بلال بن رباح ( المظلوم)
بقلم / محمود جابر
ويل بنى أمية مما فعلوا،
وويلهم مما حذر منه النبى، فى أنهم سنوا السنن السيئة، وأحيوا كل بدعة ميتة، وطالت
أيديهم كل مؤمن ومؤمنة، وكل صالح وصالحة، وكل جميل وحسن قلبوه قبيحا، وكل مشهور
ومنير أرادوا إطفائه وإظلامه، إلا أن أنوار الحقيقة اكتسبت صفتها من الله تعالى
فهى تأبى الأفول والإظلام والانطفاء....
وها نحن اليوم أمام صحابي جليل
عظيم القدر بحبه للإسلام ، وللنبي، وحفاظه على الوصية والوصي ... فكان مصيره أن
عبث بترجمته فى كتب الرجال والسير، عند السنة والشيعة سواء ...
وللحقيقة فإننا فى بلد كمصر
أهلها لهم بوصلة خاصة فى اكتشاف مكنون الصحابة وخلص آل محمد فما يتحدث متحدث فى
مجلس علم، أو جلست مسامرة إلا وقد وضع لقب " سيدنا " فلان " قبل
ذكر الصحابي أو التابعي أو أحد أئمة العلم ....
وحديثنا اليوم عن الصحابي
الجليل ... " بلال بن رباح" مؤذن الرسول صلى الله عليه وآله ...
وقبل أن ندخل إلى ترجمته نطرح
السؤال الذى يتبادر إلى ذهن القارئ : ما هو الظلم الذى وقع على بلال ؟
- هل بلال هو ابن رباح ام ابن
حمامة ؟
- لم لم يكن بلال بن ياسر؟
- أين توارى بلال ومات ولما ؟
- لماذا نعت بابن السوداء ؟
- الاختلاف فى ولاءه لآل البيت
من عدمه ؟
- الاختلاف فى معاينة زواجه من
عدمه ؟
- الاختلاف فى وجود نسل له
وعقب له ؟
- الاضطراب فى سنة وفاته ومكان
وفاته ؟
- الاضطراب والاختلاف فى كل
سيرته وترجمته كان هو سيد الموقف فى سيرة " مؤذن الرسول " ... وصاحب
الرحى لفاطمة ع؟
فى البداية نورد حديث الإمام
الصادق ع قال : " رحم الله بلالاً فإنه كان يحبنا أهل " ...
البيت..المفيد ، الاختصاص ...
وجاءت روايات كثيرة لحبه
وخدمته لأهل البيت ع منها: بينما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والناس في
المسجد ينتظرون بلالاً أن يأتي فيؤذن إذ أتى بعد زمان، فقال له النبي صلى الله
عليه وآله وسلم: ما حبسك يا بلال؟، فقال: إني اجتزت بفاطمة عليها السلام وهي تطحن
واضعة ابنها الحسن عند الرحى وهي تبكي، فقلت لها: أيما أحب إليك: إن شئت كفيتك
ابنك، وإن شئت كفيتك الرحى؟ فقالت: أنا أرفق بابني، فأخذت الرحى فطحنت، فذاك الذي
حبسني، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: رحمتها، رحمك الله. ابن منظور ، مختصر
تاريخ دمشق،ج5
فى البداية نقول :
اتفقت الأقوال على أن بلالًا
كان من أبناء الحبشة المولدين، وجاء في وصفه أنه كان آدم شديد الأدمة نحيفًا
طوالًا أجنأ — أي فيه انحناء — كثير الشعر خفيف »
وهي أوصاف تعهد في سلالة
المولدين من السود والساميين، وقد كانوا كثيرين بين
الحبشة واليمن من قديم الزمن،
فليست أوصافه المتفق عليها أوصاف الزنج ولا أوصاف أبناء سام، وسواده وكثرة شعر
رأسه مع خلوصه من فطس الأنف وتقبض الشعر تدل على أنه مولد من السلالتين. وقد زعم
بعضهم أنه كان ينطق السين شينًا على عادة السود، فنفى الثقات هذا الزعم وأكد نفيهم
أنه كان يقيم الأذان وفيه السين والصاد.
