أبطال منسيين..
مصطفى البشتيلى
سامح جمال
الحاج مصطفى البشتيلى الزيات،
رجل دفع حياته ثمنًا للمقاومة ضد الاحتلال الفرنسى، المؤسف أن كتب التاريخ لم تهتم
بسيرته إلا فى سطور قليلة، وصفته فيها بأنه تاجر من أعيان بولاق قتل فى ثورة
القاهرة الثانية بأيدى العامة، لكن هذه الرؤية المشوهة التى تراعى نظرة كليبر أكثر
مما تراعى الواقع، لم تجد من يصححها، ويعيد إلى الرجل الثائر حقه.
البشتيلى جاء إلى القاهرة من
إحدى قرى الجيزة «بشتيل» وحمل اسمها، وعمل فى التجارة حتى صار صاحب وكالة زيوت
كبيرة، وساعدته أمانته وسمعته الطيبة على أن يصبح شاهبندر تجار بولاق، لم يهادن
الاحتلال الفرنسى، ويفكر فى مصالحه التجارية وفقط، بل رفض الظلم والمغارم، وشارك
فى تنظيم شعبى للجهاد ضد الاحتلال.
ولأن كل مجتمع لا يخلو من خونة
وجواسيس ومتعاملين مع أعداء الوطن، تسربت أنباء للفرنسيين عن دور البشتيلى فى
المقاومة فى أعقاب ثورة القاهرة الأولى، ووصلت إلى نابليون معلومات تؤكد أن التاجر
الكبير يخفى فى مخازن وكالته كثيرًا من البارود والسلاح وعتاد الحرب.
تحركت قوة فرنسية نحو بولاق،
وداهمت وكالة البشتيلى، وفتشت كل شبر من ممتلكاته حتى عثروا على عدة قدور مملوءة
بالبارود، وبعض الأسلحة، فقبضوا عليه، وحبسوه فى بيت قائمقام، ثم نقلوه إلى القلعة.
اختفت أخبار البشتيلى من كتب
التاريخ، ولم نعرف مصيره، حتى غادر نابليون القاهرة، وحل محله كليبر، وفجأة ظهر
البشتيلى خارج القلعة، وأشارت بعض الكتب إلى دوره الكبير فى الثورة الثانية، دون
أن نعرف كيف خرج من سجن القلعة، لأن سيرته مبتسَرَة وغير موثقة، وتحتاج إلى مزيد
من البحث.
ما يهمنا أن السجن لم يضعف
عزيمة الرجل، فقد ظل على عدائه للفرنسيين، وكان فى طليعة ثوار القاهرة، والمسؤول
الميدانى عن المقاومة فى حى بولاق العريق، وهى المقاومة التى أجبرت كليبر على سحب
قواته من بولاق وحصارها من الخارج، والإلحاح فى طلب الصلح وإنهاء الثورة، لكن
إلحاحه كان يقابَل دائما بالرفض، وفهم كليبر أن البشتيلى هو الذى يمنع إتمام الصلح.
وتأكد كليبر من ذلك عن طريق
وشاية من عثمان كتخدا الذى كلفه ذات مرة بالوساطة وطلب الصلح، فرد عليه البشتيلى
برسالة مكتوبة فيها: إن الكلب (يقصد كليبر) دعانا للصلح فأبينا، فلا تحرج نفسك
بطلب هذا الأمر.
سلّم كتخدا الرسالة إلى القائد
الفرنسى، لينهى لديه آخر أمل فى احتواء المقاومة بهذه الحيلة، وهنا قرر أن يقمع
الثورة بأى طريقة وأى ثمن، فأحرق الحى بكامله، ومع ذلك لم يتمكن من البشتيلى
بالقتل أو الاعتقال.
غضب كليبر وطلب القبض على
البشتيلى بأى طريقة، كان يريد الانتقام منه شر انتقام، واستعانت القوات بالعملاء
وعيون الطابور الخامس، وتم اعتقال العشرات من أقارب البشتيلى ومعارفه والعاملين فى
وكالته والمشاركين فى الثورة، حتى تم القبض على التاجر المقاوم الذى تعرض لأيام من
التعذيب والتجويع، ورغم أن كليبر حصل على اعترافات من المدسوسين والضعفاء فى صفوف
البشتيلى، فإنه لم يفكر فى إعدامه كما فعل نابليون مع محمد كريم، كان يريد أن
يهينه، ويقضى على بطولته قبل أن ينهى حياته، ولم يجد أبشع من قتله بيد عوام
المصريين وسط حى بولاق، فجاء بمجموعة من أنصار البشتيلى ضعاف النفوس، ووعدهم بالعفو،
إذا أخذوه وطافوا به البلد،وقاموا بتجريس مصطفى البشتيلي.
والتجريس عقوبة قديمة يتم فيها
إجلاس الشخص المعاقب على الحمار بالمقلوب ثم يطوف بالشوارع فيبصق الناس على وجهه
ويصفعونه ويشتمونه. قام بعض المصريون بتجريس زعيمهم مصطفى البشتيلي وفي النهاية
انهالوا عليه ضربا بالنبابيت حتى قتلوه. !!
0 تعليقات