أشهر الخونة في تاريخ مصر ..
فرمان السلطان..وهدايا الباشا..
سامح
جميل
"كلهم
خانوك..يا عرابي ساكنو القصور قبل أصحاب الرتب والألقاب..الأعيان ونواب البرلمان
قبل البدو "..
الخديو
توفيق..
لنبدأ
بالرجل الذي كان يفترض به منصبه أن يدافع عن مصر: الخديو توفيق
وبدلاً
من أن يقاوم الخديو توفيق المحتلين، استقبل في قصر الرمل بالإسكندرية الأميرال
بوشامب سيمور قائد الأسطول البريطاني، وانحاز إلى الإنجليز، وجعل نفسه وسلطته
الحكومية رهن تصرفهم حتى قبل أن يحتلوا الإسكندرية. فأثناء القتال أرسل الإنجليز
ثلة من جنودهم ذوي الزي الأزرق لحماية الخديو أثناء انتقاله من قصر الرمل إلى قصر
رأس التين عبر شوارع الإسكندرية المشتعلة. ثم أرسل الخديو إلى أحمد عرابي في كفر
الدوار يأمره بالكف عن الاستعدادات الحربية، ويحمّله تبعة ضرب الإسكندرية، ويأمره
بالمثول لديه في قصر رأس التين؛ ليتلقى منه تعليماته
وعندما
رفض عرابي الامتثال لأوامر الخديو كان رد فعل الأخير هو عزل عرابي من منصبه،
وتعيين عمر لطفي محافظ الإسكندرية بدلاً منه، ولكن عرابي رفض للقرار، واستمر في
الاستعدادات لمقاومة الإنجليز
ويوم
السبت الموافق 15 يوليو عام 1882، اكتشف الخديو توفيق قطاراً محملاً بالدقيق من
مخابز منطقة القبارى متوجهاً إلى الجيش فى كفر الدوار، فاحتجزه وقرر صرفه للجنود
الإنجليز فى الإسكندرية
وفي
(22 يوليو1882) عُقِد اجتماع في وزارة الداخلية، حضره نحو خمسمئة من الأعضاء،
يتقدمهم شيخ الأزهر وقاضي قضاة مصر، ونقيب الأشراف، وبطريرك الأقباط، وحاخام
اليهود والنواب والقضاة والمفتشون، ومديرو المديريات، وكبار الأعيان وكثير من
العُمَد، فضلا عن ثلاثة من أمراء الأسرة الحاكمة
وفي
الاجتماع أفتى ثلاثة من كبار شيوخ الأزهر- وهم محمد عليش، وحسن العدوي، والخلفاوي-
بمروق الخديوي عن الدين؛ لانحيازه إلى الجيش المحارب لبلاده. وبعد تداول الآراء
أصدرت الجمعية قرارها بعدم عزل عرابي عن منصبه، ووقف أوامر الخديوي ونظّاره
(الوزراء) وعدم تنفيذها؛ لخروجه عن الشرع الحنيف والقانون المنيف. واتفق الحاضرون
على إرسال لجنةٍ يترأسها علي باشا مبارك إلى الإسكندرية ليبلغ الخديو بقرارات هذه
"اللجنة العرفية"، ولترى اللجنة إن كان الخديو والوزراء أحراراً من
سيطرة الإنجليز فليأتوا إلى القاهرة
نصل
إلى الميدان الشرقي في التل الكبير، لنجد السلطان العثماني السلطان عبد الحميد
الثاني قد أصدر فرماناً سلطانياً بأن عرابي مارقٌ على السلطان وكافر وأنه يخوض
الحرب معرضاً بلاد المسلمين للخطر ضد رغبة السلطان الذي أرسل جيش الخلافة
الإسلامية لمحاربته وردعه .وقام الخونة بإيصال محتوى ذلك المنشور إلى جيش عرابي،
ولابد أن الكثيرين منهم تساءلوا عن مصير من يموت تحت قيادة عرابي الكافر في حربه
ضد خليفة المسلمين
وهكذا
تباينت خُطب أئمة المسلمين فى صلاة الجمعة يوم السبت الموافق الأول من أغسطس عام
1882 وتراوحت بين وصف عرابي باشا بأنه خائنٌ للأمة مضيع لدماء المصريين عاصٍ لحاكم
مصر الخديو توفيق وخارج على السلطان العثماني، حتى ردد بعضهم فى مساجد الإسكندرية:
تبين
