آخر الأخبار

الدولة المدنية



الدولة المدنية




د. محمد إبراهيم بسيوني


الدولة الكهنوتية هي نوع من الدول يحكمها رجال الدين المُسيسون، أيا كان هذا الدين؛ ليس لأن شرعيتهم أتت من توافق الشعب عليهم، وإنما لأنهم يدّعون أنهم وكلاء لله على الأرض، وبالتالي فكل من اعترض على سلطتهم، أو سطوتهم، أو اختلف معهم في شأن من شؤون الحياة وليس الدين، فهو يختلف مع الله جلَّ شأنه.
فصل الدين عن السياسة يعني كف يد رجال الدين عن السيطرة باسم الدين على أجهزة الدولة. فإذا سيطر الكهنوت، من أي دين كان، على السياسية، أصبحت مطية لهم يستعملونها كيفما يشاؤون دون حسيب خدمة لأنفسهم المادية الأمارة بالسوء، لا من أجل خدمة الله الذي لا يحتاج لخدمة أحد.
الدين هو علاقة خاصة بين العبد والمعبود تعالى ولا طرف ثالث بينهما. في الإسلام، الدين كله لله لا للدولة ولا لأحد آخر. وتسييس الدين يؤدي بطريقة حتمية إلى «دولة الكهنوت»، أي النظام الثيوقراطي، وهو الدولة الدينية التي تمنح صكوك الغفران للبعض وتكفِّر البعض الآخر قبل يوم الساعة، حيث الحكم لله وحده. دولة الكهنوت هي أشنع أشكال الدكتاتورية بلا منازع. فمن عارض فسادها عومل كأنه يعارض الله تعالى، ويصبح الحكم عليه بالإعدام أمراً روتينياً. لهذا حرم القرآن إقامة «دولة الكهنوت» بالمطلق عندما حرم أي شكل من الكهنوت في الدين الإسلامي وترك الحساب بموضوع الكفر والإيمان إلى يوم الحساب، حيث الخالق وحده هو القاضي والمحاسب الوحيد. «عليك البلاغ وعلينا الحساب» هو البرهان القرآني على هذه الحقيقة.


عندما كانت أوروبا محكومة من خلال «دولة الكهنوت»، وجدناها في بؤرة الجهل والتعاسة. المدارس العلمية العربية في الأندلس والقاهرة ودمشق وبغداد، استقبلت العديد من الأوروبيين، مما أدى إلى عصر النهضة عندهم، فتبدلت عقولهم بالعلم. أعطينا، نحن العرب المسلمين، أوروبا حضارتها ونهضتها، وذهبنا إلى النوم في غفوة تركية لمدة 500 عام، وما زلنا نعاني من غفوتنا إلى الآن. تخلى الغربيون عن الكهنوت والفساد الديني الذي لا علاقة له بالدين المسيحي القويم، واتخذوا من الدولة العربية المدنية الديمقراطية السياسية مثالاً لهم.


لقد اتخذ الغرب مثال «البيعة الحرة»، أي الانتخاب المدني، أداةً للحكم، كما شرعها النبي صلى الله عليه وسلم، والذي لم يدع لأية سلطة دينية بتاتاً، كما يدعي البعض في حكمهم بعض البلدان المسلمة، وكما تدعي أيضاً القاعدة وداعش ومن لف لفهما من حركات الإسلام السياسي. نحن العرب المسلمين، يجب علينا ان نقلد دولة الرسول، المدنية السياسية، كما قلدها الغرب وبلغ أوج النهضة المدنية التي كان يمثلها المسلمون منذ ألف سنة. لقد أخذ الغرب ديمقراطيته من نظام البيعة المدني في الإسلام الذي حرم الكهنوت تحريماً مطلقاً. وبالرغم من هذا التحريم المطلق، ما زال البعض منا يريد إقامة دولة دينية إسلامية يسيطر عليها دكتاتور يدعي العصمة من الخطأ.

ومعلوم أن تسييس الدين الإسلامي بدأه «الخوارج» الذين كفروا غيرهم واحتكروا التقوى لأنفسهم فحسب. هذا التدين التكفيري جذب ضعاف النفوس، وبالتالي تجند كل من كان «في قلبه مرض» للقتل من دون رحمة باسم أرحم الراحمين.


عميد طب المنيا السابق


إرسال تعليق

0 تعليقات