من يدفع للزمار
د. محمد
ابراهيم بسيوني
كتاب "من يدفع أجرة
الزمار" للكاتبة الانكليزية فرنسيس ستونر سوندرز(born 1966 )، (Frances Stonor Saunders)
"who paid the piper"
وهذا العنوان جزء من مثل
إنجليزي يقول .. (من يدفع أجر الزمار يختر اللحن).
هذه الدراسة في هذا الكتاب
تؤكد أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية،
تقوم بدفع أجر العازف بسخاء، وتمويل المؤتمرات الفخمة والمجلات الأدبية مثل مجلة
شعر اللبنانية ومجلة فصول المصرية، والسياسية والجمعيات والمنظمات التي تبدو غير
سياسية، حتى لا تكاد هناك جمعية دولية إلا وقد اخترقتها وكالة المخابرات الأمريكية.
يقدم الكتاب وصفاً مفصلاً عن
الطرق والأساليب التي تستعملها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في اختراق وبسط
نفوذها على المنظمات الإنسانية والفعاليات الثقافية الكبيرة. حيث استطاعت اختراق
العديد من المنظمات الثقافية والإنسانية بواسطة عملائها، وبعض المنظمات الخيرية
مثل تلك التابعة لهنري فورد وروكفلر.
مؤلفة الكتاب "فرانسيس ستونر سوندرز" تشرح فيه لماذا وكيف أن وكالة الاستخبارات الأمريكية تقوم برعاية مؤتمرات ومعارض وتنظيم حفلات موسيقية وندوات ولقاءات ثقافية وفكرية، كما تقوم بالنشر والترجمة والترويج للعديد من المثقفين المرموقين الذين يسوقون للسياسات الأمريكية. وتقوم بدعم وترقية الفنون لمواجهة أي مضمون اجتماعي يمكن أن تقدمه هذه الفنون عكس الرؤى الأمريكية. وتقديم الدعم للمجلات والصحف التي تنتقد الماركسية والشيوعية وثورات التغيير السياسية، والتي تقوم تقديم الأعذار والتبريرات للسياسات العنيفة والمدمرة للامبريالية الأمريكية، وتشرح كيف تمكنت الاستخبارات الأمريكية من الاستفادة من أبرز دعاة الحرية الفكرية في الغرب لخدمة هذه السياسات إلى حد أنها كانت تشرف مباشرة على رواتب بعضهم، وكيف أن بعضهم كان على علم بتورطه في مشاريعها والبعض كان يدور داخل وخارج المدار منكراً علمه بتلك العلاقة بعد تسريب معلومات عن ذلك ونشرها علنا في أواخر الستينات بعد حرب فتنام والمد السياسي نحو اليسار.
أمريكا وأوربا الغربية المعادية للشيوعية قامتا بتمويل مباشر وغير مباشر لحملات حزبية وزعامات جديدة ومنشقونو من بين من مولتهم (إيرفينج كريستول، لاسكي ملفين، أشعيا برلين، وستيفن سبندر، سيدني هوك، ودانيال بيل، دوايت ماكدونالد، وروبرت لويل، وحنا ارنت، وماري مكارثي، وغيرهم) والعديد غيرهم في الولايات المتحدة وأوربا.
وقد أولت اهتماماً خاصاً وروجت
لحركة اليسار الديمقراطي واليساريين السابقين بمن فيهم (اجناسيو سيلون، وستيفن
سبندر، وآرثر كيوستل، وريمون آرون، وأنطوني كروسلند، ومايكل جوسيلسون، وجورج أورويل).
كما أن وكالة الاستخبارات الأمريكية وتحت ضغط
من"سيدني هوك ولاسكي ميلفن" قامت باستحداث كونغرس(مجلس) الحريات
الثقافية كنوع من الترويج الثقافي للناتو كحلف للحرية والدفاع عن القيم الثقافية
والسياسية الغربية ضد الستالينية" اليساريين واليمينين" الشيوعيين واليمين
المتطرف. كانوا يركزون على مهاجمة الشمولية الستالينية للتضليل على الأساليب
العنصرية الامبريالية للولايات المتحدة، فقط كان يسمح لبعض الانتقادات بصفة هامشية
في بعض المجلات المدعومة من الوكالة.
والغريب عن هذه المجموعات من
المثقفين الممولين من الوكالة، هو أن دعمهم يصور أنه ليس بحجة ميولهم السياسية بل
بدعوى أنهم باحثون عن الحقيقة، أحرار، متمردون، مضطهدون، فنانون من أجل الفن كقيمة
ومبدأ ليتحولوا إلى مأجورين لمحاربة الفاشية الشيوعية.
