آخر الأخبار

(الحلقة الثالثة) موسكو- القاهرة.. وثائق وأسرار: النكسة والتنحى.. ورسائل السوفييت


(الحلقة الثالثة) موسكو- القاهرة.. وثائق وأسرار:
النكسة والتنحى..
ورسائل السوفييت





ما فحوى الرسائل السرية بين ناصر والسوفييت وقت النكسة؟

 وما هو موقف السوفييت من تنحي ناصر؟

وكيف كانت نظرة الاتحاد السوفييتي لوصول السادات للحكم في مصر؟ وما تلا ذلك من أحداث وحتى طرد الخبراء.

حاملتي طائرات أمريكية وبريطانية، تقفان على مسافة 20 كم غربي تل أبيب، ومنهما أقلعت 16 طائرة واشتركوا فى العدوان على مصر






في الجزء الثالث والأخير من قراءتنا لكتاب «القاهرة موسكو.. أسرار ووثائق» للدكتور سامي عمارة، والصادر عن دار الشروق، نركز على الفصول التي تشير إلى الوثائق التي استطاع عمارة الاطلاع عليها من أرشيف الخارجية الروسية، والخاصة بفترة النكسة في 67، وما تلاها من أحداث مهمة لم يغب عنها الاتحاد السوفييتي، باعتباره الشريك الرئيسي للبلاد في ذلك الوقت، وحتى قرار طرد الخبراء، ومقتل السادات، وعودة العلاقات بشكل دبلوماسي في عهد مبارك.

ما قبل صدمة النكسة
في الفصل السابع وتحت عنوان «أسرار اتصالات موسكو وناصر قبل الخامس من يونيو»، يكشف الكاتب عن الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية السوفييتي أندريه جروميكو، في 25 مايو 1967إلى سفير بلاده في مصر، بوجيدايف، وطلب نقلها إلى عبد الناصر وكان مضمونها: أن الاتحاد السوفييتي كان متفهما لطلب الحكومة المصرية في ذلك الوقت بجلاء قوات الأمم المتحدة من سيناء، وتتطرق الرسالة إلى رسالة خاصة من الرئيس الأمريكي جونسون إلى كوسيجين رئيس حكومة الاتحاد السوفييتي آنذاك بشأن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط: «وتود الحكومة السوفييتية إبلاغ حكومة الجمهورية العربية المتحدة على نحو يتسم بالسرية بأن الرئيس الأمريكي جونسون أرسل في 22 مايو، إلى رئيس الحكومة السوفيتية، ألكسي كوسيجين، رسالة تطرق فيها إلى جانب موضوعات أخرى»… «إلى الأوضاع في الشرق الأوسط، وقد حاول جونسون في رسالته تبرير سياسته العدوانية تجاه مختلف الموضوعات بما فيها الشرق الأوسط، وعلى الرغم من انه يدعو في رسالته إلى ضرورة ضبط النفس، فإن الجزء الأساسي من الرسالة يبدو أشبه بالمناورة التي تستهدف تبرير السياسة العدوانية لاسرائيل والقوى الامبريالية التي تقف وراءها والولايات المتحدة بالدرجة الأولى، ويجرى إعداد رد على رسالة جونسون».


الرسالة التي أوردنا مقتطفا منها ترافقت كما يشير الكتاب مع زيارة لوفد عسكري برئاسة وزير الحربية شمس بدران إلى الاتحاد السوفييتي في 22 مايو، ورافقها أيضا رسالة منشورة في الموقع الخاص بوثائق عبد الناصر على شبكة الإنترنت، من الرئيس الأمريكي جونسون إلى عبد الناصر قال فيها «عزيزى الرئيس ناصر، لقد أمضيت وقتا طويلا خلال الأيام الماضية وأنا أفكر فى الوضع فى الشرق الأوسط، وفى المشكلات التى تواجهونها، والمشكلات التى نواجهها نحن فى هذا الصدد.

