مصر ... ونظرية الرقص الاقتصادى
د. محمد إبراهيم بسيونى
أي دولة علي وجه الأرض لابد
وأن تتبنى نظاما اقتصاديا معينا تسير وفقه، مثل الرأسمالية او الاشتراكية أو
الشيوعية أو نظام اقتصاد السوق الاجتماعي.
بعض الدول تأخذ نظام وتضيف
عليه تعديلات ليتوافق مع توجهاتها. تهدف الرأسمالية إلى تحقيق الربح بينما الاشتراكية
إلى المساواة الطبقية والضمان الاجتماعي. أي في الرأسمالية الشركة الخاسرة يتم
إيقافها بينما تستمر بالعمل في الاشتراكية لأنها تخدم المجتمع. أساس الرأسمالية هو
الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، بمعنى أن القطاع الخاص هو المالك الرئيسي للمصانع،
بينما الاشتراكية تكون الملكية عامة أي للحكومة. تعارض الرأسمالية تدخل الحكومة
لتصحيح الأخطاء، بينما ترى الاشتراكية تدخل الحكومة ضروري.
تقوم الرأسمالية على مفهوم
اقتصاد السوق، بمعنى أن السوق هو الذي يحدد السعر عبر توازن العرض والطلب، بينما الاشتراكية
يتحدد فيها السعر بقرار مركزي من الحكومة. وهذه الفكرة تدعم سابقتها، عندما ترتفع
الأسعار في النظام الرأسمالي فإن آلية السوق ستعيد توازنها، بينما في الاشتراكية
تتدخل الدولة بطريقة لفرض سعر معين.
لا تأخذ الرأسمالية بخطط طويلة
المدى للإنتاج، إنما تعتمد على حجم الطلب في السوق وتخطط على أساسه كمية الإنتاج،
أما الاشتراكية تعتمد الخطط السنوية والخمسية في الإنتاج بغض النظر عن حالة السوق.
تشجع الرأسمالية وجود الطبقات
الاجتماعية. هناك طبقة غنية هي المالكة للمصانع وطبقة فقيرة وهي الموظفين في
المصانع وعادة تنمسح الطبقة الوسطى. بينما تشجع الاشتراكية وجود طبقة وسطى، فهي
تأخذ من الأغنياء وتعطي للفقراء حتى يحدث هناك توازن والجميع طبقة وسطى.
تشجع الرأسمالية الخصخصة، أي
بيع القطاع العام الحكومي للخاص فتجد شركات الماء والكهرباء والهاتف الثابت
والنظافة والسكك الحديدية والمطارات، كلها قطاعات بنية تحتية تشغلها شركات خاصة
تهدف للربح فلا يهمها إيصال الماء إلى قرية بعيدة نائية طالما أن الأمر لا يحقق
لها الجدوى الاقتصادية.
بينما تمنع الاشتراكية الخصخصة
بل تحتكر قطاعات معينة وتمنع فتحها للقطاع الخاص حتى لو كانت خاسرة، بل هناك
قطاعات يجب أن تكون شركاتها خاسرة مثل أفران الخبز والوقود لأن هذه قطاعات مدعومة
ووجدت لتخسر حتى يتمكن الجميع من الحصول على حاجته من السلع والخدمات.
لا يوجد دعم سلع في الرأسمالية
أو إن وجد فهو دعم مدروس ومخطط وموجه بشكل رئيسي لمن يستحقه، بينما الاشتراكية
قائمة على دعم السلع وبطريقة شمولية منهجية، فمن الطبيعي أن يشتري الطبيب والمدرس
خبزهم بنفس السعر حتى لو كان فرق الدخل مئة ضعف.
الرأسمالية هي النظام السائد
في العالم اليوم لكن هناك عدة حالات خروج عن أسسه، مثلاً في أمريكا عقر دار
الرأسمالية تدخلت الدولة وأنقذت شركات انهارت في الأزمة المالية. بينما الاشتراكية
الصرفة لم تعد مطبقة سوى في كوريا الشمالية بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، والصين
تطبق الاشتراكية لكن مع تعديلات كثيرة عليها.
اقتصاد السوق الاجتماعي هو
محاولة وسط بين محاسن الرأسمالية والاشتراكية وتطبقها الكثير من دول العالم مثل
سوريا أو عندما تريد الانتقال من الاشتراكية إلى الرأسمالية من أجل تجنب الصدمة
الاقتصادية. يقوم اقتصاد السوق الاجتماعي على الإبقاء على دعم بعض السلع الأساسية
وبنفس الوقت فتح بعض القطاعات للاستثمار الخاص والأجنبي وفتح الاقتصاد أمام
الأجانب.
