آخر الأخبار

ثورة القاهرة الثانية ( الربيع المصري) ........ 1800م






ثورة القاهرة الثانية ( الربيع المصري) ........ 1800م

جمال الجمل..
كان أول ربيع مصرى فى القرن التاسع عشر يشبه إلى حد كبير أجواء الربيع العربى الحالى.. زلزال قوى أثار الغبار، ودفع الناس إلى الهرولة فى كل اتجاه، هناك مَن يريد النجاة والعودة إلى حياته القديمة التى يعرفها وفقط، وهناك من لجأ إلى السلب والنهب، وهناك المرتزقة والباحثون عن دور ووجاهة ومسؤوليات.كانت مصر مجرد ولاية عثمانية تعانى من النهب والتهميش، واكتفى المماليك بدور السلطة المحلية التى تجمع الجباية وتقهر المصريين كوكيل للوالى العثمانى، ثم جاء الفرنسيون، فصار البلد غنيمة مستباحة لعدد غير معروف من السلطات، حتى أبناؤها توزعوا تائهين بين هذه السلطة وتلك، دون أن يعرف أحد أين فقط، فهو بين كل سلطتين مجرد «طرف ثالث» بلا انتماء حقيقى، وللأسف استمرت هذه اللحظة حتى الآن، فنحن لدينا فريق نصوح باشا والولاء لفكرة الخلافة العثمانية، ولدينا مَن يسلم على بياض لسلطة المماليك (العسكر المحترفون) رغم أن دورهم كان الحماية داخل القلاع والحصون، لكنهم نزلوا إلى الشارع بعد انفراط عقد الدولة الأيوبية، وجمعوا بين الحرب والحكم، ولدينا أيضا أنصار الغرب المنبهرون بنظامه وتقدمه العلمى، الخائفون من العصا، الطامعون فى الجزرة، وهؤلاء ليسوا أبناء المعلم يعقوب القبطى وحدهم، فهناك شيوخ كبار خدموا الفرنسيين أكثر من الجنرال يعقوب، بل إن «هواة الخدمة» تنقلوا بين هذه السلطة وتلك حسب المصالح والمكاسب والرواتب، فمن كان يصدق أن مراد بك أمير الحرب المملوكى الذى خاض أكبر معركة فى مواجهة نابليون غرب القاهرة يتحالف مع الفرنسيين ضد العثمانيين قبل مرور عام، ويعقد معهم اتفاقية (سمن وعسل) صار بموجبها حاكمًا للصعيد تحت الراية الفرنسية، وهذا ما فعله كثيرون من الأعيان والأمراء، وكبراء المهن والطوائف.
المسألة إذن كانت «بزرميط» أو بتعبير العصر الحالى «فوضى خلاقة»، والمؤسف طبعا أن الحديث عن فكرة الوطنية المصرية لم يكن موجودًا، إلا بنظرة ضيقة تصب فى النهاية فى صالح المماليك، أو تأخذنا لمشاريع انفصالية مضادة للتاريخ من نوع مشروع الجنرال يعقوب الذى حاول تطبيق فكرة «المصرية» من خلال الاستعانة بالفرنسيين النصارى ضد العثمانيين المسلمين،، وبالتالى فإن مصر فى نظرهم للأقباط، والمسلمون مجرد ضيوف عند البعض ودخلاء عند المتشددين.هذا الكلام لم يكن موقفا عاما لأقباط مصر فى أثناء الحملة الفرنسية، ولا هو موقفهم اليوم، لذلك يجب أن ننتبه ونضع مثل هذه المواقف فى حجمها وسياقها، بحث تظل مظاهر فردية، واستثنائية لا تعبر عن موقف عام.من هذا المدخل الطويل يمكن أن نفهم أوامر الوالى العثمانى نصوح باشا لجنوده: «اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم»، فقد فهمها معظم الثائرين باعتبارها تحريضًا ضد الفرنسيين وفقط، لكن هناك من استخدمها لقتل أقباط مصريين، وهو ما حدث فى الاتجاه المعاكس لدى معسكر يعقوب حنا.إذن نصوح باشا والجنرال يعقوب فى نظرى وجهان للتعصب والشوفينية، فى ساحة كان فيها الكثير والكثير، لكن المعركة لم تكن فى جوهرها إسلامية قبطية، وهذا ما أؤكده قبل أن نعود إلى سرد تطورات ثورة القاهرة الثانية.بعد صيحة نصوح باشا، اشتعلت الحرب، واستمرت إلى آخر النهار، فأقام كل فريق المتاريس لتحصين قواته، ودخل الجميع خلفها، فلما أظلم الليل أطلق الفرنساوية «المدافع والبمب» من القلاع باتجاه «الجمالية» لكون الغالبية مجتمعين بها، فأشار الكبراء والرؤساء بالخروج من البلد فى تلك الليلة لعجزهم عن المقاومة، وبدأت الجموع تتزاحم للفرار، لكن فجأة ظهر «الطرف الثالث»...!!





إرسال تعليق

0 تعليقات