عقبى غيه كل معتدي... وأمسى العرابي وهو بالذل مرتدي
وفي
المقابل، انتصر فريقٌ آخر من مشايخ المسلمين لعرابي باشا ورأوا فيه منقذ البلاد من
الهلاك والدمار ورأى بعضهم أنه الموعود الإلهي الذي يرسل على رأس كل مئة سنة ليجدد
لأمة المسلمين دينهم. ورأى بعضهم فيه باعثاً للأمة قامعاً للفساد ، ولم ينقصهم
الشعر أيضاً ، وهناك عشرات القصائد التى تدندن حول هذه المعاني، كقول أحدهم:
إذا
ما رايةٌ رفعت لمجدٍ... تلقاها عرابينا يمينا
وقول
آخر:
يا
صاح قم واشكر إلهك واحمدِ ... فالدين منصورٌ على يد أحمدِ
وكان
من بين الخونة رئيس مجلس الأعيان محمد باشا سلطان، الذي اغترف من ذهب الانجليز،
وراح يوزعه على البدو والرحل في الصحراء الشرقية، كي ينسحبوا من الجيش أثناء
القتال. وقد سجل له التاريخ تقدمه مع فريق من الخبراء بهديةٍ فاخرة من الأسلحة،
إلى كلٍ من الأميرال سيمور قائد الأسطول الإنجليزي الذي دمر الإسكندرية بقنابله،
والجنرال غارنيت ولسلي القائد العام للجيش البريطاني، والجنرال دروري لو الذي كان
أول من دخل العاصمة بعد سقوط التل الكبير
قدم
سلطان باشا تلك الهدايا لقادة جيش الاحتلال، وذلك "شكراً لهم على إنقاذ
البلاد من غوائل الفئة العاصية" كما ورد في جريدة "الوقائع
المصرية". وقد أنعمت عليه ملكة بريطانيا فيكتوريا برتبة "سير" جزاء
لخدماته لبلادها، وأنعم عليه الخديو بعشرة آلاف من الجنيهات الذهبية كمكافأة
وكان
محمد باشا سلطان يرافق جيش الاحتلال - نائباً عن الخديو- في زحفه على العاصمة
وأثناء المعارك مع العرابيين بغرض تقديم العون اللازم لتسهيل مهمته، وكان يدعو
الأمة إلى استقبال هذا الجيش الغازي وعدم مقاومته، ويهيب بها إلى تقديم كافة
المساعدات المطلوبة له. وبالفعل اتصل برؤساء العربان وأحضر مرشدين ليدلوا الإنجليز
على الطريق
الغريب
أن سلطان باشا كان يُحسب في البداية على العرابيين، حتى جعله المسيو سنكفكس قنصل
فرنسا العام وسيطاً بينه وبين العرابيين بهدف قبول مطالب انجلترا وفرنسا الخاصة
بطلب استقالة وزارة البارودي – التي شغل عرابي فيها منصب "وزير
الجهادية" (الدفاع)- وخروج عرابي من مصر مؤقتاً مع احتفاظه برتبه ومرتباته،
وإقامة علي باشا فهمي وعبد العال باشا حلمي – وهما من زملاء عرابي وكبار قادة
الجيش- في الريف مع احتفاظهما برتبتيهما ومرتبيهما
وقدم
سلطان باشا – كما ذكر عبد الرحمن الرافعي في كتابه "الثورة العرابية
والاحتلال الإنجليزي"- هذه المقترحات وكأنها من أفكاره، فرفضها العرابيون، بل
وفقدوا من بعدها ثقتهم في الرجل الذي انضم بدوره إلى صف الخديو توفيق ليبدأ مسلسل
الخيانة
وقد
وجد سلطان باشا –وهو بالمناسبة والد ناشطة الحركة النسوية نور الهدى محمد سلطان،
المعروفة باسم هدى شعراوي- بين زعماء القبائل قوماً من جنسه، ممن لم تجد القوات
البريطانية عناءً في استمالتهم، مثل مسعود الطحاوي ومحمد البقلي
على
أن أخطر ما حققه معسكر الخيانة - من أمثال الطحاوي والبقلي- من نجاحٍ يتمثل في
نجاحهم في ضم عددٍ من ضباط جيش عرابي إليهم. وقد لعب الدور الأكبر في هذا الخديو
توفيق ومحمد سلطان باشا رئيس مجلس الأعيان، وكان من أذكى من وكِلَ إليهم هذا العمل
