مصر فى نصف قرن
د. محمد إبراهيم بسيوني
تجربةَ مصر في الخمسينات
والستينات والسبعينات بحاجةٍ لنقدٍ ذاتي.
رغمَ الشعبيةِ الواسعةِ لحقبةِ وقيادةِ
الخمسيناتِ والستيناتِ والسبعينات، إلا أنني على يقـينٍ أنَ تقـــدمَ هذا الوطن
ونمو عوامل ازدهارِهِ واستقرارِهِ ستجعلُ الكثـيرينَ من أبـــناءِهِ يُدركون أنه
من غير العلمِ والمنطق والحكمة عدمُ مراجعةِ وتقييمِ هذهِ الحقبةِ وممارسةِ نقدٍ
ذاتي عقلاني غير منطلقٍ من التَشَيُعِ الوِجداني والتَحَزُبِ السياسي بما يسمحُ
برَصدِ الإيجابياتِ كما يَسمحُ برصدِ الأخطاءِ والسلبياتِ. فمن غيرِ المعقولِ أن
يستمرَ الكثيرونَ في واقعِنا في الدفاعُ عن الذينَ تسببوا خلالَ الخمسيناتِ
والستيناتِ في العـديدِ من النكباتِ وعلى رأسِها نكبةُ الخامسِ من يونــيو ١٩٦٧.
كذلكَ، فإنهُ من غيرِ المنطقي
أن تمنعَنا مشاعرُ الإعجابِ والوجدانياتِ من الوقوفِ علي الظواهرِ والقراراتِ التي
إتُخِذَت إبّانَ حقبة السبعينات خصوصا بعد ما سمي بالانفتاح الاقتصادي وأدت إلي ما
طَرَأَ علي واقعِنا من انهيارٍ في التعـليمِ والأخلاقِ والثقافةِ والاقتصادِ
والعديدِ من معالمِ مُجتمعِنا وهو ما كان نتيجةً طبيعية لنظامٍ كانَ ضيقَ الصدرِ
بالنقــدِ كما أنهُ وأَدَ تِلكَ الآليةَ اللازمةَ لأي تطــويرٍ وتقدمٍ وهي آليةُ
النقدِ الذاتي. وإذا كانَ البعضُ يدين حِقبةَ الخمسينات والستينات لصالحِ ما قبل
يوليو ١٩٥٢، فإنني لستُ واحداً من هؤلاء، فما قبل يوليو ١٩٥٢ لم ينجح في تجاوزِ
الواقعِ المؤلمِ والذي تمثلَ في طبقةٍ عليا صغيرة جداً ثم طبقةٍ وسطي صغيرة ثم
طبقاتٍ دُنيا تشملُ الأغلبيةَ من الشعبِ المصري في ظلِ ظروفٍ حياتيةٍ لا يمكنُ
قَبولُها أو غُفرانِ ذنبِ من سَمَحَ بإستشرائها. كذلك، فإنني لا أدينُ الخمسينات
والستينات لصالحِ العهدِ الساداتي كما يفعلُ البعض، فأنا أعتقدُ أن السادات كان
قائداً ذا رؤية صائبة في الشئونِ الخارجية وأن قرارَ حرب أكتوبر ١٩٧٣، ثم قرار الانتقال
بالصراعِ لمائدةِ المفاوضاتِ وهو ما أدي لعودةِ كل الأراضي المصريةِ المحتلةِ كانا
قرارينِ علي أعلي مستوي من النجاحِ.
ولكنني أري أيضاً أنَ إدارتَهُ
لاتفاقية السلام وللشئونِ الداخليةِ كانت أبعدُ ما تكونُ عن الصوابِ، وأن فِهمَهُ
للتحولِ من الاقتصاد الموجهِ للاقتصاد الحُرِ وآليةِ ذلكَ كانَ فهماً بسيطاً
وخاطئاً. والخلاصةُ، أننا بدونِ تحررٍ من الارتباط العاطفي بحقبةِ الخمسيناتِ
والستيناتِ والسبعينات وسنبقي عاجزينَ عن ممارسةِ عمليةِ نقدٍ ذاتي تُظهِرُ لنا
كمَ وحجمَ الأخطاءِ التي إقتُرِفَت إبّانَ هذهِ الحقبةِ وكانت وراءَ العديدِ من
مشكلاتِنا الكُبري لسنواتٍ عديدةٍ. وينطبقُ نفسُ القولِ علي أيٍّ عهدٍ سياسي حتي
عهد الرئيس حسني مبارك والرئيس السيسي، إذ أنَ عمليةَ تقييمهِ تصبحُ مدموغةً
بالخطأِ من بدايتِها طالما شابَ التفكيرُ حماسٌ وتعاطفٌ وجداني. فالهوى في اللغةِ
كلمةٌ رائعة لأنها تفيدُ العاطفةَ كما تفيدُ السقوطَ.
عميد طب المنيا السابق
0 تعليقات