إنه من المستحيل تصديق جهلهم
في تورطهم مع الوكالة، إذ كيف يمكن أن نستوعب عدم وجود أي انتقاد لهم في المجلات
والصحف التي يشتغلون بها للتصفية الجسدية التي تقوم بها الوكالة خلال تلك الفترة.
كيف يمكن تقبل التغييب في
مؤتمراتهم الثقافية لأي انتقاد للولايات المتحدة للتدخلات الامبريالية في
غواتيمالا وإيران واليونان وكوريا والتي أودت بعديد ملايين. وكيف يمكن أن نبرر
سكوتهم عن الأعذار والتبريرات التي كانت تقدم يومياً في الصحف التي كانوا يكتبون
فيها لتلك الجرائم.
لقد كانوا كلهم مجندون لصالح
الوكالة كل حسب صفته، الانفعالي أو التلقائي مثل "هوك ولاسكي" أو الرزين
اللبق مثل "ستيفن سبندر" أو الواشي المغرور مثل "جورج أوريل".
تصور سوندرز قائمة النخبة- WASP Ivy - في
وكالة الاستخبارات الأمريكية والتي تضم نقاد يهود، يساريون سابقون، ومنشقون عن
اليسار، عندما بدأت خيوط الحقيقة تظهر أواخر الستينات وسخط بعض المثقفين الزائفين
في نيويورك وبريطانيا وفرنسا من استغلال المخابرات الأمريكية لهم. قامت وكالة
المخابرات المركزية بالانتقام منهم، وقام "توم برايدن" الذي كان يدير
فرع المنظمات الدولية في الوكالة برفع الغطاء عنهم، وتفصيل كيف أنه كان عليهم أن
يعرفوا من يدفع لهم رواتبهم ومعاشاتهم. وبحسب اعترافات"برايدن" فالوكالة
مولت نتاجهم الأدبي كخط متشدد في مواجهة الشيوعية داعيةً مناهضي الستالينية
"كهوك كريستال ولاسكي" للتعجب حول المستوى العالي للدعاية والإشهار لـ
"اليسار الديمقراطي" وتمويل وتنظيم مؤتمراتهم - كزعامات جديدة - وحشد
الدعم لهم.
كتب "برايدن" أن
تمويلهم كان من الوكالة وأن الوكالة صارت تعد وترسم لهم تحركاتهم". بحلول
1953 كتب برايدن "إننا نعمل على التأثير على كل المنظمات الدولية وفي كل
ميدان". يزودنا هذا الكتاب بمعلومات قيمة تجيب على عدة أسئلة حول أساليب
الوكالة في توظيف الثقافة للدفاع عن المصالح الامبريالية الأمريكية، كما يطرح
مناقشة مهمة عن التأثيرات الطويلة الأمد التي تتركها هذه المواقف الإيديولوجية
والفنية للمثقفين التابعين للوكالة.
كما تدحض سوندرز إدعاءات
"هوك" و"كريستال ولاسكي" أن الوكالة ومؤسساتها الصديقة قدمت
دعماً غير مشروط ودون مقابل، مبينة أن الأفراد والمؤسسات التي دعمت من قبل الوكالة
كان من المتوقع أن تستخدم كجزء من حرب دعائية، فالدعاية الأكثر فاعلية دعمت من
الوكالة لأن موضوعها كان يصب في التقاء المصالح التي كان يعتقد أنها مصلحة
الوطنية. بينما استغلت الوكالة محاولاتهم للإصلاح الاجتماعي في اليسار الديمقراطي
ومحاربتهم الستالينية لمحاربة المفكرين الماركسيين في الغرب والكتاب والفنانين
السوفيت ما عبر عنه برادون "بالتحالف" بين الوكالة واليسار الديمقراطي
في أوربا ضد الشيوعية.
أحد أوجه هذا التعاون كان كسر
الإضراب في فرنسا، التبليغ عن الستالينيين "اورويل وهوك" القيام بحملات
تشهير سرية لمنع فنانين يساريين من الاعتراف بهم واستحقاقهم "مثل ما حدث مع
"بابلو نارودا" مع جائزة نوبل سنة 1964".
