«هكذا تكلم اليعقوبي».. دليل الدولة المدنية
على رجب
تحت عنوان «هكذا تكلم
اليعقوبي» جاء كتاب الباحث المصري محمود جابر؛ ليلقى فيه الضوء على أبرز المرجعيات
الشيعية «العرب» في العراق، ومشروع بناء مرجعية عربية في النجف الأشرف، وإنهاء
مسيرة سيطرة الدم الفارسي على المرجعية الشيعية الأهم في العالم الإسلامي لدى
الشيعة الاثني عشرية.
الكتاب يقع فى 160 صفحة من القطع المتوسط، يتناول- وبشكل مقتضب- المشروع السياسي للمرجع الشيعي العراقي الشيخ محمد بن موسى بن محمد علي اليعقوبي، وهو واحد من أبرز المراجع الشيعية العراقيين ووريث مدرس المرجع الشيعي محمد محمد صادق الصدر، والمفتتح بفصل كامل لتعريف القارئ بشخصية المرجع اليعقوبي، وسيرته الذاتية؛ حيث ينتمي اليعقوبي لأسرة عربية تتفرع عن قبيلة الأوس الأنصارية ومن مواليد النجف، وله العشرات من المؤلفات والأبحاث الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.
الفقه الاجتماعي وهوية العراق
وتناول الفصل الثاني «الإنسان
والمجتمع والفقه الاجتماعي» فيما يبحث الفصل الثالث «الهوية والمشروع الوطني
العراقي»، بينما يلقي اليعقوبي في الفصل الرابع الضوء على الأوضاع في العراق ومصر
والعالم العربي والإسلامي، فيما جاء الفصل الخامس بعنوان «نحن والغرب».
ويُعد أبرز ما في كتاب «هكذا
تكلم اليعقوبي» بحث «ولاية الفقيه»، والتي قدم لها تفسيرًا جديدًا ينهي الازدواجية
ويعلي من قيمة الدولة الوطنية، كما يقدم مفهوم الوحدة الإسلامية في تصور جديد
يساعد على وحدة دون المساس بالشأن الداخلي لهذه الدول.
تقويض ولاية الفقيه
يقوض اليعقوبي في كتابه المهم،
نظرية ولاية الفقيه التي أسسها المرجع الشيعي الإيراني الموسوي الخميني، بتفسير
جديد لنائب الإمام في المذهب، والتي تتقارب مع النظرية السياسية بتطبيق
الديمقراطية؛ حيث شدد على أن مفهوم الدولة والسلطة والعلاقات الدولية، قائلًا: «لا
يكفي ادعاء الولاية ولا بسطها من دون إراة الجماهير»، أي أن هذه الولاية تتم عبر
اختيار الشعب في مقاربة للنظم السياسية الحديثة، باختيار الرئيس عبر انتخابات بشكل
ديمقراطي، وليس عبر مجموعة مصغرة من الأئمة ورجال الدين.
كذلك يرفض اليعقوبي، وهو صاحب مشروع سياسي وفلسفي وديني، بسط ولاية فقيه مقيم في بلد على بلد آخر، وهو ما ينهي عملية ازدواجية الولاء لدى الشعب ويعلي من قيمة الوطنية والدولة الوطنية في مواجهة الدولة المذهبية، وكذلك يسد الطريق على من يستغل الدين والمذهب في التغلغل والنفوذ داخل الدول؛ بحجة أنه الولي الفقيه، وكذلك ينهي نظرية الخلافة الإسلامية بمفهومها السني.
صناعة النخبة ورفض الطائفية
ويقول اليعقوبي عن ولاية
الفقيه: «ونظام ولاية الفقيه لا يعني فرض رأي الشخص على الأمة ولا مصادرة إرادتها
أو الانقلاب على الديمقراطية، كما يظهر من بعض الكلمات، وإنما الفقيه هو راعي
إرادة الأمة وصمام الأمان لحفظ كرامتها ووحدتها؛ لأنه يمثل القانون والشريعة، وسلطته
لا تعني سلطة الشخص بل سلطة القانون».
كما أحدث اليعقوبي تغيرًا
وثورة على مستوى دور المرجعية الشيعية في العراق؛ حيث تبنى اليعقوبي فكرة عملاقة
أسميها أنا «صناعة النخبة»، وذلك بالعمل على رفع مستوى القواعد الشيعية العامة إلى
مستوى النخبة؛ ليكون الجميع قائدًا في موقعه وهي فكرة التمهيد لدولة الإمام بتهيئة
الكفاءات القادرة على إدارة الدولة العادلة .
و عمل المرجع اليعقوبي على تثبيت فكرة المرجعية المؤسساتية، والتي تعتمد التنظيم والفكرة الاستراتيجية، وتبتعد كليًّا عن الفردية والعبثية في إدارة مقدرات الأمة، وكذلك صرف الأموال الشيعية عبر مؤسسات بما يخدم المجتمع العراقي وليس عبر وكلاء المرجع.
كما شدد على الوحدة الإسلامية ورفض الطائفية والمذهبية، معتبرًا أن إذكاء روح المذهبية يشكل تقويضًا للأمة الإسلامية.
كما يعد اليعقوبي أبرز المراجع الشيعية الرافضة للفيدرالية في العراق، معتبرًا أنها مقدمة لتقسيم العراق، محذرًا من سلوك القوى السياسية لهذا المسلك.
ويؤكد مؤلف الكتاب على أن اليعقوبي يشكل مشروع لمرجعية شيعية عربية، تقدم رؤية جديدة تعظم من الدولة الوطنية والمدنية، والاعتدال والإخاء في مواجهة الدولة الطائفية والمذهبية والقائمة على الرؤية الضيقة للدين والمذهب.
0 تعليقات