الدين
الحق.... والدجل الديني
عز الدين البغدادى
اذا كنت تعتقد أن الفرق بينهما واضح فأنت متوهم جدا،
بل التشابه بينهما أكثر مما تتصور، لأن ما يفرق بينهما قيم ليس من السهل دائما ان
تدركها لا سيما إذا كنت ممن غلب على تديّنك الطقوس والمظاهر.
الدين الحق يريد أن يفتح أعين الناس وعقولهم، بينما
الدجل يغطي الحقائق على الناس ولا يظهرها.
في الدين الحق يزرع الجرأة في نفوس الناس ويعلمهم على
فضيلة الاعتراض، والدجل يفعل عكس ذلك، فهو يخدر الناس ويضيق عليهم حقهم في السؤال
ويزرع في أذهانهم أوهاما تمنعهم من التفكير، عندما تولي عمر بن الخطاب الحكم صعد
المنبر وصاح في الناس: ان رأيتم مني اعوجاجا فقوّموني، فقال له رجل: نقوّمك
بالسيف، فحمد عمر الله على جواب الرجل.
وعندما تولى امير المؤمنين علي (ع) الحكم خاطب الناس
فقال: أيها الناس أشيروا علي فإن لست في نفسي فوق أن أخطئ!!
في دين الحق يعلمونك أن الشك فضيلة، لهذا عندما جاء
رجل الى النبي (ص) وقال له بأن في صدره وسوسة وأنه يلقى في خاطره سؤال: من خلق
الله؟ قال له النبي (ص): ذلك محض الإيمان. بينما في منهج الدجل يعلم أن الشك نقص،
وأن المؤمن يجب ان يكون متيقنا.
في دين الحق يعلمك أن استعمال العقل فضيلة ويحثك على
التفكر، ويقول لك: ما عبد الله بشيء أفضل من العقل، بينما في دين الدجل يخوفونك من
التفكير خارج منظومتهم ويحذرونك من القراءة لأن الكتب التي تقدم رؤية مخالفة هي
كتب ضلال ويذكرونك دائما في مناسبة وفي غير مناسبة أن دين الله لا يصاب العقول،
ويعلمونك دائما بأن هناك من يفكر عنك وليس عليك إلا أن تطيع.
في دين الحق تتعلم أن العبودية لله تقتضي التحرر من
كل عبودية لأحد من الخلق، بينما في دين الدجل لا يكون للعبودية أي معنى بعد ان صرت
عبدا للكهنة.
في دين الحق يعلمك ان تكون شريكا في السياسة، ولهذا
كان النبي (ص) يأخذ البيعة ويستشير الناس ويتنازل عن رأيه لرأيهم، بينما في الدجل
يطلب منك ان تنتظر الفتوى التي تحدد لك من تنتخب.
في دين الحق يعلمك التواضع أمام الله كما قال النبي
(ص) يوما: أنا رسول الله ولا ادري ما يفعل بي، وفي دين الدجل يصورون لك أن مكان
الكهنة في الجنة محجوز قطعا.
في دين الحق يعلمك أن لا تحتقر المذنب وأن تتفهم وضعه
وأن تمد إليك يده، كما في الحديث: لا تكن عونا للشيطان على أخيك. وفي دين الدجل
يعلمك أن الزاني وشارب الخمر قذر ينبغي الترفع حتى من الحديث معهما.
في نهج الدين الحق يعلمونك أن تسأل ولا تسلّم بكل ما
تسمع، فقال الإمام الباقر (ع): "إذا أخبرتكم بشيء فاسألوني عن موضعه في كتاب
الله" أي اسالوني عن الدليل، واذا سالت منهج الدجل، فسوف يقال لك: أنت تتبع
المجتهد أم المجتهد يتبعك؟
الأفكار في دين الحق بسيطة، بينما الكلام كثير عند
الكهنة حتى في ابسط الأمور وأوضحها، رغم انه كلام بغير فائدة غالبا، لهذا قال سيد
الحكماء علي (ع): العلم نقطة كبرها الجاهلون.
في دين الحق يعلمك ان الفضيلة مقياس، وان السرقة حرام
وان الغيبة خطيئة، وأن مال الآخر حرام، وفي منهج الدجل يمكن ان تجدد تبريرا للسرقة
لأن الدولة لا تملك، وتبريرا للغيبة لأن غيبة المخالف جائزة، وأن تأخذ مال غيرك
المخالف لأنه وماله لا حرمة لهما.
في دين الحق تتعلم بأن تبحث عن المشتركات مع من يختلف
معك ( تعالوا إلى كلمة سواء ) تقترب منه، وفي الدجل يعلمك أن تتحصن داخل مذهبك،
طائفتك، دينك، قوميتك.
في دين الحق تتعلم ان الكرامة والشرف والعزة قيم
عليا، وفي الدجل لا قيمة لكل ذلك وإلا كيف يمكن أن يسيطر عليك ويستغلك؟
المسالة لا تتعلق بدين معين أو مذهب معين أو مجتهد
معين او تيار معين او شخص معين، بل بقيمٍ يمكن ان تكون هنا ويمكن ان تكون هناك،
اذا قدّسنا القيم فسنجد دين الحق حيث يكون، وعندما نقدس الرجال والأشخاص فلن نجد
القيم، ومن قديم قال علي واختصر كل ما قلناه: اعرف الحق تعرف أهله.
0 تعليقات