الوكالة كانت معنية كجهاز
استراتيجي للحكومة الأمريكية بالحرب الثقافية ضد الشرق إبان الحرب الباردة مركزة
على أوربا بعد الحرب العالمية الثانية، فبعد تجربة عقدين من آلام الحرب والاحتلال
مجمل الرأي العام في أوربا، خصوصاً نخبة المثقفين والنقابيين، كان معادياً
للرأسمالية ومنتقداً الهيمنة الأمريكية، ولمواجهة نمو الأحزاب اليسارية وحصر المد
الشيوعي خصوصاً في فرنسا وايطاليا، ابتكرت الوكالة برنامجاً من اتجاهين:
الاتجاه الأول
حيث تم الاهتمام وترقية بعض
الكتاب الأوربيين كجزء من برنامج "معاد للشيوعية" وقد وضع المفوض
الثقافي للوكالة معايير للنصوص المناسبة التي تضمنت" أي انتقاد للسياسة
الخارجية السوفيتية والحكومات الشيوعية عليها أن تكون بشكل مقنع هدفاً وفي الوقت
المناسب ".
وفي هذا كانت الوكالة حريصة
على نشر أفكار لشيوعيين سابقين أمثال "سيلون كويستلر" و"غيد"
ودعم العديد من الكتاب المعادين للشيوعية وتمويل مؤتمراتهم الباذخة في باريس برلين
وبلاجيو "قبالة بحيرة كامو" حيث الهدف علماء وفلاسفة ومفكرين كبار مثل
"اشعيا برلين" و"دانيال بيل" و"كزيسلو بيلوز" وظفوا
بثقلهم في التغني بمزايا الحرية الفكرية والاستقلالية الثقافية للغرب ضد الشيوعية
وفق معايير صنعت في وكالة الاستخبارات الأمريكية وبتمويلها.
فلا أحد من هؤلاء المثقفين
الكبار شكك في دعم أمريكا للمجازر والقتل الجماعي في الجزائر والهند الصينية
وملاحقة مثقفي الرأي في الولايات المتحدة وعمليات الإعدام الغير قانونية من طرف
المجموعات العنصرية الشبه عسكرية مثل "كو كلوكس كلان" في الولايات
الجنوبية. فمثل هذه الأعمال هي فقط سمة الأنظمة الشيوعية في نظر هؤلاء المتلهفون
للأموال ودعم أعمالهم الأدبية المفلسة، وبعض ممن يسمى الأدب الرفيع المعادي
للشيوعية والصحف السياسية كان من شأنها أن تتوقف منذ أمد طويل لولا دعم الوكالة
المالي لهم و التي اشترت آلاف النسخ التي وزعت بالمجان لاحقاً.
الاتجاه الثقافي الثاني
الذي عملت عليه الوكالة كان أكثر تأثيراً، حيث قامت بتشجيع الفنون من مسرح وموسيقى
وباليه وإقامة معارض والترويج للسيمفونيات، وتشجيع الأشخاص والمجموعات الشهيرة في
الجاز والباليه بهدف تحييد المشاعر المناهضة للامبريالية في أوربا وخلق الاهتمام
والتقدير للثقافة والحكومة الأمريكية.
الفكرة وراء ذلك كانت الترويج
للثقافة الأمريكية والعالم الجديد لخلق هيمنة ثقافية لدعم إمبراطوريتها الاقتصادية
والعسكرية.
فالوكالة كانت تركز خصوصاً على
إرسال الفنانين السود إلى أوربا مغنون مثل "ماريون اندرسون" كتاب
وموسيقيون أمثال "لويس ارمسترونغ" لإسكات الانتقادات الأوربية ضد سياسات
واشنطن العنصرية ضد السود والملونين وغيرهم وكانوا يستبعدون من قائمتهم كل كاتب
أسود لم يتماش مع خط واشنطن أو انتقد سياستها كما كان الحال مع الكاتب
"ريتشارد رايت".
وسيطرة الوكالة على أجندات هذه
الأنشطة الثقافية (التي تبدو غير سياسية الظاهر) ظاهرة بوضوح في ردود فعل محرري المجلس"لاسكي
وكريستول وآخرين "على مقالة لـ"دوايت ماكدونالد" "ماكدونالد
هو مثقف وسياسي متفرد وفوضوي كان يتعامل منذ وقت طويل مع فرع الوكالة لمجلس
الحريات الثقافية "، سنة 1958 كتب مقالة عن لقاء تحت عنوان "أمريكا
أمريكا" وأبدى امتعاضه من شكل ومضمون الثقافة الأمريكية ونمطها المادي وفقرها
الحضاري والدعوة إلى القيم الأمريكية والترويج لها كانت الدعاية الأساسية للوكالة
وملتقياتها الثقافية المعادية للشيوعية.
