الخلاف... بين السياسي والديني
قراءة فى كتاب كشف الغمة بتأليف الأمة
عز الدين البغدادي
كثيرا ما تستغل القضية الدينية
لتحقيق مصالح سياسية خاصة، وهي مصالح قد تصب في مصالح أشخاصٍ لا يؤمنون أساساً
بالدين أو المذهب!!
إنّ من أهم أسباب الفرقة التي
نعاني منها ومن أهم الأخطاء التي نقع فيها أن نعطي لأي خلاف سياسي بعدا دينيا،
صحيح أنّ الساسة من مصلحتهم أن يستخدموا هذا الأسلوب لأنّه أفضل طريق للسيطرة على
الناس وتهييجهم مما يضعف قوى التفكير عندهم ويمكن من السيطرة عليهم. إلا أنّ هذا
أسلوب غير صحيح دينيا وأخلاقيا، وهو التفاف على المشكلة وتحديد لها.
تصور لو حصل تقارب بين السعودية
وايران، او ان نفترض بأن نظام الحكم في ايران تغير، هل تعتقد ان فضائيات مثل صفا
واخواتها ستبقى تتحدث عن الشيعة وشركياتهم وبدعهم؟ بالتاكيد لا، بل سيكون الكلام
عن التقارب والتآلف وحقوق الجوار، والأخوة الاسلامية. فالتنازع الديني هو مجرد
واجهة للنزاع، واسلوب رخيص لاثارة الاحقاد وحسب.
ويمكن أن نضرب مثلا على ذلك
بانشقاق جماعة الخوارج على الخليفة الشرعي بكل المقاييس وهو علي بن أبي طالب، ومع
مركزيّته في الإسلام وعظم مكانته، فإنّه لم يستعمل تلك النصوص التي وردت بفضله،
ولم يستثمرها سياسيا، قال عنه النبي (ص): حربك حربي وسلمك سلمي.. ومع ذلك لم يقل:
بأنّ هؤلاء كفرة أو فسقة، بل أصرّ على أن لا يعطي النزاع بعدا دينيا فقال كلمته
الرائعة عندما سئل عنهم: إخواننا بغوا علينا.
وهذا ما أكّده حفيده الإمام
جعفر الصادق (ع)، حيث قال: إن عليا عليه السلام لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى
الشرك ولا إلى النفاق، ولكنه كان يقول: هم إخواننا بغوا علينا.
أدرك علي بأن اعطاء االنزاع
بعدا دينيا سيجعله لاحقا نزاعا مقدسا وكراهية مقدسة، لذا أصر على ابقاءه في اطار
سياسي بحت. وهذا ما يدلّك على وعي استثنائي من عليّ بقضيّة الوحدة رغم ما يتهمه به
خصومه من كونه سببا لحدوث الفتن بين المسلمين، وكيف لا يكون علي هكذا، وهو القائل:
وإياكم والفرقة، فإنّ الشاذ من الناس للشيطان كما أن الشاذ من الغنم للذئب ألا من
دعا إلى هذا الشعار؛ فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه.
أي: ولو كنت أنا من دعا
إليها!! باعتبار أنّ الوحدة فوق أي اعتبار وأي شخص.
وهذا النهج هو نهج اسلامي
عميق، وهو قديم، فقد قال تعالى عن نزاع يكون بين طرفين مسلمين: ( وَإِن
طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن
بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ
إِلَى أَمْرِ اللَّهِ )، فوصف المتقاتلين بأنهم مؤمنون، فالنزاع الدنيوي لا يجوز
ان يعطي بعدا دينيا لرفع شخص او جهة او تسقيط شخص او جهة.
كما قال النبيّ (ص) عن سبطه
وريحانته الحسن وهو سيّد شباب أهل الجنّة: إنّ ابني هذا سيّد، ولعلّ الله أن يصلح
به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.
وبالتأكيد لم يقصد النبيّ (ص)
أن يساوي بين الطرفين من حيث صحة الموقف وشرعيّته، ولو ذلك كذلك لما أمكن أن يكون
هناك نزاع بين اثنين من أهل القبلة بحيث يكون أحدهما ظالما والآخر مظلموما، وهو
مخالف للبداهة والوجدان.
يمكن أن نتنازع ويمكن أن
نختلف، لكن قطعا لا يجوز أن نستعمل سلاح الإقصاء الديني المعبّر عنه بالتكفير أو
التبديع، ونحو ذلك.
0 تعليقات