آخر الأخبار

.فى حب «البدرى فرغليون»! ..


.فى حب «البدرى فرغليون»! ..




خالد منتصر


عندما كنت أزور دمياط وأنا طفل صغير كنت أرى وأستمع إلى نماذج صارت من الخيال العلمى والفولكلور الماضى الآن. كنت أجد عامل مصنع دمياط للغزل والنسيج الذى يتحدث معى عن نجيب محفوظ، والأويمجى الذى يكتب شعراً ويرسل طلباً لصديقه الذى سافر إلى لبنان أن يحضر معه دواوين شعراء الحداثة، والنجار الذى يضع فى الورشة كتب ماركس وسلامة موسى، كان موجوداً وبقوة ذلك المثقف العضوى الملتحم بمجتمعه، القارئ الذى لا يخشى القراءة لكبار الفلاسفة ويده ملطخة بطين الأرض. ظل هؤلاء ينقرضون مع رياح الانفتاح وحمى الاستهلاك، لا تجد منهم إلا نموذجاً نادراً على أحد مقاهى بورسعيد، تلمحه يركب دراجته المتواضعة فى شوارعها التى يحفظها مثل كف يده، يقودها حتى وهو نائب فى البرلمان، لا حرس يحميه ولا بودى جارد يمشى وراءه، بالرغم من أن رأسه كان مطلوباً فى كل العصور. هذا المواطن المثقف الذى يعتبر الناس أوكسيجينه اسمه البدرى فرغلى، أحلم بمصر يسكنها مليون من قبيلة «البدرفرغليين»، مثقف ملتحم بالناس، كما لم يترك دراجته، لم يترك حلمه، لم يترك التحامه بالناس، بالشوارع، بالبمبوطى وسريح التجارى وعازف السمسمية وصبى البورصة أو القهوة.


أين ذهب أفراد كتيبة الفرغلى هؤلاء؟ رحل أبوالعز الحريرى، عامل المصنع القارئ بنهم، المحب لمصر بعشق وألم، المتفائل دوماً، الواثق من انتصار الغد والمستقبل، أين عطية الصيرفى، عامل مرفق الاتوبيس الذى كان مؤرخاً وفيلسوف بساطة آسرة؟

 أين نموذج الكمسارى الذى ذاكر حتى حصل على دكتوراه فى التاريخ؟ نماذج غابت وغربت شمسها التى كانت تدفئنا وتمنحنا الأمل فى أن الجلباب والأفرول والعفريتة ليست أدوات تجهيل ورفاق أمية وشرط عجز وخنوع، بل من الممكن أن تكون نافذة أمل وطاقة نور، وها هو آخر المحاربين البدرى فرغلى يقاتل منذ سنوات فى سبيل أصحاب المعاشات، ويحصل فى النهاية، بعد ماراثون ومراوغات وإنهاكات قانونية والتفافات روتينية، على انتصار مبين بعد أن وصل صراخه إلى أعلى سقف سياسى فى الدولة، لم يحصل البدرى فرغلى على انتصار شخصى، بل حصل على انتصار لكل غلبان ينتظر فتات جنيهات تعينه على مواجهة الحياة الضنينة.


البدرى فرغلى نموذج مثقف يسارى محب للوطن وللناس بجد، يحلم بمصر جديدة، كما أنه لم يخجل من لهجته مثل آخرين من المتنكرين لماضيهم، هو لا يخجل أيضاً من إعلان حبه وإشهار عشقه لفقراء مصر، ملح الأرض الطيبة.




إرسال تعليق

0 تعليقات