هجوم ماكدونالد على انحلال
وانحطاط الإمبراطورية اعتبر تطاولاً من الوكالة والمفكرين النافذين في المجلس. رغم
تعليمات ابرايدن الموجهة للمثقفين والمنظمات التي تستلم أموالاً من الوكالة من انه
"ليس المطلوب دعم كل الجوانب في السياسة الأمريكية، لكن هناك دائماً حدود
خصوصاً في الجوانب التي تتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة"، فعلى
الرغم من أن ماكدونالد كان محرراً سابقاً في المجلس فقد رفضت وحجبت المقالة.
الآراء الملتزمة لبعض كتاب
الحرب الباردة المحترمين مثل "نيقولا شيرومونت" كتب في الإصدار الثاني
للمجلس "انه من الواجب على المثقف أن لا يتهرب وينزل إلى مستوى تصنيف تزيف
الحقائق على انه حقيقة أو ما يسمى بالكذب المفيد." حتماً أن الأمر لن يلقى
قبولاً من المجلس ومجموعته عندما يتعلق الأمر بالتجرؤ على انتقاد الأكاذيب المفيدة
للغرب.
إحدى أهم ما تطرقت له سندورز
في كتابها الرائع هو علاقة الوكالة وعملائها بمتحف الفن الحديث (MOMA) حيث
تدفقت مبالغ طائلة لترقية فن التعبير التجريدي(AE). رسماً
ورسامين كمحاولة لإفراغ الفن من كل مضمون اجتماعي وفي سبيل ترقية هذا النمط من
الفن قامت الوكالة بصد كل الأصوات اليمينية المناهضة له في الكونغرس حيث اعتبرت
ترقيته في صالح مناهضة الفكر الشيوعي. فأيديولوجية الحرية وحرية المبادرة هي معطى
رمزي وعليه أن لا يبقى صامتاً بل هو النقيض الحقيقي للواقعية الاشتراكية. وقد نظر
إلى الفن التعبير التجريدي كنوع من التعبير الصحيح عن إرادة التحرر الوطني.
متجاوزة نقد الاتجاهات اليمينية في الإدارة حول اتجاهها إلى القطاع الخاص معتبرة
"MOMA وشريكها المؤسس "نيلسون روكفلر" والذي يعود إليه فن
التعبير التجريدي كواجهة لمؤسسة حرة" فالعديد من مدراء MOMA كانت لهم
صلات قوية بالوكالة" أي كانت مستعدة لتقديم المساعدة إلى فن التعبير التجريدي
كسلاح فعال في الحرب الثقافية في حقبة الحرب الباردة. فمعارض كبيرة لهذا النمط
الفني مولت في جميع أنحاء أوربا وجند له نقاد فنيون كثر وامتلأت أسطر مجلات فنية
كثيرة بمقالات مليئة بالمديح والإشادة. وتضافرت الموارد المالية لـ MOMA مع
التمويل الواضح للوكالة ضمنت تعاون كبار دور العرض في أوربا وبالتالي التأثير على
علم الجمال "الاتيكيت" عبر كل أوربا.
ففن التعبير التجريدي كفن حر
(جورج كينان) استخدم كإيديولوجيها لمحاربة الفنانين الملتزمين سياسياً في أوروبا،
ومجلس الحريات الثقافية "واجهة الوكالة" رمى بكل ثقله لدفع فن الرسم
التجريدي أمام الفن التصويري أو علم الجمال الواقعي في فعل سياسي فاضح. وتعليق على
الدور السياسي الذي لعبه فن التعبير التجريدي تقول سندورز" أحد الأدوار
الأساسية الذي لعبه فن الرسم الأمريكي في الحرب الثقافية إبان الحرب الباردة هو
أنه زيادة على انه أصبح جزءاً من مؤسسة دعائية بل من كونه حركة عليها أن تكون
بعيدة عن الاستقطاب السياسي أصبح اتجاهه برسم منحى سياسي محدد.
فالوكالة جمعت بين فنانين غير
مسيسين ودعمت الفن من أجل الفن ضد الفنانين في اليسار الأوربي والسخرية أن هذا
الموقف اللاسياسي كان فقط للضحك على اليساريين.
