نجوم فى سماء الوطن
صياد الدواعش
القائد الشهيد
(أبو كاظم )
رافد وحيد الغضباوي
رافد وحيد الغضباوي
استكمالا مع سيرة ومسيرة القائد البطل المجاهد الشهيد
أبو كاظم
الانتفاضة الشعبانية :
لا شك أن الانتفاضة الشعبانية
كانت من الأحداث المفصلية فى تاريخ العراق الحديث، فهى علامة على تجذر الإسلام فى
ضمير الشعب العراقي الذي خرج فى البصرة يهتف (( لا شرقية ولا غربية دولة دولة إسلامية
)) و (( ماكو ولى الا على ونريد قائد جعفرى)).
وكانت الفرصة مواتية للفتى (
أبو كاظم) الذى خرج مع مجموعة من المجاهدين متوجهين في ساعات الانتفاضة الأولى نحو
مديرية أمن البصرة في الحكيمية.
وهنا اشتبك (أبو كاظم) ومجموعته مع جلاوزة النظام بالأسلحة
الخفيفة، وبعد ذلك قاموا باقتحام المبنى ، وكان (أبو كاظم) قد نفذت ذخيرته ، فقام
بتركيب الحربة في مقدمة البندقية ليحتدم بعد ذلك القتال داخل المبنى بالسلاح
الأبيض ، وكانت الغلبة للمجاهدين المنتفضين الذين لقنوا البعثيين درساً قاسياً،
وهكذا بقي أبو كاظم ليومين متتاليين غائباً عن المنزل ، وأصاب أهله القلق عليه
وخصوصاً والده ووالدته ، وبعد يومين عاد أبو كاظم إلى المنزل وهو مصاب برصاصة في
قدمه اليسرى وحربة بندقية مكسورة ، وبعد أن سأله شقيقه رياض الذي كان أقرب أشقائه
إليه، فقال له لقد أصبت أثناء الاشتباكات مع البعثية وجلاوزة الأمن.
فقال له رياض : وما الذي كسر حربة البندقية ؟
فقال له أثناء اشتباكنا بالحراب مع البعثية طعنت
أحد الجلاوزة في صدره وعندما سحبتها لم تخرج، وبعد ذلك سحبتها بقوة فكسرت وبقي
الجزء الأعلى منها في صدره .
في تلك الأثناء أزداد قلق
والده عليه رغم موقفه البطولي النادر، وذلك لأن أخبار إعادة النظام ترتيب صفوفه
وتوفير الدعم والغطاء له من قبل الأمريكان أشعر الجميع بأن الانتفاضة سوف تشهد
قمعاً قاسياً، وفعلاً كان التوقع في محله، وباشر النظام في قمعه للانتفاضة بالقصف
المدفعي الوحشي، وكان (أبو كاظم) يريد أن يخرج لينال الشهادة مع المجاهدين إلا أن
إصرار والده على البقاء وإصابته في قدمه منعته من الخروج.
انتهت الانتفاضة بعد أن استخدم
النظام كل أساليب القمع الوحشية، وهنا خاف الحاج وحيد من أن ينال الأذى ولده
الحبيب ( أبو كاظم) فقرر أن يترك البصرة ويبيع كل ما يملك وأن ينتقل إلى العاصمة
بغداد ويستقروا في منطقة الحسينية في بغداد ، ولكن أبو كاظم لم يكتفي بذلك ولم
تسكن ثورته وغضبه ضد النظام، فأرتبط بعد ذلك بصداقة حميمة مع بعض الشباب المجاهدين
ووكلاء مراجع الدين ومنهم الشيخ الشهيد علي الكعبي (رحمه الله)، وكان يتواصل معهم
في جامع المحسن في مدينة الصدر بعد أن أفتى سماحة السيد الشهيد الصدر (رض) بصلاة
الجمعة، وتعرض على أثر ذلك لمجموعة من الاعتقالات أحدها كانت في كربلاء المقدسة
بالقرب من مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) في شهر محرم الحرام عندما كان بصحبة
أبن عمه مؤيد وكانا يحملان مجموعة من الكتيبات والمنشورات، وبعد فترة أطلق سراحه ،
وبعدها بفترة وجيزة قام مع مجموعة من الشباب بتشكيل مجموعة سرية جهادية، وكان
اجتماعهم في محافظة المثنى (السماوة) فتمت الوشاية بهم من أحد أصحاب النفوس
الضعيفة، فألقي القبض عليهم وتم تعذيبهم أشد التعذيب عندما اصطحبوهم للتحقيق في
مديرية أمن السماوة، وبعدها في مديرية الأمن العامة ولمدة شهر كامل ، ولأنه بقي
صامداً ولم يعترف بأي شيء تم الحكم عليه بالسجن لمدة سنة.