وقد أخبرنى لفيف من أصدقائنا المشتركين – بمن فيهم السفير باتل – عن القلق الذى يساوركم إزاء ما يجوز أن تكون الولايات المتحدة قد أبدته من عدم الود أو الفتور تجاه الجمهورية العربية المتحدة، وما أود أن تعرفوه منى مباشرة هو أن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة. لقد راقبت عن بعد ما تبذلونه من جهود لتطوير وتحديث بلادكم. وأنا أفهم – على ما أعتقد – مشاعر الفخر والاعتزاز التى يحملها شعبكم وتطلعاته، فضلا عن إصراركم على ولوجه الى عالم الحداثة فى أقرب وقت ممكن، وتبوؤه مكانة رفيعة فيه، واضطلاعه بدوره الكامل فى هذا الصدد. وآمل أن نتمكن من التوصل الى سبل عامة وخاصة للعمل معا على نحو وثيق. إننى أتفهم أيضا طبيعة القوى السياسية الفاعلة فى منطقتكم، وطموحاتها والتوترات السائدة بينها، والذكريات والآمال التى تحملها كذلك. وبالطبع، لا تنحصر مهمتكم ولا مهمتى فى الوقت الراهن فى النظر الى الوراء، بل لابد أن نسعى لإنقاذ الشرق الأوسط والمجتمع البشرى بأكمله، من حرب أعتقد أن كافة الأطراف ترغب فى تجنبها. وأنا لست مطلعا على الخطوات التى سيقترحها الأمين العام يوثانت عليكم، ولكننى أحثكم على أن تضعوا نصب أعينكم الهدف الأسمى – وهو تجنب الأعمال العدائية – باعتباره واجبكم تجاه شعبكم ومنطقتكم والمجتمع الدولي بأسره».

وبالعودة للكتاب وتفاصيل زيارة الوفد العسكري المصري لموسكو بقيادة شمس بدران، تشير الوثائق إلى أن الاتحاد السوفييتي أكد خلال تلك الزيارة على القرارات السياسية التي اتخذت في ذلك الوقت من أجل تحقيق انتصار وتفوق عسكري وسياسي، لكنها أكدت أيضا على ضرورة التفاوض حول قرار إغلاق خليج العقبة وضرورة عدم نشوب نزاع عسكري.

ويبرز الكتاب التناقض بين ما تذكره الوثائق وما ذكره شمس بدران نفسه في مذكرة منفصلة قال فيها إن جريتشكو وزير الدفاع السوفييتي تنحى به جانبا قبل الصعود للطائرة العائدة لمصر وقال رسالة واضحة حول استعداد الاتحاد السوفييتي الدخول في الحرب «أريد أن أوضح لك أنه إذا دخلت أمريكا الحرب فسوف ندخلها بجانبكم.. هل فهمت ما أعنيه؟».




الحرب والتنحي
وفي الخامس من يونيو 67 اندلعت شرارة الحرب، ليستدعى عبد الناصر السفير السوفيتى بوجيدايف، الذي سجل تفاصيل اللقاء في رسالة إلى بلاده: «استدعاني الرئيس ناصر على وجه السرعة في الساعة 11 صباحا، وأبلغني أن الطائرات الإسرائيلية هاجمت فجأة كل المطارات المصرية الموجودة فى سيناء وفى غزة وفى منطقة قناة السويس، وهناك عدد من الطائرات الإسرائيلية حلقت في سماء القاهرة وقصفت المطار العسكري غرب القاهرة.. وتقول بيانات القيادة المصرية إنه جرى إسقاط 42 طائرة إسرائيلية وجرى أسر بعض الطيارين الإسرائيليين. وبسبب انتزاع الإسرائيليين عامل المبادرة فقد لحقت بالقوات المصرية خسائر في الطائرات لم نتحقق بعد من عددها»
وحسب قول الرئيس فإن «القيادة العربية في الأردن أبلغت بأن حاملتي طائرات أمريكية وبريطانية، تقفان على مسافة 20 كم غربي تل أبيب، ومنهما أقلعت 16 طائرة فى اتجاه المطار الإسرائيلي في منطقة «ديفيت». وقد استطاعت نقاط المراقبة المصرية في منطقة عجلونة رصد مشاركة طائرات أمريكية وإنجليزية في المعارك الجوية فى سماء سيناء. وقال الرئيس إن القيادة في «الجمهورية العربية المتحدة» لن تعلن عن ذلك وحتى إسقاط أو أسر طيار الطائرة الأمريكية».