وبرغم هذا فالوكالة وآلتها
الثقافية كانت قادرة بشكل كبير على تشكيل وجهة النظر بعد الحرب العالمية الثانية
بواسطة الفن، بعض المشاهير من كتاب وشعراء وفنانين وموسيقيين أعلنوا استقلالهم عن
أي توجه سياسي ووهبوا أنفسهم للفن ومن أجل الفن، وهذا المذهب للفنانين الأحرار أو
المفكرين الأحرار الغير منتمين سياسياً كان يلاقي رواجاً وانتشاراً واسعاً ليومنا
هذا.
فسندورز قدمت لنا وصفاً دقيقاً
للصلات بين الوكالة والفنانين والمثقفين الغربيين تترك غموضاً عن دوافع الوكالة
الماكرة للسيطرة على المنشقين، وإن مناقشة ذلك يدخل ضمن سياق المنافسة والصراع
السياسي مع الشيوعية السوفياتية، إذ أنه لا يمكن تحديد بصمات الحرب الثقافية
للوكالة في سياق الصراع الطبقي والثورات الأهلية في العالم الثالث، وتحديات
الماركسيين المستقلون للهيمنة الاقتصادية للامبريالية الأمريكية.
وسندرز تميل إلى بعض المدح
الانتقائي لبعض مشاريع الوكالة. فبدلاً من رؤية الوكالة كآلة للامبريالية
الأمريكية يفضل ساندرز إلى انتقاد أساليب التضليل والخداع التي اعتمدتها واضعاً
محاولة الهيمنة الثقافية للولايات المتحدة وحلف الناتو على أوربا في خانة رد الفعل
الدفاعي ضد المد الشيوعي. فبوادر الحرب الثقافية الباردة ظهرت جذورها مبكراً في
الصراع الطبقي في الغرب. أي الوكالة وعملائها "اوفر براون وجاي لوفستون"
شيوعيون سابقون صبت ملايين الدولارات لتحطيم اتحادات عمالية وكسر الإضرابات عن
طريق تمويل الاتحادات الاجتماعية الديمقراطية. فمجلس الحريات الثقافية ومثقفيه
كانت تمولهم نفس الوكالة التي استأجرت أفراد العصابات المارسيلية Marseilles gangsters لكسر إضرابات عمال الموانئ سنة 1948.
بعد الحرب العالمية الثانية
والتشكيك في أوربا فيما يسمى الحق القديم "اشتباه صلاته بالفاشية وهشاشة
النظام الرأسمالي" أدركت الوكالة أنه لتقويض المثقفين والنقابيين المعادين
للناتو هناك حاجة لخلق ما يسمى اليسار الديمقراطي كايدولوجيا لاستيعاب الصراع
الطبقي والاجتماعي. وجند قطاع متخصص في الوكالة للالتفاف على المعارضين اليمينيين
للمشروع في الكونغرس وقد استعمل اليسار الديمقراطي خصوصاً ضد اليسار الراديكالي
وكستار للهيمنة الأمريكية على أوربا.
فلم تتوانى إيديولوجيا اليسار
الديمقراطي عن أي توظيف لخدمة السياسات و الاستراتيجيات الأمريكية .فوظيفتهم لم
تكن في سؤال أو مطلب .بل خدمة الإمبراطورية الأمريكية تحت ستار "قيم
الديمقراطية الغربية".
