ثلاثي الأمن
القومي فى القدس
مشهد اجتماع مستشاري الأمن القومي لكل من أمريكا
وروسيا وإسرائيل بالقدس طرح العديد من علامات التعجب لدى المواطن العربي، والعديد
من علامات الاستفهام لدى المهتمين بمتابعة الأوضاع السياسية فى الشرق الأوسط بعد
أن أكد الثلاثة ضرورة دعم استقرار اسرائيل!!
وحقيقة الأمر تدير روسيا علاقاتها الآن مع إيران بنفس
الشكل التى كانت تدير فيه الولايات المتحدة علاقاتها بتركيا بعهد باراك أوباما،
وكي تتضح الصورة أكثر لكم تذكروا كيف جاء تعقيب موسكو على قرار إيران بتقليل
التزامها بالاتفاق النووي، فبالساعة الأولى أيدت روسيا طهران بوضوح فى قرارها،
وبعد 48 ساعة صرح وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف واصفا قرار إيران بـ الخطوة
الغير مستوعبة، وبعدها بـ 48 ساعة أخرى وخلال لقائه بنظيره الإيراني جواد ظريف قال
"إن الولايات المتحدة هي من دفعت إيران لتلك الخطوة"!!
وهنا يتجلى أن روسيا تحاول الحفاظ على تصعيد التوتر
بين إيران وأمريكا من جانب، وفى نفس الوقت الاستفادة من زيادة العقوبات الاقتصادية
على إيران للتمدد على حسابها فى نقطة تواجد روسيا الوحيدة بالشرق الأوسط ألا وهي
سوريا.
وفى ظل استغلال روسيا التوتر بين طهران وواشنطن كانت
تفتح جبهة أخرى تمس الأمن القومي الأمريكي بشكل مباشر، عندما تم إرسال مقاتلات
جوية روسية إلى مطارات فنزويلا، وكأننا نرى مشهد أزمة صواريخ كوبا أو أزمة خليج
الخنازير 1962م مجددا.
فسوريا التى جمعت إيران وروسيا معا بمصالح مشتركة وأهداف
متقاربة، اليوم هي نفسها باتت سبب الخلاف الرئيسي بينهم، بعد أن رغبت إيران فى
الاستئثار بالقرار السوري، معللة ذلك بما قدمته برفقة حزب الله من تضحيات مادية
وبشرية ضخمة (وهذه حقيقة) ونفس الأمر بالنسبة لروسيا التى كلفتها الحرب فى سوريا
تكاليف باهظة، فهي لا تريد أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد مرجعيته الأولى هي
طهران، وبشار الأسد نفسه لا يريد زيادة التمدد الإيراني داخل بلاده أكثر من ذلك،
ولكن الأسد فى حيرة شديدة فهو لم يحرر كامل أراضيه، ومازالت التحديات حاضرة،
والأهم أن البيت الداخلي السوري نفسه يكاد يكون منقسم بسبب إلى أي كفة يميل موسكو
أم طهران، وهو الأمر الواضح بين بشار الأسد الذى يميل لروسيا أكثر على عكس شقيقه
اللواء ماهر الأسد (رابع أبناء حافظ الأسد) الذى يميل لكفة إيران مطلقا وكليا.
ويبقى الرابح الأكبر من مشهد حضور مستشاري الأمن
القومي لكلا من القطبين الكبار أمريكا وروسيا بصحبة نظيرهم الإسرائيلي بالتزامن مع
ذكرى حرب الأيام الستة وفى القدس المحتلة وليس بتل أبيب هو نتنياهو الذي دائما ما
يستغل الصورة ويجيد صناعة انجازاته عبر الصورة، بعد أن قالت إسرائيل مجددا إنها
دولة فاعلة، ولن يمر شئ بالجوار إلا بموافقتها، وهو ما يؤكده الميدان السوري للأسف
فى ظل استمرار الضربات الجوية الإسرائيلية لأهداف عسكرية سورية أو لقوات موالية
لها تحت صمت روسي، وهو مشهد يقول أيضا إن بوتين مازال لم يفكر في أي دولة عربية كي
تكون حجر الزاوية فى إستراتيجية بلاده تجاه الشرق الأوسط، أو أنه قد يرى العرب غير
مؤهلين لذلك، فبعد الاعتماد الكلي على إيران وتركيا والتلاعب بهم فى نفس الوقت،
تأتى إسرائيل بأهمية خاصة لدى روسيا فى الشرق الأوسط، فما جاء حضور مستشار الأمن
القومي الروسي لتل أبيب إلا لمعرفة رد إسرائيل تجاه إعادة إعمار سوريا، ومستقبل
الجولان، وصفقة القرن، والأهم لدى إسرائيل ألا وهو آخر الخطوط الحمراء المسموحة
لإيران فى سوريا.
وهنا ستضع روسيا تحجيم نفوذ إيران فى سوريا مقابل
الموافقة على تنفيذ إعادة إعمار سوريا بتمويل أمريكي خليجي بعد اعترافهم بشرعية
بشار الأسد.
0 تعليقات