مخدرات في مدينتي
ثامر الحجامي
أعيش في
مدينة نائية، يكاد يكون سكانها المائة ألف من عائلة واحدة، بسبب الارتباطات
العشائرية المتداخلة والعلاقات الاجتماعية المتوارثة من الأجداد الى الأبناء، وأن
كل ما يجمع سكان هذه المدينة سوق صغير لا تدخله النساء! ومجموعة مقاه على جنبات
الشارع الذي يقسمها إلى نصفين.
كان من
الغريب أن تشاهد في هذه المدينة تصرفات خارجة عن المألوف، فالمعلم ابن المحلة
سيلتقي بوالدك عصرا ليخبره بأدق التفاصيل عنك في المدرسة، وإذا غاب والدك بإمكان
والدتك أن تنادي على جارهم ليقصم ظهرك حين ترتكب تصرفا يغضبها، وعند مغيب الشمس
لابد من العودة للبيت والتهيؤ ليوم غد، فلا وجود للكوفي شوب وتدخين الأركيلة، ولا
جلوس في النوادي الليلة وتناول المشروبات الكحولية، ولا خروج للشوارع وركوب
السيارات المكشوفة أو الدراجات النارية.
على حين غرة؛
ضربت هذه المدينة عاصفة هوجاء! وتبدلت أحوالها، وتغيرت طباع أهلها، وما كان محرما
أصبح مباحا، وما كان مكروها أصبح مستحبا، وضاع الإرث التاريخي لها وتغيرت تسميات
أبرز معالمها، فمقهى حجي علي الذي كان يجتمع فيه كبار المدينة أصبح "كوفي شوب
الأمراء" ومحل حلاقة "سلمان " تحول الى صالون " المدينة"
لحلاقة وتجميل الرجال وبيع الخلطات لتنظيف وتبيض البشرة! ومن كان يخاف أن يتناول
شراب " الدكسون " أو حبة " الفاليوم " صار يتناول المشروبات
الكحولية ويسير مترنحا في الشوارع دون خوف أو خجل.
ظواهر غريبة
بدأت تظهر في تلك المدينة الصغيرة، فالحبوب المخدرة أخذت تنتشر في صفوف الشباب
بطريقة مخيفة، وصار كثير يتفاخر باقتناء الأنواع الغالية منها، ولا أحد يعاني من
الحصول عليها كونها متوفرة بكل يسر وسهولة، واستخدمت وسائل كثيرة لغسل دماغ الشباب
واستغلال الإحباط الذي يعانون منه، بسبب الظروف الاقتصادية، وألاعيب مروجي
المخدرات التي تسهل الحصول عليها، وجعلها الحل لما يعانيه الشباب من مشاكل اجتماعية
واضطرابات نفسية، فتغيرت طباع الشباب وتصرفاتهم، وبرزت مشاكل كثيرة، أبرزها انتشار
الجريمة والسرقة.
كان " أبو
حافظ " الشرطي الوحيد المسؤول عن حفظ النظام في المدينة، فهو يعاقب
المتجاوزين على أملاك البلدية والأرصفة، ويهابه جميع أصحاب المركبات فلا يخالف
منهم أحدا، وهو المسؤول عن أوامر القبض بحق من أرتكب جرما أو مخالفة، فما أن يخرج "
أبو حافظ " من مركز الشرطة واضعا عصى التبختر تحت إبطه حتى يستتب الأمن في
ربوع المدينة، عكس فوج الشرطة الآن الذي يملأ الشوارع دون أن يكون قادرا على بسط الأمن، فضلا عن
محاسبة المجرمين ومروجي المخدرات، والضعف الواضح في تطبيق القانون.
يضاف الى ضعف
أداء الأجهزة الأمنية، الضعف الواضح في عدم كفاية الأحكام والقوانين التي تردع
تجار المخدرات، وأحكام العفو المتكررة عن التجار للهروب من العقاب، بل إن هناك
علاقة قوية بين بعض تجار المخدرات ومتنفذين في الدولة، يسهلون عملهم وترويج
بضاعتهم، وضعف الأداء الحكومي في معالجة مشاكل المتعاطين، وعدم إيجاد الحلول لوقف انتشارها
وغياب المراكز التأهيلية لمعالجة المدمنين، وعدم وجود وسائل التثقفيف والتوعية
للتعربف بمخاطر المخدرات.
يمثل انتشار
المخدرات في صفوف المجتمع العراقي أزمة حقيقية، لا تختلف أبدا عن الأزمات السياسية
والأمنية التي تعرضت لها البلاد، وجلس الجميع وتوحدت الصفوف من أجل القضاء عليها،
لذلك لا بد أن تتوحد الجهود الحكومية والاجتماعية ابتداء من الأسرة والمدرسة
والإعلام، من أجل الوقوف ضد الإرهاب الجديد وإنقاذ المجتمع من خطره.
0 تعليقات