زواجه وعمله وأولاده :
وبعد أن ألح عليه والده بأن
يتزوج ويلتفت إلى وضعه العائلي استجاب أبو كاظم لرغبة والده ولكن جذوة الحماس وحب
الجهاد لم تنطفئ في داخله ، فتزوج بعد ذلك ورزقه الله تعالى بأربعة أبناء هم (كاظم
، ورند ، وعلي ، ومحمد) وأفتتح محلاً للتبريد مع شقيقه رياض وأخذ يطور من نفسه
كونه صاحب خبرة نظرية وعملية في هذا المجال، ليصبح بعد ذلك من أشهر المقاولين في
مجال التبريد .
مع قوات وعد الله:
بعد سقوط مدينة الموصل وإعلان
المرجعيات الدينية فتاوى الجهاد(*) ألتحق أبو كاظم مباشرةً إلى قوات وعد الله الظافرة
، ولكنه لم يلتحق كمقاتل في بداية الأمر حيث عمل في مجال الدعم اللوجستي بسبب
الظروف المادية الصعبة التي كانت تمر بها القوات قبل تشكيل هيئة الحشد الشعبي وقبل
تسجيل القوات فيها، فجاهد في بادئ الأمر بأمواله، من خلال العمل في مجال الدعم
المادي والمعنوي (اللوجيستس) وبعد أن تم تسجيل القوات ألتحق فوراً ضمن القوة
الصاروخية للقوات ليكون من أبرز المجاهدين الشيبة الذين يشار إليهم بالبنان ، وكان
له دور كبير في مجابهة الأعداء في كافة الاشتباكات.
كان يهرول ساعياً نحو الشهادة،
رامياً نفســه في لهوات الميادين عن عقيدة راسخة ويقين منقطع النظير.
ففي قتال الدواعش الأنجاس وخالصة
فى معارك جبال مكحول كان مقاتلا عنيدا صلبا لا يخشى الموت ويطلب الشهادة ، وبعد أن
انجلى غبار المعركة وكان الجميع مبتهجون بنصر الله على أعدائه. التفتوا إلى أبو
كاظم، الذي شوهد جالساً في زاوية بعيدة ويبكي بحرقة. فظن الجميع أن مكروها أصابه،
ولكن بعد إلحاح المقربين بالسؤال عليه أجاب : (معاركنا مع داعش أوشكت على الانتهاء
وأنا إلى الآن لم أوفق لنيل الشهادة) !
فأي أيمان، وأي شجاعة، وأي
يقين كان يحمل ذلك الرافد الكبير ، الذي ترك عمله، وترك بيته وأطفاله ليلتحق في
حشد الله المبارك طالباً لقاء الله تبارك وتعالى ، مناجياً ربه في ترديد ما ردده
سيد الشهداء (عليه السلام) :
تركت الخلق طــرا في هـــواك
و أيتمت العيـــال لكي أراك
فلو قطعتني في الحب إربـــا
لما مـال الفـــؤاد إلى سواك
و هذا احد الأسباب الكثيرة
التي جعلت المجاهدين يعشقون عاشق الشهادة (ابا كاظم) ويحنون إليه في كل حين ، يضاف
إليه أيمانه وورعه ووجهه النظر البشوش ، وسعيه الدائم في عمل الخير ، وحل المشاكل
والمعضلات ولم يحدث أن تخاصم أو تمازح بغلظة مع احد، بل على العكس حيث يحتفظ كل
مجاهد بقصة وموقف مع هذا الجبل الأشم الذي قضى شبابه في معارضة النظام المقبور،
تارةً مطارداً، وأخرى معذباً في مطامير معتقلاته المقيتة ليخط نهايته الشريفة بيده
الكريمة، فبدلاً من أن يعوض ما تعرض له في تلك الفترة وان يأخذ قسطاً من الراحة
بعد تلك الحقبة المظلمة ويعيش العيش الرغيد بعد أن فتحت له أبواب الــرزق
الواسعــة . إلا انه أصر على أن يختمها بمسك الشهادة ، فجاهد وثابر حتى نال مراده
ليفوز بالشهادة العظمى بعد أن فاز في كسب وعشق قلوب إخوانه المجاهدين .
