أمير الدم
قصة قصيرة حقيقية
خالد الأسود
سنة 1992
ينطلق أبو العلا عبد ربه من
بيته على وجهه ابتسامة اليقين، لا يملك ذكريات تسترجعه، يؤمن أن حياته لم تبدأ
بعد، هناك عالم آخر ينتظره، عالم سحري سيكون فيه ملكا، لن تكون ملامحه مبتذلة،
سيتخلص من ثيابه القبيحة، سيملك سحرا و ألقى، سيتكلم، لن يسخر منه أحد، ستعشقه النساء
وحده بلا شريك، فحولته لن تنضب، لن يعرف الفشل، ستمحو أمجاد الفردوس عار الليلة
المشئومة..
وصل إلى مصر الجديدة و وقف في
جزيرة الشارع الواسع ..
الكافر الأصلع يظهر، هو
بنظارته الطبية وجسده الممتلئ، يعبر الطريق مسرعا..
وقف منتبها، يده في معطفه تقبض
على المسدس بحماسة حذرة..
خرج الدكتور فرج فودة مع
سكرتيره، يحمل حقيبة أوراقه بنفسه، تستدعيه صورة طفلته في البيت:
"يا ألله كم أعشق ضحكتها
السعيدة، أتمنى لها عالما خيرا من عالمنا "
يلملم الأفكار التي تمزقه..
" الهجمة شرسة ، يريدون
خطف وطن وعقول أبنائه، ثقافة جديدة تغزو بلادي مدعومة بأموال لا نهاية لها ودولة
تعتقد أن الرقص مع الذئاب دهاء"
يتذكر الشباب المتحمس، شيء
جميل يحدث، البلد تنفض الغبار..
يعود وجه ابنته الضاحك، يتوق
إلى طفولتها، يبتسم بشوق،الابتسامة تتسع، تتهلل عيناه..
رصاصات الغدر تأتي فجأة، يسقط
الدكتور، بركة دماء تتسع من حوله، غشاوة سوداء تبتلعه، قبضة مبهمة تستولي عليه،
مازالت الذكرى ماثلة، تتحول إلى شبح، تأتي صورة طفلة تضحك بسرور، يتشبث بالضحكة،
يجاهد بإصرار، عبثا يحاول، الضحكة الحلوة تتبدد..
أصوات، صراخ، جنون، رجل غريب
يجري، الناس تحيط به، تمسكه، يسقط على الارض يسقطون فوقه، أصوات غاضبة، أصوات
ملهوفة، أصوات خائفة.
تتلاشى الأصوات رويدا، تبتعد،
العدم يلوح، كائن أسود عملاق، تذوب الإرادة، يحاول أن يلملم الوعي، لا
يستطيع،العدم يمتد طاغيا، لا يسمع، لا يرى..
وقف أبو العلا عبد ربه أمام
القاضي صلبا منتصبا.
_ انطق يا بو العلا، إيه اللي
قريته لدكتور فرج فودة خلاك تستحل دمه؟
- لا شئ، لم أقرأ لهذا الكافر
أصلا.
_ أمال ليه قتلته ؟
_ شيوخنا أجمعوا أنه كافر
مرتد، لم يكتف بكفره وكمان عاوز يهدم الإسلام، دا بيحارب الله ورسوله في الأرض يا
سعادة البيه !!
المحامي يطلب الاستماع لشهادة
الشيخ الأزهري، يتقدم الشيخ الجليل بقامته المهيبة، يسبقه اسمه ذو السحر، جاء
متطوعا بالشهادة.
_ نعم يا حضرة القاضي، لقد
ناظرت الرجل في مناظرة شهيرة، لقد أظهر كفرا بواحا بآرائه التي أعلنها،هو مرتد عن
الإسلام، كان يجب أن يقام عليه الحد.
يسمع أبو العلا عبد ربه مجموع
الأحكام التي يجب أن يقضيها، ثلاثة وخمسون عاما، لن يخرج من هذا السجن إلا للجنة،
لا يهم؛ هي لحظات في الوجود، موعده هناك، تنتظره الحوريات في قصره المشيد، في
الهناء تهون النفوس، متى نرج الخلود تهن الحياة الزائلة إفكا و غرورا.
ما أبهى التجارة مع الله! وإنه
لمن الرابحين.
تمر السنون تترى..
يصل مرسي إلى الحكم، يخرج أبو
العلا عبد ربه بعفو رئاسي، يخرج للإعلام فخورا بجريمته، يصبح بطلا يزايد بعشقه
للدم والتكفير، يقود منصات رابعة والنهضة، يصرخ:
- الشرعية الشرعية، الدم الدم.
جريمته تجعله رمزا أسطوريا في
عالم الظلام..
ينضم أبو العلا عبد ربه لصفوف
داعش في سوريا ليكون مجاهدا من المجاهدين في
أرض الشام.
0 تعليقات