وهذا النفي إنما يتفق من منهج
اختيار النبي صلى الله عليه وآله لمن يرفع الآذان الذى هو شعار الإسلام وأهله وهو
يعلم الناس الآذان فكيف يختار من لا يعرف نطق الحروف ؟
ولم يعلم حقيقة من كانوا سادة
بلال وأبيه من بني جمح هؤلاء. فقيل إنه كان عند عقيلة من عقائلهم، وقيل إنه كان
عند أيتام لأبي جهل، وقيل إنه كان عند أمية بن خلف وبعض ولده، واتفقت الأقوال على
أن أبوبكر هو من اشتراه واستنقذه من أيديهم بعد ما عاينه من تعذيبهم إياه لدخوله
في الإسلام. وقيل اشتراه بأمر النبي صلى لله عليه وآله .
بعد الهجرة لزم بلال النبي
بالمدينة ومكة وسائر المغازي والأسفار بعد ذلك.
وكان لمسجد المدينة الذي اشترك
النبي في بنائه حظُّ الأذان الأول، فكان لبلال حظ السبق بهذا الأذان. ولم يزل له
حظ التقدم على سائر المؤذنين في حضرة النبي حتى قُبض صلى الله عليه وآله، ومُيِّز
بالتقدم عليهم لتقدمه في الإسلام ولجهارة صوته وحسن أدائه، وإن كان تقدمه في
الإسلام هو أرجح المزيتين التي استحق بها التفضيل والتكريم.
وقد آخى النبي في المدينة بين
المهاجرين والأنصار، فآخى بين بلال وخالد أبي رويحة الخثعمي، وقيل بل بينه وبين
أبي عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، أو بين أبي عبيدة بن الجراح، وهو على ما يظهر
لبس في الأسماء، والأول هو الأرجح لبقاء الصلة بين بلال وأبي رويحة إلى أن فرقت
بينهما الوفاة.
ويبدو من أحاديث النبي صلى
الله عليه وآله لبلال أنه كان يحبه ويقربه؛ لأنه لهذا الحب والتعهد بالنصيحة
والتعليم، فكان يقول له: يا بلال! أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل لله، وكان يقول
له: عش فقيرًا يا بلال ومت مع الفقراء، وربما عهد إليه في تفريق ما يفضل من المال
عنده وقال له: انظر حتى تريحني منه. فيرى بلال القدوة في سيده ونبيه فإذا هو من
خيرة المقتدين، ويظل على هذه القدوة حتى فارق الحياة.
وقد أرُويَ النبي صلى الله
عليه وآله أنه سمع دف نعلي بلال بين يديه في الجنة، فسأله بعد الصلاة: يا بلال!
حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة، فإني سمعت الليلة دف نعليك بين يدي
في الجنة … فلم يذكر بلال زهده ولا جهاده ولا صبره على العذاب ما عملت عملًا في
الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا » : ولا أمانته وتسليمه. بل قال أتطهر طهورًا
تامٍّا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لله لي أن أصلى".
وقد كان كالحارس الملازم لشخص
النبي صلى الله عليه وآله في طويل صحبته بين الحرب والسلم والإقامة والسفر، ولكنه
صلى الله عليه وآله لم يكن يتخذه حارسًا يحميه كما يحمي الحراس الأمراء والسلاطين،
وإنما كان يستصحبه فى إقامته وسفره استصحاب الحراس لأنه كان يستريح إلى رؤيته
والشعور بصدق مودته ووفائه، وكانت مودة بلال لمولاه وهاديه تبدو منه حيث يريد وحيث
لا يريد، فإذا اشتد الهجير في رحلة من الرحلات أسرع إلى تظليله بثياب الوشي والنبي
لا يسأله ذلك، وإذا تهيئوا للقتال ضرب له قبة من أدم يرقب الموقعة منها، وجعل
يتردد بينها وبين الميدان ليطمئن عليه ويتلقى الأمر منه، فلم يفرقهما موقف ضنك ولا
موقف خطر، ولم ينقض يوم إلا جمعتهما فيه الصلوات الخمس ومجالس العظة والحديث، ما
لم يكن في غيبة قصيرة لشأن من شئون الدين الذي لم يكن له شأن سواه.