عثمان رفعت ياور الخديو الذي استغل ما لديه من معلوماتٍ حول عوامل التنافس والحسد
بين الضباط ليستميل إليه بعضهم، وهو ما وجه ضربة قاصمةً إلى الجيش المصري. وهكذا
ضمت قائمة الخونة قادةً وضباطاً في جيش عرابي، مثل عبد الرحمن حسن قائد السواري
(أو الحرس الراكب)، وعلي يوسف الشهير "بخنفس" أميرالاي الثالث
"بيارة" الذي أشار إليه عرابي في مذكراته كأحد الذين "أظهروا قبول
ما اوضحناه لهم وأسّروا الغدر والخيانة"
ولذا
نرى المراجع تجمع على أن محمد باشا سلطان هذا "كان من أهم العوامل في إخفاقها
وخذلانها) " ("الأعلام الشرقية"، زكي مجاهد، 1/161) وتقول إنه
"كان – أي سلطان باشا - أكبر مساعدٍ للإنكليز على قومه بالرشوة مع أنه من
أكبر الأغنياء" ("تاريخ الأستاذ الإمام"، رشيد رضا، 1/233) وتقرر
أن "سلطان باشا قد لعب دوراً هاماً في تدعيم موقف العناصر الخائنة"
("الثورة العرابية"، صلاح عيسى، ص 424)
ومن
أعضاء مجلس الأعيان آنذاك برزت أسماء عدد من الأشخاص الذين وضعوا أنفسهم في خدمة
أهداف معسكر خيانة الثورة العرابية، ومنهم عبد المجيد البيطاش نائب الإسكندرية،
وأحمد عبد الغفار نائب المجلس وعمدة تلا، والسيد الفقي عضو المجلس عن إحدى دوائر
المنوفية
ويتسع
معسكر الخيانة خلال الثورة العرابية ليشمل عدة أسماءٍ تجمعت حول السراي ودعمت
موقفها، إذ التفت حولها عناصر من الارستقراطية الزراعية بزعامة شريف باشا،
والشرائح العليا من البورجوازية الزراعية بقيادة سلطان باشا رئيس مجلس الأعيان..
فضلاً عن الارستقراطية العسكرية التركية المطرودة من الجيش وقبائل العربان وكانا
يشكلان الجناح العسكري لمعسكر الخيانة
وشريف
باشا مثلاً وافق على تشكيل وزارة برئاسته في الإسكندرية في 24 أغسطس آب عام 1882
في وقتٍ كانت رحى الحرب دائرة في البلاد بين الجيش الإنجليزي الغازي والجيش
المصري، وأعلن فيه الخديو انضمامه إلى قوات الغزو وأعطاها تفويضاً لتقويض الثورة
وقد
شكلت هذه الوزارة بعضوية كلٍ من رياض باشا ومحمد لطفي وحيدر باشا وعلي مبارك باشا
وفخري باشا وأحمد خيري باشا وأحمد زكي باشا، وهم عناصر معروفةٌ بعدائهم للشعب
باستثناء علي مبارك، وأغلبهم من من العناصر التركية والجركسية. فرياض باشا كان
رئيسأ للوزراء قبل الثورة العرابية وانصياعه للأجانب معروفٌ، وإطلاق اسم
"رياضستون" عليه يدل على موقف القوى الوطنية منه. وقد اشتهِرَ عنه قوله
"إن المصريين ثعابين ولا يمكن قتل الثعابين إلا بسحقها بالأقدام"
أما
عمر لطفي فكان محافظاً للإسكندرية إبان حوادث 11 يونيو حزيران المفجعة عام 1882
والمعروفة باسم "مذبحة الإسكندرية"، وأشارت إليه أصابع الاتهام أكثر من
مرة
وللأسف
أيضاً فإن عرابي لم ينصت إلى فكرة محمود فهمي باشا رئيس الأركان بسد قناة السويس
لإقفال الطريق في وجه الإنجليز، وأخذ برأي فرديناند ديلسبس الذي أقنعه بأن
الإنجليز سيحترمون حيدة القناة
والشاهد
أن انخداع عرابي بالفرنسي ديلسبس يعد من أهم أسباب الهزيمة، إذ نجد في المصادر
المعنية بتلك الفترة ما يشير إلى "إن مجلساً عسكرياً عقد في كفر الدوار أجمع
