الضباع يعودون لقتل مشروع الضبعة
محمد منير مجاهد
واجه برنامج مصر لاستخدام
الطاقة النووية في توليد الكهرباء و/أو تحلية مياه البحر عقبات جسيمة أخرته لأكثر
من نصف قرن. فقد بدأ عام 1964 بطرح مناقصة عالمية لإنشاء محطة نووية لتوليد
الكهرباء بقدرة 150 ميجاوات وتحلية مياه البحر بسعة 20 ألف متر مكعب في اليوم في
منطقة برج العرب، ونجح أخيرا في 11 ديسمبر 2017 بتوقيع بروتوكول بدء سريان
الاتفاقات الموقعة مع شركة "روس آتوم" لإنشاء محطة نووية في منطقة
الضبعة مكونة من أربعة مفاعلات قدرة كل منها 1200 ميجاوات، وهي: عقد التصميم
والتركيب، وعقد توريد الوقود النووى، وعقد توفير المعونة الفنية فى التشغيل
والصيانة، وعقد إنشاء مستودع لتخزين الوقود النووى المستهلك.
رغم التعتيم الكامل على أخبار تقدم العمل في إنشاء المحطة إلا أننا يمكن أن نستنتج أن المشروع يسير حتى الآن طبقا للبرنامج الزمني، فقد تم في مارس 2019 منح هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء رسميا إذن قبول اختيار موقع الضبعة وهو ما يعتبر إنجازا رئيسيا فى عملية ترخيص المحطة النووية.
وتحدد المادة 13 من اللائحة
التنفيذية لقانون تنظيم الأنشطة النووية والإشعاعية الصادر بالقانون رقم 7 لسنة
2010 ترخيص المنشآت النووية في مراحلها المختلفة طبقا لما يلي:
أولا:
إذن قبول اختيار الموقع: بالنسبة للمفاعلات النووية يصدر خلال سنة من تاريخ تقديم
طلب الإذن مستوفيا جميع البيانات والمستندات المطلوبة.
ثانيا:
إذن الإنشاء: ويتطلب تقديم عدة وثائق ومستندات منها إذن قبول اختيار الموقع،
وبالنسبة للمفاعلات النووية يصدر خلال ثمانية عشر شهرا من تاريخ تقديم طلب الإذن
مستوفيا جميع البيانات والمستندات المطلوبة.
ثالثا:
إذن إجراء اختبارات ما قبل التشغيل: بالنسبة لمفاعلات القوى النووية يصدر خلال ستة
أشهر من تاريخ تقديم طلب الإذن مستوفيا جميع البيانات والمستندات المطلوبة.
رابعا:
إذن تحميل الوقود والوصول للحرجية: بالنسبة لمفاعلات القوى النووية يصدر خلال
شهرين من تاريخ تقديم طلب الإذن مستوفيا جميع البيانات والمستندات المطلوبة.
خامسا: ترخيص التشغيل: بالنسبة لمفاعلات القوى النووية يصدر خلال ستة أشهر من تاريخ تقديم طلب الإذن مستوفيا جميع البيانات والمستندات المطلوبة.
سادسا:
ترخيص الخروج من الخدمة بمرحلتيه (الإيقاف – التفكيك): بالنسبة لمفاعلات القوى
النووية يصدر خلال سنة من تاريخ تقديم طلب الإذن مستوفيا جميع البيانات والمستندات
المطلوبة.
لقد أردت بهذا العرض المطول
نوعا ما للتراخيص المختلفة والمدد التي حددها القانون أن أوضح التدقيق الذي يتم في
كل مرحلة للتأكد من أمان المحطة النووية، والتي لا يمكن تشغيلها دون استيفاء كل
المتطلبات اللازمة للحصول على التراخيص.
بالنسبة لمرحلتي إذن قبول
الموقع والإذن بالإنشاء ينص القانون على أن الفترة اللازمة حتى بدء الإنشاءات
ستكون في حدود سنتين ونصف أي أنها ستبدأ كما هو متوقع في منتصف علم 2020.