ولما فتحت مكة أمره النبي صلى
الله عليه وآله أن يقيم الأذان على ظهر الكعبة فأقامه والمشركون وجوم يغبطون
آباءهم لأنهم لم يشهدوا ذلك اليوم ولم يسمعوا ما سمعوه فيه، ودخل النبي الكعبة،
وما زال يصحب النبي مجاهدًا حتى قُبض صلوات الله عليه وآله ، فأقام الأذان بعد
وفاته أيامًا على أرجح الأقوال ثم أبى أن يؤذن وأصر على الإباء، لأنه كان إذا قال
في الأذان بكى وبكى معه سامعوه، فلم يطب له المقام حيث كان « أشهد أن محمدًا رسول
لله »... يصحب النبي ويراه ثم هو بعد لا يصحبه ولا يراه، وآثر الاغتراب على فرط
حبه لمكة والمدينة، وآثر الجهاد على فرط حاجته إلى الراحة في غُرَّة الستين، ولم
يقل أحد أن سبب الأهم فى اغتراب بلال رضوان الله عليه رفضه للبيعة، وانسحابه فى
صمت او انه طلب منه ان يخرج من المدينة لأنه بقاءه مع رفضه للآذان فى مسجد النبى
سوف يفتح الباب لقيل وقال وكثرة السؤال ..... فلما خرج من المدينة لزم الجهاد،
ورغم أن بلال شخصية ليس لها نظير لأنه من السابقين الأولين إلى الإسلام، ولأنه من
المعذبين فى الله ولأنه أول مؤذن للنبى ولأنه الأقرب للنبى فى السفر والإقامة ومع
هذا لم يعرف عن سيرته منذ ان خرج من المدينة الى ان وافته منيته الا انه خرج
للجهاد ، ثم سكن إلى ضيعة صغيرة بجوار دمشق يزرعها ويعيش من غلتها، ولم يسمع عنه
خبر بعد ذلك إلا يوم !!
قال الإمام على بن أبى طالب ع
السباق خمسة فانا سابق العرب وسلمان سابق فارس وصهيب سابق الروم وبلال سابق الحبش
وجناب سابق النبط.
وقد أورد المجلسي الأول أنه
قال رأيت في بعض كتب أصحابنا عن هشام بن سالم عن الصادق ع وعن أبي البختري قال
حدثنا عبد الله بن الحسن ان بلالا أبى ان يبايع أبا بكر وان عمر اخذ بتلابيبه وقال
له يا بلال هذا جزاء أبي بكر منك ان أعتقك فلا تجئ تبايعه فقال ان كان قد اعتقني
لله فليدعني لله وان كان اعتقني لغير ذلك فها أنذا وأما بيعته فما كنت أبايع من لم
يستخلفه رسول الله ص والذي استخلفه بيعته في أعناقنا إلى يوم القيامة فقال له عمر
لا أبا لك لا تقم معنا فارتحل إلى الشام وتوفي بدمشق ودفن بباب الصغير .
واعتقد أن هذه الحادثة تفتح
الباب لنتخيل لما كل هذا الارتباك والاضطراب فى سيرة الصحابى الجليل ....
وحينما نعلم أن بنى أمية حملوا
لواء الحرب على كل من لم يدين لهم بالولاء والطاعة، أو من عرف بولائه لآل البيت
فشنوا عليه الحرب حيا وميتا، حيا بالتضييق والسجن والمطاردة والقتل، وميتا
بالتشنيع والتشويه وإرباك السيرة عرفنا ماذا لحق ببلال رضى الله عنه وأمثاله حتى
بات الممسك بسيرته من كتب التراجم والسير كالممسك بخيط فى شباك صياد لا يعرف أول
الخيط من آخره ...
0 تعليقات