فيه المجتمعون باستثناء عرابي وحده على عدم اعتبار رسالة دلسبس، ووجوب سد
القناة" ("الثورة العرابية"، صلاح عيسى، ص 457)
والخديعة
تبدأ بكلمات تفيد بأن الأمور تحت السيطرة، إذ نقرأ أنه "كان عرابي قد فكر ردم
القناة كإجراء دفاعي، لكن دي ليسابس أكد له أن القناة لن تُستخدم في الهجوم على
مصر، وأنه يضمن له ذلك، وقد أرسل له كتاباً في هذا الصدد "لا تحاول أية
محاولة في سد قناتي، فإني هنا، فلا تخش شيئاً من هذه الناحية، فإنهم لن يستطيعوا
إنزال جندي إنجليزي.." ("تاريخ العرب الحديث"، زاهية قدورة، ص 364)
وفي
ظل الوضع المرتبك "انتقلت البوارج البريطانية تحت جنح الظلام إلى بور سعيد،
ثم دخلت القناة، ومن منطقة القناة بدأت أعمالاً حربية انتهت بهزيمة عرابي"
("تاريخ العرب الحديث"، زاهية قدورة ، ص 364)
"ولو
سُدت قناة السويس في بداية القتال لامتنع الاتصال بين القوات الإنجليزية الآتية من
البحر المتوسط والقوات الآتية من الهند، واستحال عليها الوصول إلى الإسماعيلية من
طريق القناة، وفي هذه الحالة يضطر الجنرال ولسلي إلى المغامرة بجيشه في الصحراء
الشرقية حيث لا ماء ولا كلأ، أو يهاجم مصر من طريق الدلتا فتعوق الترع والجسور
زحفه وخاصة في أيام الفيضان (أغسطس- سبتمبر)، ولكن عرابي لم يستمع لنصيحة محمود
فهمي وخشي عواقبها، وظن أن الإنجليز يحترمون حياد القناة فلا يتخذونها قاعدة
للزحف، فكان هذا الخطأ أكبر عامل في إخفاق خطة الدفاع التي وضعها محمود فهمي،
واكتفى عرابي بإقامة معسكر في التل الكبير على بعد نحو خمسين كيلومتراً من
الإسماعيلية، و110 كيلومترات من القاهرة حشد فيه جانباً من الجيش، ولكنه وزع معظم
قواته في كفر الدوار وعلى سواحل البحر المتوسط، فكان الجنود السودانيون وهم من
خيرة الجنود مرابطين في دمياط بقيادة عبد العال حلمي، ورابط في رشيد فيلق كبير،
واستقر معظم الجيش بقيادة طلبة عصمت في كفر الدوار، ومع أن الإنجليز استعجلوا
الحركات الفدائية في قناة السويس وكانت هذه الحركات نذيراً كافياً لعرابي بما
اعتزموه من خرق حياد القناة، فإن عرابي أحجم عن العمل بنصيحة محمود فهمي في
سدها" ("مصر المجاهدة"، عبد الرحمن الرافعي، ص 131)
وقد
قال القائد البريطاني ولسلي فيما بعد: "لو أن عرابي سد القناة كما كان ينوي
أن يفعل، لكنا للآن لا نزال في البحر نحاصر مصر" ("تاريخ العرب
الحديث"، زاهية قدورة، ص 364)
بل
إن هناك من يقرر أنه "وكان من أكبر أخطاء عرابي تردده في سد القناة، وانخداعه
بالمؤامرة القذرة التي دبرها الإنجليز مع ديلسبس" ("الثورة
العرابية"، محمد المرشدي، ص 80). وتدريجياً تتضح أمام أعيننا الحقيقة
الساطعة: "لقد خدع فرناند عرابي وخانه، وفُتحت القناة أمام الأساطيل لتحتل
بورسعيد والإسماعيلية، ثم بدأت القوات بعد ذلك تتجه إلى القاهرة"
("الأصول الفكرية لحركة المهدي السوداني"، د. عبد الودود شلبي، ص 129)
خيانة
وخدئعة وخذلان..بالجملة والمجان..
خيانةٌ
كانت نتيجتها انتهاء حقبةٍ من تاريخ مصر وبدء حقبة أخرى عنوانها العريض: الاحتلال
البريطاني......!!
ربما
تحتوي الصورة على: شخص واحد، وقبعة، ولحية ولقطة قريبة
0 تعليقات