قد يتساءل القارئ عن السبب في
خروجي بهذا المقال إذا كنت الأمور تسير على ما يبدو في طريقها المرسوم. السبب هو
أنه في يوم 8 أغسطس 2019 وقعت حادثة تضمنت مواد نووية في قاعدة عسكرية بشمال روسيا
نتج عنها انطلاق دفقة إشعاعية لمدة نصف ساعة فانطلق الضباع الذين طالما نهشوا في
جسد مشروع المحطة النووية بالضبعة يرونها فرصة لإيقاف المشروع والتراجع عنه.
ولكن ما هي حكاية الحادثة؟
جاءت أول أنباء عن الحادثة من
خلال بيان أصدرته السلطات المحلية في سيفيرودفينسك يوم الخميس 8 أغسطس 2019 (تم
حذفه فيما بعد) جاء فيه أنه "في الساعة 11:50 سجلت أجهزة الاستشعار في
سيفيرودفينسك زيادة قصيرة الأجل في خلفية الإشعاع، واستمر الإشعاع من الساعة 11:50
إلى الساعة 12:30، حيث انخفض مستوى الإشعاع وبحلول الساعة 14:00، لم تتجاوز قراءات
المستشعرات 0.11 ميكروسيفيرت في الساعة بينما الحد الأقصى المسموح به 0.6
ميكروسيفيرت في الساعة، وأن مستويات الإشعاع في سيفيرودفينسك طبيعية".
قالت مؤسسة روس أتوم الحكومية
- والتي تشرف على جميع المشروعات النووية في روسيا - أن 5 من موظفي المؤسسة، لقوا
مصرعهم في انفجار وقع الخميس في موقع للتجارب العسكرية في شمال روسيا، وأوضحت روس
أتوم في بيان نشريوم السبت على موقع الوكالة الرسمي على الإنترنت "قتل خمسة
من موظفي مؤسسة روس أتوم أثناء اختبار نظام الدفع السائل، وأصيب ثلاثة من زملائنا
بحروق متفاوتة الشدة"، وأضافت "حدثت المأساة خلال الأعمال المتعلقة
بالدعم الهندسي والتقني للمصادر النظيرية في نظام الدفع السائل".
أعلن الجيش الروسي أن انفجارا
في قاعدة نيونوكسا لإطلاق الصواريخ في منطقة أرخانغيلسك في أقصى الشمال الروسي
أسفر الخميس عن قتيلين وعدد من الجرحى، مؤكدا أنه لم يحدث أي تلوث إشعاعي، ذكرت
وكالة الطاقة النووية الروسية أن الانفجار تسبب فى ارتفاع مستويات الاشعاع فى
منطقة ارخانجيلسك بسبب حادث خلال اختبار "مصدر طاقة نظيري لمحرك صاروخي يعمل
بالوقود السائل".
لاحقا أوضح فياتشيسلاف سولوفيف
المدير العلمى "للمركز النووي الاتحادي الروسي" فى شريط فيديو بثه
التلفزيون المحلي ان المركز يعمل على تطوير مصادر طاقة صغيرة تستخدم "مواد
مشعة تحتوي على مواد انشطارية ونظائر مشعة" لاستخدامات وزارة الدفاع
وللاستخدامات المدنية، وأن تجربة الصواريخ الفاشلة التى انتهت بانفجار أسفر عن
مصرع خمسة علماء في الأسبوع الماضي فى البحر الأبيض الروسى اشتملت على مفاعل نووي
صغير .
لا نعلم شيئا عن هذا المفاعل النووي الصغير ولكن لا يمكن مقارنته من حيث الحجم أو من حيث كمية الوقود النووي داخلها بمفاعلات القوى المستخدمة لتوليد الكهرباء، ويمكن أن نطلق عليه بضمير مستريح "مايكرو-مفاعل" وهو من الصغر بحيث يمكن وضعه داخل جسم صاروخ ودون أن يشكل حملا كبيرا عليه.
