حرب داخل الدولة
د. محمد ابراهيم بسيوني
وضع رجال الاستخبارات وأساتذة
العلوم الإستراتيجية فى الولايات المتحدة الأمريكية والغرب أساسا قويا لما نطلق
عليه الآن حروب الجيل الرابع بعد أن قلت في العالم فكرة الحروب التقليدية التى
تعتمد على المواجهة العسكرية المباشرة بين الجيوش والتى تكلف أموالا باهظة وتسقط الآلاف
من القتلى حتى فى الجانب المنتصر وتزيد من استعداء شعبها وإعادة فكرة دولة
الاستعمار والاحتلال المنبوذة عالمياً منذ عقود فكانت فكرة حروب الجيل الرابع التي
تقوم علي استهداف دولة ويتم التخطيط لإسقاطها عن طريق إفشال الدولة المستهدفة
وتدميرها باستخدام جماعات من داخل الدولة نفسها يقومون بزعزعة استقرار البلد ونشر
الفساد وإنهاك قواها الداخلية. إنها الحروب الحديثة التى تعتمد فى أسلوبها على
تآكل إرادة الدولة ببطء وبثبات من أجل اكتساب النفوذ وإرغامها على تنفيذ إرادة
أعدائها فى النهاية أو السقوط فى تبعية فكرية واقتصادية دائمة.
والهدف من هذه الحرب ليس تحطيم مؤسسة عسكرية ولا
القضاء على قدرة أمة بل الهدف هو الإنهاك والتآكل ببطء ولكن بثبات حتى ترغم العدو
على تنفيذ أجندات وأفكار المعتدى بكل سهولة، وإذا فعلت هذا بطريقة جيدة ولمدة
كافية باستخدام مواطني دولة العدو أنفسهم فسيسقط عدوك ميتاً من تلقاء نفسه. أذا
وفى اغلب الأحوال ليس المطلوب في هذا الجيل من الحرب إسقاط الدولة العدو أو اختفاؤها
مثلما ساد فى الماضى بل أصبح المطلوب أن تظل موجودة بكامل مواردها وقدراتها ولكن
يجرى اختطافها عن طريق التحكم الفكري والسياسي بنظام الحكم والسيطرة عليه كاملاً
بحيث تصدر القرارات والسياسات لا لتعبر عن إرادة الشعب بل لتعبر عن إرادة الدولة
المعتدية وأهدافها المعلنة والخفية وإخضاع الدولة المستهدفة للسيطرة الكاملة.
تجري زعزعة الاستقرار فى الدول المستهدفة بوسائل
بسيطة وسلمية إلى حد ما تعتمد على الفكر والشحن الاعلامى وضرب العقائد الثابتة
والمستقرة لدى ابناء الدولة كما انك قد تصل الى أقصى درجات العبقرية اذا استطعت ان
تنفذ مخططاتك تلك بأيدي مواطنون من الدولة نفسها.
الأهم ان تصل الى الهدف المنشود والقاسم المشترك
فى كل حروب هذا الجيل وهو زعزعة الاستقرار وإفقاد سكان تلك الدول للثقة فى أنفسهم
وقدراتهم وتحويلهم الى مواطنون ضعفاء مهزومين ذاتيا من الداخل دون الحاجة الى إطلاق
رصاصة واحدة.
كل هذا يؤدى ان أحسنت استخدام
هذه الأساليب الشيطانية الى انهيار الدولة الوطنية وتفكُك مؤسساتها الى جانب تدمير
النظام السياسي للدولة وزعزعة تماسكها الاجتماعي، وقد يتم ذلك عن طريق إيجاد أماكن
داخل حدود الدولة لا سيادة لهذه الدولة عليها عن طريق دعم مجموعات محاربة وعنيفة
للسيطرة على هذه الأماكن ليبدأ أخراج جزء من هذه الدولة عن السيطرة فيصبح خارج
سيادتها بهدف الوصول إلى ما يطلق عليه إقليم غير محكوم أو بالأحرى إقليم محكوم من
قبل قوى أخرى خارج الدولة وينتهى الأمر إلى تحويل الدولة إلى دولة فاشلة يستطيع
أعداؤها التدخل والتحكم فيها عن بعد بمنتهى البساطة وبأقل التكاليف ودون ان تظهر
فى الصورة مطلقاً.
حروب الجيل الرابع هى مواجهات
فى الأغلب تتم بين جيوش منظمة فى مواجهة مجموعات إرهابية مسلحة تعتنق فكرا دينيا
او أيدلوجيا او سياسيا مخالفا ومضادا لفكر الدولة. انها حروب ثقافات أكثر منها
حروب جيوش هدفها تدمير العقل والإرادة ويصعب التفريق فيها بين الجندى والمدنى.
حروب لا تحتاج للكثير من التمويل ولا العتاد. ادواتها نفسية قبل ان تكون عسكرية
وسلاحها الاساسى هو المعلومات ولكنها أكثر فتكاً من الحروب العسكرية واهم أسلحتها
هو الإعلام ووسائل الاتصال التكنولوجي ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها والتى يؤدى
استخدامها بشكل احترافي استخباراتي كما شاهدنا جيدا فى السنوات السبع الماضية الى
تفتيت الأمة من الداخل فالجيش قد ينقسم علي نفسه والشرطة والقضاء ربما يقعان فى
مواجهة الشعب ليصبج الجميع ضد بعضه وتحدث عملية شرذمة للمجتمع واقتتال داخلي يؤدى
فى النهاية الى ان تنهار الأمة من الداخل، ويستخدم في هذه الحروب ما يعرف بحرب المعلومات
والحرب النفسية وجال الاستخبارات المدربين والهاكرز الإليكترونين وأعمال التجسس
وزرع العملاء داخل أركان المجتمع ومؤسساته إلي أن يتكون مناخ عدائي بين أطراف
الأمة ونسيجها الوطني ويبدأ الصراع الداخلي اللعين.
فى النهاية وان كنا نعترف
باننا واقعين لا محالة فى الماضى والحاضر والمستقبل تحت طائلة هذه الحروب اللعينة
فان هذا يتطلب منا المزيد من الوعى والفكر المستنير لمواجهة هؤلاء المقاتلين الجدد
الذين يعيشون بيننا ونقابلهم بابتسامة فى الطرقات ونتعامل معهم بيعاً وشراءاً
ونسباً دون ان ندرى انهم يقتلون مستقبل هذه الأمة بنشر الأفكار الخبيثة وزعزعة
استقرار الأمة وتصدير المشكلات إعلاميا وعلى الفضاء الاليكتروني والإيحاء بأن
الدولة منهارة من العمق تمهيدا لكسر عزيمة المصريين والقضاء على هذا الهرمون
الوطنى العبقرى الذى ينشط فى الأزمات والحروب ليرى العالم ما لم يتوقعه دائما،
فحتى وان تأزمت الظروف الاقتصادية وساءت مستويات المعيشة بفعل سنوات وعقود من
التردى والتبعية والارتخاء فلا بديل أمامنا سوى التماسك والاصطفاف والثقة فى
مؤسسات الوطن وجيشه العظيم ووضع معايير فاصلة للتمييز بين الأصيل والدخيل لنعبر
بهذا الوطن المستهدف دائما من أعداؤه الى بر الأمان أو على الأقل ان نقلل من خطورة
اثار هذه الحروب الشرسة الموجهة الى صدورنا جميعا. حفظ الله مصر. حفظ الله الوطن.
عميد طب المنيا السابق
0 تعليقات