ماذا لو
لم تقم حرب ١٩٦٧ ؟!
د.أحمد دبيان
مقالنا هذا مقال جدلى افتراضي، نحاول أن نناقش فيه
ليس ما حدث ولكن ما كان ليحدث ان تعطل حدث تاريخى ما وما سياق هذا على منظومة حركة
الجغرافيا التاريخية والاجتماعية ،
جاء عام ١٩٦٧ ومصر تباشر خطتها الخمسية التنموية
الثانية ، بعد نجاح خطتها الخمسية الأولى وانتهاء مرحلتين من مراحل بناء السد العالي،
وتحويل مجرى النيل ، هذا غير معدل تنمية غير مسبوق منذ عام ١٩٥١ والتى بلغ معدل
التنمية فيها ٣،٨٪ ليبلغ مع الخطة الخمسية الأولى حوالى ٥،٥ ٪
كان النظام السياسى لم تكتمل أدواته بعد ،
وكان تأمين الثورة يتطلب ، كما رأى رأس النظام ،
والعقل الوحيد المدبر له ، إنشاء كيان يستوعب الجماهير ، بعد أن عجزت تجربة
الديمقراطية التعددية فى ظل الاحتلال عن تحقيق طموحات الأمة ، فى إنهاء الخضوع
والتبعية ، وانهاء حالة الهيمنة البريطانية أو تحقيق الحراك الطبقى والديمقراطية
الاجتماعية ،
كان النظام يعتمد فى تأمين ثورته على المشير عبد
الحكيم عامر ، لتأمين القوات المسلحة والذى توغل نفوذه فيها وسيطرته عليها، بحيث أصبح
يطلق عليه
الرجل الأول مكرر،
وكان الاتحاد الاشتراكي فمجلس الأمة يعانى من تسلل
العناصر الطفيلية إليه وكان على رأسه وقتها السيد محمد أنور السادات .
كانت عناصر الثوار الذين قاموا بثورة يوليو فى مجملهم
ينتمى معظمهم إلى اليمين بأطيافه فيما عدا السيد البكباشى خالد محيي الدين والسيد
البكباشى يوسف صديق ، إضافة لرأس النظام ذاته والذى كان يرفض الشيوعية ولكنه كان
يُؤْمِن باشتراكية يتم تفصيل تجربتها لتوافق الواقع المجتمعى المصرى .
انحاز جمال عبد الناصر منذ البداية للجماهير واستمداد
منها قوته ، وكان هذا فى بعض الأحيان يثير نقاطاً خلافية مع بعض أعضاء مجلس قيادة
الثورة .
كان السيد خالد محيي الدين والسيد يوسف صديق يريان
بالعودة للديمقراطية ما جعلهما فى خلافهما يبتعدان مبكراً ،
وكانت العودة للديمقراطية الليبرالية وقتها، لتعيد
وجوه العهد البائد بإقطاعييه وانتخاباته القبلية والمرسخة لمصالح الرأسمالية
الطفيلية المتطرفة ،
حاول النظام خلق كيانات سياسية تستوعب الجماهير ،
وتصبح سنده السياسى ، كما حاول إنشاء تنظيم سياسى مدنى يعد به الكوادر لحكم مصر ،
وخصوصاً بعد صدامه الأول مع المشير ما بعد انقلاب الانفصال المدعوم من المملكة
العربية السعودية وكان قائده هو مدير مكتب المشير ذاته ،
حاول ناصر وقتها أن يأتى بعامر نائباً أول له لإبعاده
عن الجيش ،
ولكن المشير والذى كان يدرك انه يستمد قوته ونفوذه من
القوات المسلحة رفض رفضا حاسما وكاد أن يقوم بتمرد .
استمر النظام بتوازناته وأقطاب القوة فيه والتى جاء
العدوان ليحسمها رغما عن الجميع ،
ربما كان لفداحة الانسحاب المتعجل وتوابعه، خروج
البعض ليتحدث عن شواهد خيانة داخلية للإطاحة بأحد القطبين وربما كانت محاولة
المشير الانقلابية هو ورجاله شمس بدران وجلال هريدى لتدفع نحو هذا الاتجاه.
ربما لو لم يقم عدوان ١٩٦٧
لكانت الحياة السياسية بنظام الحزب الواحد لتستمر
وكانت الخطة الخمسية الثانية لتنجح وربما بمعدل تنمية قد يقارب ال١٠٪
وكانت كوادر التنظيم الطليعى المدنية لتكتمل وربما
كان ناصر ليحاول ان يعتزل الحكم بعدها مفسحاً الطريق بكوادره المدنية للحكم فى
مرحلة انتقالية بقيادة السيد زكريا محي الدين وهو ما كان ليحرك مرة أخرى المشير
عامر فى محاولة انقلابية ، كالتى حدثت بعد العدوان، والتى أيقن وقتها بان السيد
محمد أنور السادات كان لينضم للأقوى فيهما وربما عانت مصر من صراع سلطوي حاد بين
السيد زكريا محيي الدين والمشير عامر والذى كان ليحسمه السيد زكريا محى الدين .
فى كل الأحوال وعلى غرار الصراعات السلطوية المملوكية
كان يجب على الأستاذ أن يرحل ، وكان الصدام بين العناصر المدنية الوليدة بتوجهاتها
اليسارية وبين العناصر اليسارية واليمينية لما تبقى من مجلس قيادة الثورة لتحدث.
وكانت الغلبة فى النهاية ستكون للعناصر اليمينية ولكن
ربما بتنازلات اقل بكثير من حجم التفريط المهين الذى حدث بعد عام ١٩٧٤.
0 تعليقات