقة التى كشف عنها المبنى المذكور.



ارتبط تواجد الإنسان واستقراره على أرض محافظة البحر الأحمر بظهور التعدين والنفط على أراضيها، قديما ومنذ آلاف السنين كانت صحراء وسلاسل جبال البحر الأحمر مسرحا لكثير من عمليات التعدين والبحث عن المعادن وأشهرها الذهب من "مناجم الفواخير" والنحاس والكحل بالقرب من مدينة رأس غارب، أو جلب نوعيات من الأحجار لبناء المعابد والتماثيل مثل (الجرينيت من منطقة الفواخير - البازلت والشست من منطقة وادى الحمامات - الحجر الجيرى من منطقة أبو شعر - الحجر الرملى والكوارتز من منطقة اللقيطة ..... وغيره)، وفى العصر الحديث ظهر البترول والغار والفوسفات بالقرب من السواحل وكان سببا فى تواجد الإنسان وإستقرارة فى الجزء الشمالى لمحافظة البحر الأحمر التى منها مدينة سفاجا والغردقة ورأس غارب.


قبل الشروع فى أول عمليات إنتاج البترول من منطقة جبل الزيت كان لابد من توفير شيئين مهمين هما الأيدي العاملة ومياه الشرب، وهى من الأمور التى كان يصعب توفيرها فى هذه البيئة الصحراوية القاحلة، فلا يوجد سوى البدو الرحل يتنقلون فى الصحراء المقابلة، وأيضا البحارة الذين يعبرون من تلك المنطقة وهم فى طريقهم من الجزيرة العربية إلى وادى النيل بعد أن يتركو مراكبهم على الساحل، وكان بعضهم يسكنون الجزر القريبة من منطقة الجمشة وجبل الزيت مثل جزر (مكورات - أم لحيمات – طوال - جزيرة العرب ... وغيرها)، وكان هذا حالهم منذ مئات السنين، ويرجع ذلك لوقوع المنطقة على خط واحد مع (السواحل الشرقية – جزر تيران وصنافير – رأس محمد – جزر الغردقة فى مدخل خليج السويس - السواحل الغربية)، وهم بطبيعة الحال يمرون بالقرب من برك الزيت وكانو يلتقطون بعض القطع المتماسكة على أطرافها يستخدمونها فى سد أماكن تسريب المياة إلى داخل مراكبهم، فتمت الاستعانة بهم فى إنجاز بعض الأعمال مثل جمع الزيت من الحفر وتعبأتها فى خزانات، وأيضا فى جلب مياة الشرب إلى مناطق العمل من الآبار المتواجدة فى الصحراء على ظهور الجمال، مما جعل كثير من هؤلاء البدو والبحارة رغب فى البقاء والاستقرار والتخلي عن ثقافة الترحال، فبدأوا فى إقامة مجتمعات صغيرة مكونة من بعض الأسر بالقرب من آبار المياة وخاصة بئر "أبو شعر" القريب من قرية "الجونة" حاليا، ثم زادت أعداد الأسر الراغبة فى البقاء والعزوف عن العودة إلى الجزيرة العربية والهروب من الأوضاع والظروف القاسية التى مرت بها الجزيرة فى تلك الفترة من نشوب الحروب بين القبائل و انتشار قطاع الطرق مما أدى إلى تفشى الجريمة وزيادة الفقر.


انتشرت تجمعات العائلات جنوبا على ساحل أرض الغردقة حتى وصلت منطقة "السقالة" حيث المكان المناسب لرسو مراكبهم تزامنا مع الاكتشافات المتوالية التى زادت من أعداد الآبار وزاد معها الإنتاج، وقامت "شركة آبار الزيوت الإنجليزية" التابعة لمجموعة شركات ""shell العالمية بعمل البنية التحتية لمدينة الغردقة مثل تمهيد الطرق وإنشاء خط سكة حديد داخلى بين (السقالة والدهار) لنقل المعدات الخاصة بالبترول والمواد التموينية، وتسيير سفينة لجلب مياة الشرب من مدينة "السويس" ومدينة "عدن" فى اليمن، وبناء البيوت والاستراحات للمهندسين والفنيين الأجانب والعمال، وبناء المصالح الحكومية (ديوان عام – استراحة للحاكم العسكري – مبانى لقوات حرس الحدود الملكى – مستشفى عام – دور للعبادة جامع وكنيسة – جمعية استهلاكية – سنترال وبسطى– مبنى مكافحة الجراد – مجزر شعبى – نادى ترفيهى ودور للسينما – مخبز ...... وغيرة، فأصبحت هذه المنطقة (أرض الغردقة) منطقة جذب للعمالة من المدن القريبة مثل السويس وقرى ومدن الصعيد، فألقت الحياة بجزورها وبدأت تتضح ملامح المدينة، ثم توجهت الشركة بالإضافة إلى شركات عالمية أخرى إلى رأس غارب ومنطقة "شقير" حيث الاحتياطيات الكبيرة للبترول والغاز.



وعلى ضوء ذلك يمكن اعتبار العام 1854 هو تاريخ إنشاء مدينة الغردقة وبداية الاستقرار والنواة الأولى لها، والدليل موجود حتى يومنا هذا وهو المبنى المذكور الموضح فى الصور المرفقة وعمرة يتعدى 165سنة، الذى يحظى باهتمام المسئولين فى قطاع البترول، وقام بزيارته جميع وزراء البترول المتعاقبين الذين دائما ما يحرصون على مشاهدته كلما سنحت لهم الفرصة بالتواجد فى هذه المنطقة، والمثير للدهشة أنة لم يطلب أحد من المسئولين سواء فى محافظة البحر الأحمر أو وزارتي البترول والآثار إدراج هذا المبنى على قائمة المبانى التاريخية رغم ما له من دلالة تاريخية، وللأسف الشديد تم استخدام هذا المبنى كمخزن وكانت توضع داخلة "المتفجرات" التى كانت تستخدم فى عمليات البحث واستكشاف البترول فى أواخر سبعينات القرن الماضى، ونحن نتساءل أليس كافيا أن هذا المبنى شاهدا على حقبة مهمة من تاريخ مصر ويوثق حقيقة تاريخية عن (أول مكان يستخرج منة البترول فى العالم بعد أمريكا)؟.




إرسال تعليق

0 تعليقات