آخر الأخبار

طبائع الاستبداد

طبائع الاستبداد






د. محمد إبراهيم بسيوني


يؤكد بعض الباحثين الغربيين بان عبد الرحمن الكواكبي (١٨٥٥-١٩٠٢) قد تنبأ قبل مائة عام وما يزيد بالدمار الذي حل بالعرب اليوم في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع ألاستعباد". فلو أن العقلاء في هذه الأمة من الحكام والمحكومين تدبروا هذا الكتاب وعمق فهمه لنواميس التغيير لما كنا نحن اليوم في ما نحن فيه. فالكواكبي يضع ثلاثة شروط أساسية لتتخلص من الاستبداد وفي الوقت نفسه تجنب الكوارث التي تحل بالمجتمعات في مرحلة الثورات وهي صالحة إلى ألان.

يؤكد الكواكبي أولا "أن ألأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية" وهنا أرجو أن يتجه تفكيركم إلى أهمية تغيير الأفكار. الاستبداد لا يقاوم بالشدة إنما يقاوم باللين والتدرج وهنا أرجو منكم تدبر عواقب المواجهات العسكرية غير المتزنة في ظل غياب الوعي. أما الشرط الثالث في رأي الكواكبي فهو أنه يجب قبل مقاومة الاستبداد يجب تهيئة ماذا يستبدل به هذا الاستبداد وهنا تأملوا خلافات شباب الثورات.

 أود أن أضيف خاصة بالنسبة للمتحمسين للتغيير بان الكواكبي لم يغب عنه حماسكم ولا اطمئنان المستبدين بهذه الشروط فقد قال بالحرف الواحد "هذه قواعد تبعد آمال الإسراء وتسر المستبدين لأن ظاهرها يؤمنهم على استبدادهم. ولهذا أذكر المستبدين بمقولة الفياري "لا يفرحن المستبد بعظيم قوته ومزيد احتياطه فكم من جبار عنيد جند له مظلوم صغير"، ويضيف قائلا "كم من جبار قهار أخذه الله عزيز منتقم".

ثلاثة شروط وضعها الكواكبي للتخلص من الاستبداد وهي الوعي المجتمعي وعدم استخدام العنف وإيجاد البديل وقد تحدثنا عن الشرط الأول. وفي ما يتعلق بالشرط الثاني يقول الكواكبي "الاستبداد لا ينبغي أن يقاوم بالعنف كي لاتكون فتنة تحصد الناس حصدا" وإنما "يقاوم بالحكمة والتدرج وتزاد أهمية هذا الشرط عندما لا يكون المجتمع مهيئا وواعيا وراغبا في التغيير أي عدم توفر الشرط الأول مما يعني غياب الحاضنة المجتمعية للتغيير.

 ففي المراحل الأولى يكون المستبد مؤيدا من العلماء والتجار والعسكر والهيبة بينما المطالبون بالتغيير ليس لديهم الا حماس وقتي قد لا يدوم طويلا وقد شاهدنا بعض الأمثلة على عدم توفر هذا الشرط في كل من حماة في الثمانينات وبعض أحداث الربيع العربي وكلها تؤكد على أهمية توعية المجتمع أولا.

 ويقول الكواكبي "نعم الاستبداد قد يبلغ من الشدة درجة تنفجر عندها الفتنة انفجارا طبيعيا فإذا كان في الأمة عقلاء يباعدون عنها ابتداءا، حتى إذا سكنت ثورتها نوعا يقوم العقلاء بتوجيه الأفكار نحو تأسيس العدالة بإقامة حكومة لاعهد لرجالها بالاستبداد ولا علاقة لهم بالفتنة".

ونذكر أن الانفجار الذي يتحدث عنه الكواكبي هنا هو حالة استثنائية لا ينبغي أن يكون من أهداف الساعين للإصلاح إيجادها وإنما عليهم تجنبها. باختصار إذا أن استخدام أي درجة من العنف من اجل التغيير في ظل غياب الحاضنة المجتمعية هو في الحقيقة إجهاض لمسار التغيير من البداية.

 نذكر مرة ثانية إن الاستبداد هو ثقافة متأصلة في منطقتنا ومحاولة تغييرها من غير نقلة في تفكير الناس سيؤدي إلي آثار عكسية على الشعوب نفسها. بقي لدينا الشرط الثالث والأخير من شروط الكواكبي وهو ضرورة وجود تصور لدى الساعين للإصلاح لما سيحل محل النظام المستبد.


عميد طب المنيا السابق






إرسال تعليق

0 تعليقات