يقول الأخ (رحمن جياد
الغريباوي) وهو أحد أقرب أصدقائه وجيرانه، وهو والد أحد الشهداء السعداء، جاءني
(أبو كاظم) قبل أن تنتهي معارك القضاء على داعش فطلب مني أن أعطيه ملابس ولدي
الشهيد (علي) التي استشهد بها ، فقلت له وماذا تفعل بها يا أبا كاظم؟ قال: سوف
أرتديها في ما تبقى من المعارك عسى أن أوفق لنيل الشهادة ببركات ملابس ولدك الشهيد
علي!
يوم الاستشهاد
في صبيحة يوم 24/10/2017
وأثناء قيام قوات وعد الله بمحاصرة مجموعة كبيرة من الدواعش الذين يمثلون النخبة
من المقاتلين الأجانب، وكانت غايتهم التسلل والهرب باتجاه سوريا وإيصال مسؤولهم
العسكري الأفغاني الجنسية إلى هناك، وبعد إحكام الحصار عليهم بادر أبطالنا بالهجوم
على تلك المجموعة التي انتشرت في زوايا وادي منجور، وكان أبو كاظم قد أبلى بلاءً
حسناً في هذه المعركة الشرسة، حيث شهد المجاهدون أن أكثر الدواعش القتلى كانوا من
حصة أبي كاظم الذي لم يمهل أحداً من الهرب، كان يهرول ويسدد رصاصه نحو صدور الخزي
والعار والتكفير والشنار، وكان منشرح الصدر في تلك الصولة الحيدرية الأصيلة، فبعد
أن قتل مجموعة من الدواعش وهم القائد العسكري للدواعش بالهرب مع أربعة ممن كانوا
يحاولون حمايته، أدركهم أبو كاظم وفتح عليهم النار ليرسلهم جميعاً إلى جهنم وبأس
المصير، ولم يكتفي بهذا القدر، حيث هرول راجعاً باتجاه الوادي يزأر كالليث الغاضب
خصوصاً بعد أن وجد الشهيد رعد قد أصيب من قبل الدواعش – حيث كان ينازع – فقام
بالانتقام له ممن سدد عليه، وبعد ذلك جاءت الرصاصة التي طالما انتظرها أبو كاظم
لتحسن خاتمته بها في نيل الشهادة
وكان آخر موقف له وهو مسجى على
ارض المعركة مضرجاً بدمائه الزكية عندما سقط إلى جانب الشهيد الشاب المجاهد مهدي
رعد (رحمه الله) كان احد الإخوة قد سارع إليه ليسعفه فرفض رغم انه كان ينازع
وقالها بضرس قاطع خاتماً بها آخر لحظات التفاني والإيثار :
(أنقذوا مهدي فاني راحل) ورغم
شدة الإصابات دفع يد مسعفيه برفق .
يقول رياض شقيق الشهيد رافد
(أبو كاظم) لقد نال أبو كاظم ما كان يسعى إليه طيلة حياته، وفاز بالشهادة والسعادة
الأبدية، ورغم أن فراقه أحزننا وأرقنا ألا أننا نفتخر به، ونفرح لأن الشهادة كانت
غاية مناه، بالإضافة إلى أننا نشعر يقيناً أنه موجود بيننا، فهو يزورنا في عالم
الرؤيا ويطمأنا ويطمأن علينا، حتى نسينا أنه رحل عنا إلى العالم الآخر، وأنا
شخصياً – الكلام لشقيقه رياض – كنت قد تعلمت أسرار المهنة في مجال التبريد منه،
وكانت تواجهني بعض المشاكل في العمل، فكنت أستعين به عن طريق الهاتف، وقد واجهتني
بعض المشاكل الشبيه في العمل بعد استشهاد أبو كاظم، وكنت أنسى أنه رحل عنا فكم من
مرة سحبت جهاز الموبايل واتصلت على رقمه ولا أنتبه وأتذكر انه قد استشهد إلا بعد
أن يأتيني الأشعار بأن الجهاز مغلق. نعم شعرنا بفراق جسده ولكننا نشعر بروحه معنا
وبيننا وكيف لا وهو حي يرزق ولكننا لا نشعر بوجوده.
وهذا الشعور يساور أخوانه
المجاهدين الذين تشرفوا بمعرفته، ومعه بقية الشهداء السعداء
فسلام عليه وعلى من استشهد معه
من المجاهدين يوم ولدوا ويوم وفقوا لنيل شرف الشهادة ويوم يبعثون أحياء بين يدي
بارئهم ورحمة الله وبركاته.
-----
* خطبة المرجعية الرشيد سماحة المرجع اليعقوبى دام ظله
رب ضارة نافعة ....سقوط الموصل
12 شعبان
الموافق 11/6/ 2014م
المقال السابق : نجوم فى سماء الوطن صياد الدواعش القائد الشهيد (أبو كاظم ) 1/1
0 تعليقات