ما قبل رابعة وما بعدها..
أحمد عبد التواب..
اليوم تمر ستة أعوام على موقعة
رابعة العدوية عندما بلغ تحدى الإخوان وحلفائهم ذروة لم تكن مسبوقة فى مواجهة
اختيار الشعب وفى رفع السلاح علناً ضد أجهزة الدولة، مع شعارات عنترية لم يكن
هنالك ما يبررها، حيث جعلوها بين فسطاطين، هم المؤمنون المدافعون عن الإسلام.
وعلى الناحية الأخرى الشعب
وأجهزة الدولة الكفار الذين يجب قتالهم، وراحوا يهتفون بلا كلل لأكثر من أربعين
يوماً بمثل: "لن تدخلوا الميدان إلا على جثثنا"، و"شهداؤنا فى
الجنة وقتلاكم فى النار"! ثم، وبعد أن انفض المولد، أبدوا المسكنة وقلبوا
الخطاب إلى أنهم كانوا ضحايا عدوان الشرطة على تجمعهم السلمى!
من المهم، بداية، إقرار أن
تدخل الدولة لفض الاعتصام كان تحت ضغط شعبى، ليس فقط من سكان المنطقة الذين تحولت
حياتهم إلى جحيم، وصاروا غرباء، وأصبح عليهم إثبات حُسن نواياهم فى الدخول
والخروج، ولكن وصل الرفض العام لهذا الاعتصام، من القوى السياسية ومن عموم
المواطنين، إلى حد أصبح لا يمكن للدولة أن تقف فى وضع المتفرج، خاصة بعد أن تعمَّد
القائمون على الاعتصام أن يستفزوا كل الأجهزة الرسمية بتكرار عمليات الاعتداء على
من يشكُّون فى أمره، وعلى الصراخ فى الميكرفون بما يضع أجهزة الدولة فى موقف
العاجز الخائف من التدخل!
ومن المهم أيضاً الإشارة إلى
أن هروب زعامات الاعتصام بعد الصرخات العنترية واختفاءهم المفاجئ مع بدء المواجهة
الفعلية، وقيل إن بعضهم كان يختبئ يومياً بعد انتهاء دوره فى الميكرفون توقعاً لأن
يكون تدخل الدولة فى هذا اليوم، كل هذا قد أفقد منظر الدماء ما تستحقه من إجلال
وتوقير، ولم يتجاوز الشعورُ العامُ التعاطفَ الإنسانى مع البسطاء السذج الذين
وقعوا ضحايا بعد أن وضعوا ثقتهم فى زعامات الاعتصام وتبعوهم! فى وقت كانت هذه
الزعامات قد أحكمت خطط الفرار دون أدنى تأنيب ضمير تجاه من زجّوا بهم فى المواجهة!
أثبتت تجربة ما بعد الاعتصام
أن ما كان ذروة للعنف يوم رابعة صار مجرد بداية بسيطة لما اعتمده الإخوان وحلفاؤهم
ضد الشعب وأجهزة الدولة فيما بعد رابعة، ويبدو أن العقل غاب حتى أنهم صاروا
يتعمدون إيذاء الناس، عموم المواطنين، مباشرة! وفى وقت كان الاعتذاريون عنهم، ممن
ليسوا منهم ولكن يحترمونهم، وممن لا يستهدفون سوى شهادة الحق، كان هؤلاء ينفون عن
الإخوان أن يكونوا هم من وراء التفجيرات فى مرافق الدولة التى يستفيد منها الشعب،
ولكن، ظهر أحد زعماء الإخوان على قنوات فضائية تكن العداء لمصر، وهو يُقرّ بأنهم هم
الذين يفجرون أبراج الكهرباء! ولما استوقفته المذيعة بأن الضرر هنا يلحق
بالمواطنين وليس بالدولة التى يعادونها، قال إن هذا الشعب يستحق لأنه هو الذى أتى
بالسيسى إلى الحكم، وهو الذى يصمت على استمراره فى الحكم!