وتشير الوثائق الأخرى إلى أن ناصر والقيادة العسكرية في مصر ألحت على طلب أسلحة وطائرات منذ الساعات الأولى من قيام الحرب.

في الثامن من يونيو يعلن ناصر تنحيه عن الحكم على إثر الهزيمة، وعقب القرار كان الاتحاد السوفييتي، أول المطالبين بعدول ناصر عن قراره، وهو ما سجله بوجيدايف سفير الاتحاد السوفيتي في القاهرة في ذلك التوقيت بعد أن طلب لقاء ناصر لايصال رسالة من قيادات بلاده يدعون فيها ناصر بالبقاء في منصبه للحفاظ على مكتسبات الثورة المصرية.

وتوضح وثائق تلك الفترة أن عبد الناصر قد أعاد النظر في أفكاره حول سياسة عدم الانحياز عقب نكسة يونيو، ففي لقاء للسفير السوفييتي وناصر في 15 يونيو 1967 قال ناصر «إن إحدى القضايا المركزية الرئيسية ستكون خلال المباحثات مع نيكولاى بودجورني،-( الرئيس السوفييتى آنذاك)- مسألة ما يسمى بحياد وعدم انحياز الجمهورية العربية المتحدة والتحول الجذري في اتجاه التقارب الشديد والتعاون مع الاتحاد السوفيتي».. وأشار بوجيدايف في رسالته «الرئيس أعاد فكرته حول أن الحياد وعدم الانحياز وحسب اعتقاده لم يعد لهما أهمية بالنسبة إلى «الجمهورية العربية المتحدة»، وأن ذلك صار في عداد «التعبيرات الجوفاء». وأكد ناصر أن نكون مع الاتحاد السوفيتي وإلا فإن «الجمهورية العربية المتحدة» ستسقط حتما بين يدي الإمبريالية والولايات المتحدة».

ما أبرز وثائق تلك الفترة فهى تلك التي تكشف شعور ناصر بالخيانة والدلائل التي ذكرها في لقاءات ورسائل له مع الاتحاد السوفييتي، إلى أن نصل إلى الفصل الثامن لتكشف الوثائق أيضا طلبا قُدم من الاتحاد السوفييتي لناصر لإنشاء قواعد عسكرية في مصر، لكنه قوبل بالرفض الهادئ من عبد الناصر




طرد الخبراء الروس.. ومقتل السادات
في الفصلين الأخيرين من الكتاب يركز الكاتب على الوقائع التي تمت في الفترة بين وفاة ناصر وصعود السادات للحكم مرورا بطرد الخبراء الروس في عام 72، وقطع العلاقات مع الاتحاد السوفييتي في 81، ثم مقتل السادات وصعود مبارك وأخيرا عودة العلاقات بين البلدين في 1984.
ويغيب عن فصول الكتاب التي تناولت تلك الفترة، الوثائق التي استند اليها الكاتب في الفصول السابقة من كتابه، حيث يعتمد هنا فقط على قراءته لمذكرات فاديم كيربيتشنكو، الجنرال الأسبق في «الكي جي بي»، بالإضافة إلى مذكرات يفجيني بريماكوف رئيس الحكومة الأسبق، وما كتبه محمد حسنين هيكل ومذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي. ويبرر الكاتب ذلك بصعوبة الوصول لمذكرات الفترة بين حرب أكتوبر وعودة العلاقات بين القاهرة وموسكو في 84، لكن الفترة التي لم يتم تدعيمها بوثائق من الأرشيف السوفييتي شملت فترة أكبر من ذلك. ورغم أن المذكرات واللقاءات التي اعتمد عليها الكاتب كانت واضحة في انحيازها وفي تفاصيل ما عاشته، إلا أنه بالتأكيد الوثائق عن تلك الفترة المهمة، كان من الممكن أن تكشف لنا العديد من أسرار هذه الفترة، وخاصة قرار السادات بطرد الخبراء السوفييت الذي وصفه عمارة خلال حديثه عن الكتاب بأنه «القرار الذي لن ينساه الروس ويعتبرونه جرحاً لن يندمل».





إرسال تعليق

0 تعليقات