مصر وآل البيت (1)
محمود جابر
مصر فى القرآن الكريم
ورد اسم مصر فى كتاب الله في أربعة
وعشرين موضعا منها ما هو بصريح اللفظ، ومنها ما دلت عليه القرائن والتفاسير.
فأما صريح اللفظ:
1- قوله تعالى (اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم) البقرة
2- وقوله تعالى يخبر عن فرعون (أليس
لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ) الزخرف
3- وقوله تعالى:( وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا
واجعلوا بيوتكم قبله) يونس
4- ومنه قوله عز وجل مخبرا عن نبيه
يوسف عليه السلام (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) يوسف
وفي القاموس في معاني كلمة مصر : " مصر" المكان تمصيرا جعلوه مصرا
فتمصر " ومصر" أي المدينة التي تتميز عما حولها من بوادي.
وقد أطلقوا علي الكوفة والبصرة لقب "المصران" مثني "
مصر" . وقد بدأ التمدن في العالم ببناء المدن في مصر لذا نحتت اللغة العربية
كلمة مصر" لتدل بها علي قيام الدولة أو المدينة المتحضرة التي تحيط بها
البوادي .
وفي قصة يوسف قوله لإخوته وهو في سلطانه في مصر. " وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ
الْبَدْوِ... يوسف 100 " أي كان شرق مصر في ذلك الوقت رعويا بدويا .
- وهكذا فإن موسي حين قال لقومه
"اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ :61 البقرة" تفيد أي
مدينة ولا تدل علي الوطن المصري علي وجه الخصوص.
- وكلمة " مصر" بمعني البلد المتمدن أو الدولة تعتبر اعترافا من
اللغة العربية بقدم العمران المصري والحضارة المصرية.
فالعرب حين عرفوا النطق باللغة العربية استعاروا كلمة " مصر "
لتدل علي المدينة والحضارة ،ثم جاء القرآن فيما بعد يسجل هذا المعني ويميزه بفارق
لغوي دقيق حين يجعل كلمة " مصر" الوطن ممنوعة من الصرف باعتبارها علما ـ
وذلك في أربعة مواضع .
ثم تكون كلمة " مصر"
الدالة علي المدينة منونة في موضع وحيد في القرآن الكريم .
وقد وردت مصر فى القرآن بلفظ ( الارض)
وهناك أهمية أخري يضيفها القرآن الكريم علي مصر حين يعبر عنها بلفظ "
الأرض " .
والنسق القرآني يضفي وصف الأرض علي وطن ما إذا بلغ قومه درجة كافية من القوة
تجعلهم يتصورون أنفسهم قد تحكموا فى (الأرض )،أو لا يرون غيرهم فى (الأرض ) .
ونفهم ذلك من قوله تعالي عن قوم (عاد ) : " فَأَمَّا عَادٌ
فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا
قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ
قُوَّةً: 15 فصلت " .
ولذلك فقد استحقت مصر من القرآن أن توصف بأنها " الأرض" حيث عاشت
الدولة فيها قوية مهابة في عصور طويلة موغلة في القدم ، وخصوصا في عصر الرعامسة
الذي شهد قصة موسي.
وتقرأ في ذلك قوله تعالي في سورة القصص علي سبيل المثال : " إِنَّ
فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ.. .
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ)..
القصص 5"
(وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ..) القصص 6 .
( إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ..) القصص 19".
(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ).. القصص
39" .
وفى قصة موسي في سورة الأعراف لنجد القرآن أيضا يعبر عن مصر باسم الأرض في
قوله تعالي: (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى
وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْض) الأعراف 127 " .
( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ
الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) الأعراف 128 " .
( قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي
الْأَرْضِ) .. 129 الأعراف ".
إلي أن يقول تعالي عن نهاية فرعون ويصف مصر بأروع وصف : ( وَأَوْرَثْنَا
الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا
الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا).. 137 الأعراف " .
وفي قصة يوسف يقول تعالي عن تطور مكانة يوسف في مصر ( وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا
لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) : يوسف 56 .
وحين طلب وظيفة من الملك قال له ( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ
الْأَرْضِ) يوسف 55 .
فكانت خزائن مصر هي خزائن الأرض جميعا .
وقد عكس القرآن الكريم إحساس المصريين القدامى بأن مصر تمثل الأرض كلها في ذلك
الوقت حيث تركزت فيها الحضارة والمدنية بينما تعيش أوربا في الكهوف .
يقول مؤمن آل فرعون لقومه(يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ
فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا ) : غافر 29
".
وفي الوقت نفسه كان فرعون يخشى من دعوة موسي أن تتمخض عن انهيار حضارة مصر
فيقول لقومه( إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي
الْأَرْضِ الْفَسَادَ) غافر 26 .
وعبر القرآن الكريم عن اعتزاز المصريين بوطنهم ويتجلى ذلك في قولهم لموسي أو
عن موسي وأخيه( قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ
مِنْ أَرْضِكُمْ) طه 63 ".
( قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى )
: طه 57
والقرآن الكريم حين يضفي علي مصر وصف الأرض إنما يعكس أيضا إعجازا تاريخيا
يضاف إلي اعجازاته المتنوعة في الفصاحة والعلوم .
ذلك أن ما نقله القرآن الكريم باللغة العربية عن اعتزاز المصريين بأرضهم
سجله فيما بعد علماء المصريات حين عرفوا رموز اللغة الهيروغليفية وقرأوها وعرفوا
أن كلمة " توميري" كانت متداولة علي لسان المصريين وتعني عندهم "
الأرض المحبوبة " أي مصر ، وفي نفس الوقت يقولون عن الصحراء وما لا يعرفونه
من الأرض المجهولة والتي لا يهتمون بها أنها " آخيت ".
فهذه هى الاشارات القرآنية الصريحة وغير الصريحة التى تدل على اسم مصر
ومكانتها فى كتاب الله وبالتالى فى الرسالة المحمدية وهذا ايضا له علاقة بالتمهيد
.
0 تعليقات