آخر الأخبار

أنا طلعت غلطان







أنا طلعت غلطان


د. محمد إبراهيم بسيوني


ألقى الرئيس محمد أنور السادات آخر خطاب له في ٥ سبتمبر ١٩٨١، وفي ٦ أكتوبر ١٩٨١ جرت عملية اغتياله في العرض العسكري، وعلى كثرة التهديدات التي أطلقها تجاه الإخوان والجماعات الإسلامية لم تستوقفهم سوى أخطر عبارة قالها بصدق وبحرقة "أنا طلعت غلطان". كانت جميع العبارات الغاضبة في هذا الخطاب لا تعني شيئا كثيرا للإخوان فقد تكون غضبة عابرة يمكن احتواؤها بوساطة أو تفاهمات جديدة لكن تأكيد السادات بعبارة تقطر بالندم على أنه أخطأ بإخراج الإخوان من السجون كانت هي العبارة الحاسمة.

الخطأ الذي ندم عليه الرئيس السادات لم يكن إخراج الإخوان من السجون فحسب بل في توجه كامل تبناه شخصيا، وتبناه الإعلام وكافة مؤسسات الدولة المصرية. أراد السادات التخلص من عصفورين بحجر واحد، الناصريون الذين أدركوا أنه يسير عكس خط ناصر، واليساريون الذين أدركوا أن سياسة الانفتاح جريمة، وكان الحجر هو الإخوان. التوجه الذي ندم عليه الرئيس السادات انه أفسح المجال في الجامعات لقيام الإخوان بقمع طلبة اليسار والناصريين. اتخذ الرئيس السادات لقب الرئيس المؤمن، ونقل صلاته يوم الجمعة أسبوعيا، وتبنى الإعلام خطابا دينيا فظهر نجمان في هذا الاتجاه الشيخ الشعراوي والدكتور مصطفي محمود، وكان تصريحه الشهير (أنا رئيس مسلم لدولة إسلامية).

‏وفي ١٧ يونيو ١٩٨١ استيقظ المصىريون والرئيس السادات على أحداث الزاوية الحمراء، فتنة طائفية، عنوان كاد المصريون أن ينسوه خلال قرون...

‏لكنه عاد حاملا ١٧ قتيلا قبطيا حسب التقارير الرسمية 'قبل أن يتضح ان الرقم الحقيقي ٨١. في هذه اللحظة ربما أدرك الرئيس السادات حقيقة ما اقترفه لكن الأوان كان قد فات.
كثيرا ما يعمد محبو الرئيس السادات إلى وصفه بالداهية، لكن من المؤكد أن هذه الصفة لا تنطبق عليه في علاقته بالإخوان فقد اخطآ الحسابات وتصور انه يستطيع استخدام الإخوان ثم التخلص منهم في الوقت المناسب. لم يضع الرئيس السادات في حسبانه عدة عوامل هامة للغاية.

‏العامل الأول تقديم التيار الإسلامي نفسه بديلا بعد إخفاق التيار القومي منذ هزيمة ١٩٦٧ وحتى المقاطعة العربية لمصر بعد معاهدة السلام ١٩٧٧. الثاني ازدياد المد الديني في المنطقة خاصة بعد الثورة الإيرانية ١٩٧٩، ثم غزو السوفييت لأفغانستان في نهاية نفس العام. لم يحسب الرئيس السادات حساب هذه المستجدات.

‏كان الرئيس السادات الذي اشتهر بسياسة "الصدمة الكهربائية" مستعدا تماما للقيام بخطوة دراماتيكية تقلب الطاولة على الإخوان وحلفائهم، لكن شهرا في عمره لم يكن كافيا، وكذلك ثقة جميع الأطراف فيه فالجميع سجنوا في يوم الخطاب ٥ سبتمبر، وأطلقت الصحافة يومها عنوان ثورة ٥ سبتمبر، واغتيل الرئيس السادات دون ان يتمكن من تنفيذ وعيده تجاه الإخوان، وجاء الرئيس مبارك متعهدا باستمرار مسيرة السادات، ثم لم ينفذ وعيد السادات وفضل الدخول في مهادنات وشد وجذب وإدماج سياسي للإخوان بصورة غير رسمية. واستمر الشد والجذب حتى امتلك الإخوان الحبل كله في ٢٠١٢.

 "قد حصدنا أمس ونحصد اليوم ما تمت زراعته أول أمس"، عبارة الرئيس السادات رغم صدقها لم تلق آذانا صاغية. فحين يتشوه الوعي وتكثر الألعاب البهلوانية في سيرك السياسة تضيع المصداقية.
عميد طب المنيا السابق




إرسال تعليق

0 تعليقات