تلقفت وسائل الإعلام الأمريكية الخبر وبدأت تتحدث عن الصاروخ الذي كان يتم اختباره بأنه قد يكون نفس الصاروخ الذي تحدث عنه الرئيس بوتين وفي خطابه عن حالة الاتحاد عام 2018 والذي أطلقوا عليه اسم أحد أفلام جيمس بوند "سقوط السماء" وعرض له الرئيس بوتين فيلم رسوم متحركة وأعلن أنه مصمم بحيث يتهرب من الدفاعات الصاروخية الأمريكية.
بالطبع لم تنسى وسائل الإعلام
الأمريكية أن تقول بأن أمريكا حاولت تصميم مثل هذه المنظومة في الخمسينيات والستينات
ولم تفلح وأن الروس لا يمكن أن يفلحوا ثم عددوا الحوادث الخطيرة (غير النووية)
التي حدثت في مستودعات الجيش الروسي مؤخرا.
تدافع وسائل الإعلام الأمريكية
عن مصالح الشركات الأمريكية المنتجة للمحطات النووية لدعمها في المنافسة الشرسة مع
نظيرتها الروسية بالتذكير بحادثة تشيرنوبل عام 1986 رغم الاختلاف الهائل بينهما من
حيث الحجم وكمية الإشعاع المتسرب، ورغم أن مفاعل تشيرنوبل لم يكن أبدا مطروحا
للتصدير خارج الاتحاد السوفيتي، وأن المفاعلات السوفيتية (الروسية حاليا) التي
كانت وما زالت مطروحة للتصدير وهي مفاعلات الماء المضغوط ذات سجل في الأمان النووي
يفوق أي مفاعلات منتجة في دول أخرى.
المهم تلقفت الضباع التي تريد افتراس موقع الضبعة هذه الأخبار وبدأت تبالغ فيها فزعمت كذبا دون أن يدعم مزاعمها أي مصدر - حتى المصادر الغربية – أنه قد تم الإخلاء الجماعي للمدن القريبة من موقع الحادثة، وأنه تم مشاهدة سحابة عيش الغراب (المشروم) وهو ما لا يحدث بالطبع إلا في انفجار القنابل الذرية. وبدؤوا حملة مرددين المغالطات التالية:
• أن نفس الشركة الروسية روس
أتوم هي التي ستتولى تركيب وتشغيل محطة الضبعة، وأنها لا تمارس عملها بالجودة المطلوبة
ومن ثم فاحتمالات الحوادث النووية ليست مستبعدة.
• طالبوا بالغاء قرار الرئيس رقم 484 لـ 2015 الذي يقضى بتقديم قرض روسي قيمته 32 مليار دولار (25 أصل القرض + 7 فوائد) لمصر لإنشاء محطة طاقة نووية في الضبعة، وهي محطة خطرها غير مقبول ولا تحتاجها مصر ولا يتحمل ثمنها الاقتصاد.
• ان مصر لديها فائض من
الكهرباء الآن ولا تحتاج لمزيد من مصادر الطاقة فلديها فائض بالكهرباء وأكرمها
الله بطاقة متجددة من أروع ما في العالم شمس ورياح.
وردنا على كل هذه المزاعم هو
ما يلي:
1- لا نعرف تفاصيل تصميم
المايكرو-مفاعل ولكن واضح أن التسرب الإشعاعي منه كان محدودا واستمر فقط لمدة أربعين
دقيقة ثم اختفى. ولكن من المؤكد من القياسات الفنلندية والروسية أنه لا توجد آثار
إشعاعية لهذه الحادثة.
2- شركة روس أتوم هي الشركة الرائدة عالميا من حيث عدد المشاريع التي تنفذها في وقت واحد في روسيا والعالم، كما أنها الأولى عالميا في تخصيب اليورانيوم بنسبة 35% من السوق العالمي، وتمتلك خبرات كبيرة في نقل التكنولوجيا إلى بلدان ذات ظروف تنموية مختلفة بما في ذلك بلدان لا تختلف ظروفها كثيرا عن مصر كإيران والهند.
3- روسيا هي الدولة الوحيدة
التى تقوم بتصنيع مكونات المحطة النووية بنسبة 100% على مستوى العالم ولا تعتمد
على استيراد مكونات المحطة من أي دول أخرى قد يكون بينها وبين مصر خصومة تعرض
المشروع للاختناق من قبل هذه الدول.