وكما ترى، فهذا خَبال سياسى
أوضح من أن يخضع لتحليل وتفنيد، ولكنه يؤدى إلى استخلاص مهم، بقدر ما هو غريب، ذلك
أن أى تنظيم سياسى يسعى للوصول إلى الحكم فى العصر الحديث يعمل كل طاقته من أجل أن
يحظى بثقة الناس التى ستؤول إلى أصوات مؤيِّدة فى الانتخابات، وهذا شرط مُسَلَّم
به للوصول إلى الحكم وللاستمرار فيه، وهنالك اتفاق عام، صار فى باب البداهات، أنه
بمجرد أن ينزل المنحنى عن النصاب القانونى اللازم للاستمرار فى الحكم، فلا مناص من
إفساح المجال لتنظيم سياسى آخر يحظى بالرضا العام.
السؤال المترتب على هذا
الاستخلاص هو: إذا كان الإخوان وحلفاؤهم يجاهرون بمعاداة الشعب إلى حد تعمد
إيذائه، فعلى ماذا يعتمدون فى هدفهم التاريخى للوصول إلى الحكم، ناهيك عن
الاستمرار فيه 500 عام كما تحدثهم أوهامُهم؟!
ربما يكون الوقت قد حان
لمعالجة يوم رابعة بشكل علمى بعيداً عن مساجلات السياسة، ومن الأفضل أن تتعدد
الدراسات لتتنوع الرؤى ومدارس التحليل، على أن يقوم بذلك مراكز أبحاث علمية يهمها
الوصول الى طبيعة الحدث وأسبابه ومعناه وتبعاته، والإشارة إلى المسئولين عن
التصعيد وعن الدفع بالأمور إلى المواجهة، وتحديد الضحايا، وهل هناك ضحايا حقيقيون
ممن فقدوا حياتهم أو أصيبوا بأضرار ممن لم يشاركوا فى الحدث، أو حتى إذا ما كانوا
شاركوا وكانوا عاجزين عن توقع أن يؤدى هذا إلى ذاك.
ولعل من النقاط المهمة السابقة
على الحدث والتى تلقى عليه أضواءَ كاشفة ومُفسِّرة، هذا الاختيار الغريب الذى وضع
الإخوانُ يدَهم عليه ليكون ممثلاً لهم فى القصر الرئاسى! ما الذى دعاهم إلى اختيار
هذا الرجل الطيب قليل الحيلة محدود المهارات متواضع الثقافة واهى الحجة باهت
الحضور ضعيف الصلة بالأحزاب والقوى السياسية، مع تجنيب من هو أكفأ منه ممن تصدروا
العمل العام فى صفوف الإخوان قبله بسنوات؟ وهل نسوا، أو هل لم يستوعبوا، أن الشعب
المصرى ابن نكته وأن رَجُلَهم يُوفِّر مادة يومية لمصنع النكت الساهر المتفانى فى
السخرية من حكامه؟
حسناً، هم يريدون أن يكون
الرئيس مطواعاً يتسترون من خلفه ويتحكمون فى كل القرارات، ولكن هل وصلت إلى هذا
الحدّ استهانة الإخوان بالشعب وبأجهزة الدولة وبالنخب المشارِكة فى المجال السياسى
وبالنشطاء فى العمل العام؟
ونقطة أخرى، عن العدوان على
الدستور يوم 21 نوفمبر 2012، الذى نُسِبَ إلى ممثلهم الرئاسى، وقيل إنه مطبوخ فى
مكتب الإرشاد، هل حقاً كانوا يظنون أنه يمكن أن يَمرّ وأن يتحقق لهم بهذه السهولة
تحصين قراراتهم وسيطرتهم على منصب النائب العام بواحد منهم، واستعادة مجلس الشعب
الذى قضت المحكمة الدستورية العليا ببطلانه؟
المسائل الجديرة بالدراسة أكثر
من أن يحصيها مقال، ولكن أهميتها تزداد مع إدراك أن الإخوان وحلفاءهم سيستمرون فى
تنغيص حياتنا السياسية وتهديد أمننا الوطنى، ما دام أنهم قابلون أن يكونوا أداة فى
يد سياسات لم تتعاطف مع هذا الشعب عبر التاريخ!
وهم يجتهدون فى مهمتهم الحالية
برغم خسائرهم المؤكدة فى صفوف الجماهير!!
0 تعليقات