أزمتنا الاقتصادية الحالية،
والتى توصف بحق بأنها أزمة حادة ومعقدة، ليست أول مرة فى تاريخنا الاقتصادي، التى
تمر فيها مصر بأزمة حادة ومعقدة. فما أكثر الأزمات الاقتصادية التى مررنا بها طوال
القرنين الماضيين أما قبل ذلك فقد كان حالنا أسوأ، إذ إن الركود الاقتصادي التام،
مع الفقر المدقع أسوأ بكثير من الأزمات الاقتصادية. ولكن يلاحظ أن المرات القليلة
التى حققت فيها مصر تنمية اقتصادية حقيقية كانت هى تلك التى أتحدث خلالها مصلحة
الممسكين بالسلطة بالمصلحة العامة، أو بعبارة أخرى كانت هى التى رأى الممسكون
بالسلطة فيها أن مصلحتهم تتطلب تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية. وفى هذه المرات
القليلة لم تتوقف التنمية فى مصر إلا عندما جاء أشخاص جدد إلى السلطة يرون مصلحتهم
الشخصية فى تحقيق عكس ذلك بالضبط.
إن أزمتنا الاقتصادية مرجعها
إلى الدخول غير المنظورة التي لا تُحصَّل عليها ضرائب أبدًا، بينما الدخول في
المجتمع الغربي مثلًا كلها منظورة، ولهذا تتكفَّل الضرائب بإقامة المشاريع وعمل
المؤسسات ودفع الأجور العالية.
الاقتصاد غير الرسمى، هو كافة
القطاعات الاقتصادية التى تعمل بعيداً عن سجلات الحكومة، سواء على مستوى الضرائب
أو التأمينات، وفى الوقت نفسه تستفيد من الخدمات المقدمة من الدولة، وهو ما يجعل
هذا الاقتصاد عبء على الاقتصادات الوطنية، حيث يأخذ منها الموارد دون مقابل
اقتصادى، علاوة على عدم القدرة على حساب معدلات النمو الاقتصادى فى هذه القطاعات
نظراً لكونها بعيده تماماً عن السجلات الرسمية. الاقتصاد غير الرسمى يعادل 40 % من
الناتج المحلى.
وتستهدف مصر خلال خطة التنمية
المستدامة 2030 ضم القطاع غير الرسمى، من خلال تشجيع أصحاب هذه المشروعات على
الدخول تحت مظلة الدولة، من خلال منح وتسهيلات ومحفزات، تهدف إلى تبادل الاستفادة
وعدم اقتصار الأمر على جنى ضرائب منهم فقط.
إنَّ الاقتصاد المصري يبدو في
صورة أحسن من الأعوام السابقة نظرًا لزيادة سعر البترول والاكتشافات الجديدة
وتحويلات المصريين في الخارج ودخل قناة السويس والسياحة، وأيضًا بسبب الازدياد
الكبير في الدخول غير المنظورة.
لحل أزمتنا الاقتصادية لابد ان
ننتج. لكي ننتج لا بُدَّ أن نرسو على بر. إمَّا أن نصبح رأسماليين بكل الضمانات
الرأسمالية للعدالة والديمقراطية. وإمَّا أن نصبح اشتراكيين بكل مزايا وعيوب
الاشتراكية.
أمَّا الرقص على الحبل، أو أخذ
ما يُعجب حكامنا من عيوب الاشتراكية وعيوب الرأسمالية لضمان سلامة الحكم، فقد
أوقعنا هذا الرقص فيما نحن فيه الآن. الاعتماد على النفس أوَّلًا وأخيرًا، ولكي
تعتمد عليَّ لابُدَّ أن تُعطيَني الحق أن أكون أنا، ولكي أكون أنا لا بُدَّ أن
يكون لي رأي ولي حزب، ولي جريدة ولي ممثِّل انتخبتُه بكامل حريتي ليدافع عن مصالحي
ووجهة نظري. إمَّا رأسمالية كاملة مُنتجة. وإمَّا اشتراكية كاملة منتجة أيضًا. ولا
إنتاج بغير الرسوِّ على بر. بر بكل مزاياه وبكل عيوبه. برٌّ نبدأ منه رحلة وجودنا
الحقيقية تلك التي نضطر معها أن نفكر تفكيرًا غنيًّا يتحول بدوره إلى إنتاجٍ
غنيٍّ، وثروة حقيقية، وحياة وحضارة. رحلةٌ نَعتمِد فيها على أنفسنا، ولكي نكون
أنفسنا، فلا بُدَّ أن يكون لشعبنا حقوق وجوده كاملة.
فالمأزق الذي نحن فيه، مأزق
وجود، وليس مجرَّد أزمة اقتصادية أو فكر، وخوفي الأكبر أن نخرج منه بطريقة
متفجِّرة تؤدي بنا إلى مأزق أكبر بكثير، مأزق الجنون أو التعصب أو القوة الغاشمة،
لا ليست المسالة هزلًا.
وليست مجرَّد مشكلة. إنها
مُفترق طرق وبلا خيار. نحن فقراء فكريًّا؛ لأننا لا نُنتج، ونحن لا نُنتج لأننا
حقيقةً فقراء فكريًّا، وليس لأن هناك أزمة اقتصادية أو تضخُّمًا.
عميد طب المنيا السابق
0 تعليقات