الهوية ودرس
الأخلاق
د. محمد ابراهيم بسيوني
الأخلاق هي الدافع والضابط لكل منتج وعمل ايجابي سواء
على الصعيد الشخصي أو الجماعي. الوضع المعيشي المتردي للمواطن المصري سيؤدي حتماً
بصاحبه الى وضع فكري متردي لأن أولويات وهموم ذاك المواطن ستكون في تأمين لقمة
عيشه وسد رمق أسرته وستصبح المنظومة الأخلاقية في خبر كان وتحصيل حاصل وأمر ثانوي
ترفيهي وهذا بدوره سيساهم في تكريس وظهور مفاهيم مشوهة وسلبية كالنفاق والتزييف
والتزوير والسرقة بأشكال أكثر احترافية والاحتيال بكافة صنوفه وكل هذا وذاك من أجل
تحقيق النتيجة او المبدأ الفوضوي، دبر نفسك، أي انا ومن بعدي الطوفان.
سياسة الحكومات من الناحية الاجتماعية والإعلامية
وحتى الفكرية كانت ومازالت لها السبق في تردي وضع المواطن المصري الأخلاقي
والفكري، فهي بدعمها لطبقة رجال الأعمال والدين والفنانين والذين قاموا بدور سلبي
وبتحالف مع رجالات السلطة السياسية في احتواء وامتصاص كل مطلب جماهيري محقة تنبع
من تعبير عن استياء للوضع المزري والمخزي. هذا إضافة الى ممارسات بعض رجال الأعمال
والإعلام والفن والدين وتجارتهم في تشويه صورة المفاهيم الأخلاقية بأكملها.
على مدى عقود تم تشويه الوعاء الأدبي الأخلاقي بشكل
ممنهج أو غير ممنهج فأصبح الشخص الذكي والناجح بالمقاييس الحالية هو المنافق وصاحب
الثروة والمتملق الذي يغير مبادئه ويوظف أخلاقه وإمكاناته الأدبية في تلميع صورة
السلطة ورجالاتها وتجارها في سبيل اقتتات عظمة من هنا أو هناك ويتناولها بكل شراهة
ومن دون أدنى حس أخلاقي وأصبح مثالاً للشخص الموهوب الحر بوق الذي يحاضر بالأخلاق
والشرف وغيرها من الأدبيات وبكل وقاحة وعنجهية.
إن مقولة أن ليس بالإمكان أفضل مما كان هي من نتائج
تلك الإرهاصات والانتكاسات والعوامل والأسباب المشوهة والسلبية التي ابتلينا بها.
لابد لنا من لحظة وقوف مع الذات لاستشعار الكم الهائل من القرف والاشمئزاز والانحطاط
والانكسار الذي نعيش فيه. لابد من البحث عن الحقيقة المختبأة في ذلك السواد، لابد
من البحث عن العطاء والإبداع والخَلق والابتكار والتميز. قد آنَ لنا أن نتوقف عن
تكرار أنفسنا وأجيالنا عبر سلالات ونسخ مشوهة ومتشابهة وعقيمة التفكير والإبداع.
صحيح المعركة غير متكافئة الأن بين الأطراف المتصارعة أي بين الجمال والرقي والسمو
والفكر الخلّاق والإبداع والخيال وبين الانحطاط والسلبية والدونية والتردي
والبشاعة والخزي لكن دائماً هنالك فسحة أمل علينا البحث عنها في مكان ما،
فبإمكاننا البدء من الأجيال الصغيرة الصاعدة فهم أدوات التغيير نحو الإبداع والانفتاح
والخًلق، إن الأخلاق كانت ومازالت هي البوصلة والموجّه والضابط للعمل والنشاط
الإنساني بشقيه الخاص والعام لذلك لابد من فرض مادة الأخلاق وتشريعها وتدريسها في
المناهج الدراسية ومنذ الأعوام الأولى لسنوات الدراسة وذلك مع مادة التربية
الدينية بكافة أشكالها.
والاهتمام والعمل على تفعيل دور الإعلام وبشكل سبّاق
واستثنائي لدفع وتوجيه المزاج والذوق العام للاهتمام بالثقافة والهواية والتشجيع
على ممارسة نشاطات جماعية وايجابية كالفنون بكافة أشكالها وصنوفها لتخلق روح التحدي
والإبداع والخيال وتفجر الطاقات الكامنة في العقول الدفينة وذلك بمساعدة المنظمات
الأهلية والمدنية وكافة السلطات المحلية والفردية وعلى كافة الأصعدة حتى تعود
الأمور الى نصابها وحتى نبتعد قدر الإمكان عن طبيعتنا الغرائزية لنتحول ونقترب قدر
الإمكان من إنسانيتنا المستلبة والمفقودة بكل وقاحة وعنجهية.
عميد طب المنيا السابق
0 تعليقات