4- لا تضع روسيا أى شروط
سياسية على مصر لإقامة المحطة النووية.
5- بالنسبة للقرض الروسي الذي يروج الضباع لأنه سيرهق مصر في السداد فهذا القرض هو من ضمن قروض قليلة - إن لم يكن الوحيد – لمشروع إنتاجي وليس خدمي، ويبدأ سداده بعد انتهاء المفاعل النووي الأول أي من عائد إنتاج المحطة.
6- أما القول بأن مصر لديها
فائض في الكهرباء فهو صحيح فقط على المدى القصير وطبقا لحسابات وزارة الكهرباء
فمصر تحتاج لإضافة نحو 3000 ميجاوات (أي نحو ثلثي قدرة المحطة النووية) سنويا
لمواجهة متطلباتها المستقبلية من الكهرباء وطبعا لا يمكنك شراء أي محطة كهرباء
سواء كانت نووية أو غير ذلك من على الرف ولكنها تحتاج لوقت لتصنيع مكوناتها
وتركيبها واختبارها ... الخ. قبل ربطها بالشبكة الكهربية الموحدة.
7- لا يمكن لأي خبير في الطاقة
أن يضع أحد مصادر الطاقة في مواجهة مصدر آخر فالنووي ليس بديلا عن المتجدد والعكس
صحيح، ولكل مصدر من مصادر الطاقة مزاياه وعيوبه ومن ثم هناك حاجة مزيج للطاقة (Energy Mix) كي يكون
التشغيل اقتصاديا وكي لا تضع البيض كله في سلة واحدة. ومن حسن الحظ أن وزارة
الكهرباء والطاقة المتجددة تدرك هذه البديهية وتعمل عليها فهي تنشئ محطة نووية
قدرتها الإجمالية 4800 ميجاوات، كما أنشأت مزارع رياح على طول خليج السويس بقدرة
إجمالية حوالي 1000 ميجاوات وهي محطة توليد الكهرباء بطاقة الرياح قدرة 545
ميجاوات بالزعفرانة، محطة توليد الكهرباء بطاقة الرياح قدرة 240 ميجاوات (جبل
الزيت 1)، ومحطة رياح بجبل الزيت بقدرة 220 م و (جبل الزيت 2)، ويجري حاليا تنفيذ
مشروعات بإجمالي قدرة 120 م .و.
والاعداد لتنفيذ مشروعات بإجمالي قدرة 250 م .و. والتخطيط لإنشاء محطة رياح بجبل الزيت
قدرة 120 م
و (جبل الزيت 3)
8- تقوم وزارة الكهرباء بإنشاء
محطات طاقة شمسية، وهي مشروع مجمع الطاقة الشمسية في "بنبان" بأسوان
بإجمالي قدرات نحو 1465 ميجاوات، ومشروع محطة لإنتاج الكهرباء باستخدام نظم
الخلايا الشمسية الفوتوفلطية بقدرة 26 ميجاوات بمدينة كوم أمبو بمحافظة أسوان،
ومحطة ثانية قدرتها 50 ميجاوات بكوم أمبو أيضا، بالإضافة لمشروع إنشاء أول محطة
طاقة شمسية بقدرة 50 ميجاوات فى منطقة الزعفرانة بمحافظة البحر الأحمر.
من المهم جدا الشفافية في تنفيذ مشروع المحطة النووية في الضبعة كي يتابع الشعب خطوات التنفيذ والمعوقات إن وجدت والخطوات التصحيحية المتخذة هكذا سيعرف الشعب أنه صاحب هذه المحطة وكل محطات الكهرباء في مصر ولن يستطيع الضباع الانفراد بالمشروع وافتراسه.
أود في ختام هذا المقال أن
أكرر ما سبق أن قلته من قبل "أطمئن الشعب المصري وأقول له نعم نستطيع أن ننشئ
محطات نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر، وأن نشغلها بطريقة آمنة كي ننطلق
ونحتل المكان الذي نستحقه بين الأمم، مهما حاول المشككون أن يهزوا ثقتنا
بأنفسنا".
0 تعليقات