فقط عندما ظهرت الاعتراضات
الضخمة على حرب فيتنام في الولايات المتحدة وأوربا و انكشف غطاء الوكالة عنهم بدأ
بعضهم بالخروج عن الدرب وانتقاد السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
مثلاً بعد إنفاقه دهراً من
سيرته في خدمة الوكالة "ستيفان سبندر" أصبح ناقداً للسياسة الأمريكية في
فيتنام، مثله فعل بعض المحررون. وادعوا جميعهم البراءة، لكن بعض النقاد اعتقدوا أن
علاقة بعض الصحف بالمانحين هي طويلة وعميقة وظاهرة بدون الحاجة لمزيد من التوضيح،
فتدخل الوكالة في الحياة الثقافية في أوربا وأمريكا كانت له نتائجه على المدى
الطويل. فالعديد من المثقفين كوفئوا بالشهرة والاعتراف العام ومولت أبحاثهم
ومشاريعهم لخدمة الأهداف الإيديولوجية التي حددتها الوكالة، البعض من الأسماء
الكبيرة في الفلسفة، علم الاجتماع، وعلم الايتكيت السياسي، والفن أصبحوا معروفين
بفضل المؤتمرات والصحف التي تمولها وتدعمها الوكالة لتأسيس القوى
فقط عندما ظهرت الاعتراضات
الضخمة على حرب فيتنام في الولايات المتحدة وأوربا و انكشف غطاء الوكالة عنهم بدأ
بعضهم بالخروج عن الدرب وانتقاد السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
مثلاً بعد إنفاقه دهراً من
سيرته في خدمة الوكالة "ستيفان سبندر" أصبح ناقداً للسياسة الأمريكية في
فيتنام، مثله فعل بعض المحررون. وادعوا جميعهم البراءة، لكن بعض النقاد اعتقدوا أن
علاقة بعض الصحف بالمانحين هي طويلة وعميقة وظاهرة بدون الحاجة لمزيد من التوضيح،
فتدخل الوكالة في الحياة الثقافية في أوربا وأمريكا كانت له نتائجه على المدى
الطويل. فالعديد من المثقفين كوفئوا بالشهرة والاعتراف العام ومولت أبحاثهم
ومشاريعهم لخدمة الأهداف الإيديولوجية التي حددتها الوكالة، البعض من الأسماء
الكبيرة في الفلسفة، علم الاجتماع، وعلم الايتكيت السياسي، والفن أصبحوا معروفين
بفضل المؤتمرات والصحف التي تمولها وتدعمها الوكالة لتأسيس القواعد لخلق جيل جديد
وفق المعايير السياسية التي تخدم الإستراتيجية الأمريكية. لا استحقاق ولا كفاءة
فقط من يساير خط واشنطن السياسي .مظهراً الولاء والالتزام يصبح رئيساً لمعهد أو
متحف أو أكاديمية رفيعة.
فالولايات المتحدة واليسار
الديمقراطي الأوربي ضد آلة الدعاية الستالينية والتي يروج لها بالدعاية للقيم
الديمقراطية الغربية كانت الستار والغطاء الإيديولوجي للجرائم البشعة للغرب.
ونشاهد مرة أخرى كيف اصطف عديد مثقفي اليسار الديمقراطي وراء الغرب و الـKIA في حربها
الأخيرة على يوغسلافيا و حملة التطهير العرقي وقتل الآلاف الضحايا من المدنيين
الأبرياء. فإذا كانت الخوف من الستالينية كان أفيون اليسار الديمقراطي بالأمس فإن
دعوى التدخل لحماية حقوق الإنسان هو المخدر اليوم و الذي يضلل الكثير من اليساريين
الديمقراطيين. فقد نجحت حملات الوكالة في خلق النموذج من مثقفي اليوم الذين لا
تربطهم أي علاقة بالمجتمع و الرأي العام والذين لا يهمهم إلا التقرب من المؤسسات
المرموقة.
إن الدور المحترف والناجح الذي
لعبته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لخلق حاجز إيديولوجي لمحاربة كل النقاد
الذين يكتبون عن الصراع الطبقي وصلف وهيمنة الامبريالية الأمريكية.
وهذا التوجه الأحادي الضار
لمجلس"كونغرس" الحريات الثقافية للوكالة ليس فقط في دفاعهم عن السياسات
الامبريالية الأمريكية بل نجاحهم في الفرض على الأجيال اللاحقة من المثقفين أي
فكرة لنقد هذه الهيمنة الإعلامية الثقافية والسياسية لها.
فالقضية اليوم ليست في أن
الفنانين أو المثقفين قد يستطيعون أو لا، أن يأخذوا موقفاً متقدماً من قضية ما. بل
الاعتقاد السائد لديهم أن أي انتقاد أو تعبير ضد الامبريالية الأمريكية وسياساتها
الجائرة يجب أن لا يظهر في موسيقاهم ورسوماتهم وكتاباتهم إذا أرادوا لأعمالهم أن
تنال الاستحقاق المطلوب. فالنصر الدائم الذي حققته الوكالة هو إقناع المثقفين أن
إيمانهم وارتباطهم الجدي بقضاياهم في اليسار لا يتوافق مع الفن الجدي
والاستحقاقات، فاليوم في الأوبرات، المسارح، والمعارض الفنية، والمجتمعات
الأكاديمية، قيم وأساليب الحرب الباردة للوكالة مرئية ومسموعة بوضوح.
فمن يتجاسر على خلع ملابس
الإمبراطور.
عميد طب
المنيا السابق
0 تعليقات