عْاشُورْاءُ
السَّنَةُ السَّادِسةُ
(١)
نزار حيدر
حتَّى الحُسين السِّبط سيِّد الشُّهداء (ع) وضعَ
نصبَ عينَيهِ النُّموذج المعيار الذي أَعلن أَنَّهُ سيسيرُ عليهِ عندما نهضَ ضدَّ
النِّظام السِّياسي الجائر.
يقول (ع) في وصيَّتهِ التي تركها بالمدينةِ
المُنوَّرة عند أَخيهِ مُحمَّد بن الحنفيَّة {وأَسيرُ بسيرةِ جدِّي رَسُولُ الله (ص)
وأَبي عليُّ بن أَبي طالب (ع)}.
هذا يعني أَنَّ المعايير الرساليَّة واحدةٌ لا
تتغيَّر بتغيُّر الزَّمان والمكان وإِنَّما الذي يتغيَّر هو الأَدوات والآليَّات.
فإِذا تصفَّحنا سيرة المعصُومين الأَربعة عشر (ع)
فسنجد هَذِهِ المُعادلة واضحة جدّاً، فكلُّهم عملُوا وجاهدُوا وضحُّوا من أَجل
تحقيقِ المعايير الرساليَّة التي ثبَّتها القرآن الكريم كلَّما تحدَّث عن هدف
الخِلقة والإِنسان والمُجتمع، أَمَّا الأَدوات والآليَّات فهي التي اختلفت حسبَ
الزَّمان والمكان والظُّروف وطبيعة السُّلطة الحاكِمة والهدف الآني.
فما هي المعايير أَو المعيار الذي يلزم أَن
يكونَ نصْب أَعيننا كلَّما تحرَّكنا أَو ثُرنا أَو سعينا للإِصلاحِ؟ ولا فرقَ في
ذلك أَن تكون الحركة فرديَّة للصَّالح الخاص أَو جماعيَّة لتحقيقِ الصَّالح العام.
إِنَّهُ معيار حماية الحقُوق من التَّجاوز
والسَّحق، والتي تعني إِقامة العدل والقِسط في المُجتمع، والذي يعني أَن يتمتَّع
كلَّ فردٍ فِيهِ بالأُصول الثَّلاثة؛
*الحياة {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ
وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ} والتي تستتبِعها حُرمة الدَّم {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا
بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ
جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا
بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}.
ولقد شدَّدَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) على حُرمةِ
الدَّم بقولهِ في عهدِهِ للأَشتر لمَّا ولَّاهُ مِصر {إِيَّاكَ وَالدَّمَاءَ
وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَة، وَلاَ
أَعْظَمَ لِتَبِعَة، وَلاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَة، وَانْقِطَاعِ مُدَّة، مِنْ
سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا، وَاللهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِىءٌ بِالْحُكْمِ
بَيْنَ الْعِبَادِ، فِيَما تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامةِ، فَلاَ
تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَم حَرَام، فَإِنَّ ذلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ
وَيُوهِنُهُ، بَلْ يُزيِلُهُ وَيَنْقُلُهُ}.
*والحرية {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ
النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي
التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ
الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ
وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
والسَّعي لتحقيقِ السَّعادة {وَأَن لَّوِ
اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا} وقولهُ تعالى {قُلْ
مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ
الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ
لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ
نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ
الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ
الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن
تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} وهذا يتحقَّق من خلال تكافُؤ الفُرص
بلا تمييز {كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}.
تأسيساً على كلِّ ذَلِكَ؛
١/ ينبغي أَن يتعلَّم المُجتمع هذه الأُسس
ويحفظها عن ظهرِ قلبٍ، فيتعلَّمها التَّلاميذ منذُ نعومةِ أَظفارهم، في المدرسةِ
وفِي المنزلِ وفِي المُجتمعِ، حتى لا يغفلُوا عن حقوقهِم.
وفِي الأَثناء يُساهمُ المُجتمع في خلقِ
النُّموذجِ فلا يُساوي بينَ المُصلحِ والمُفسد، أَو يُعمِّم الأُمور ويخلط
الأَشياء فإِنَّ ذَلِكَ يُعقِّد عليهِ مهمَّة تحقيق الأَهداف السَّامية التي
يُنشدها وبالتَّالي يضيِّع حقوقهُ!.
٢/ ومن أَجلِ أَن لا يُخدع النَّاس بكلِّ من
رفعَ راية الإِصلاح أَو نادى مُناديه أَن هلمُّوا وابشرُوا فإِنَّ [الزَّعيم] يُرِيدُ
الإِصلاح فسدِّدُوه، فإِذا عرِف النَّاس أُسس الإِصلاح الحقيقيَّة فسيُميِّزون بين
المُصلح والمُفسد، وبين الإِصلاح الحقيقي والإِصلاح المزيَّف.
٣/ ومن أَجل أَن لا يكون المُجتمع مطيَّةً [ظهراً
يُركب وضرعاً يُحلب] يمتطيها السياسيُّون الفاسدُون لتحقيقِ مآربهِم الشخصيَّة
والحزبيَّة باسمِ الإِصلاح!.
خاصَّةً العمائم الفاسِدة التي حذَّر منها
أَميرُ المُؤمنين (ع) بقولهِ {أَلاَ مَنْ دَعَا إِلَى هذَا الشِّعَارِ
فَاقْتُلُوهُ، وَلَوْ كَانَ تَحْتَ عِمَامَتِي هذِهِ} فهؤُلاء من أَشدِّ [المُصلحين
المُزيَّفين] خطراً على المُجتمع وعلى القيَم والمبادئ، لأَنَّهم يتستَّرون
بالمُقدَّس وبالزيِّ الذي يحترمهُ النَّاس والذين عادةً ما يسيرونَ خلفهُ
كالعِميان لا يحقِّقون ولا يدقِّقون، فأَمثالهم يكتفُون بعمامةِ [المصلح] ليثبُت
عندهُم صدقهُ فلا يكذب عليهِم أَو يغشَّهم!.
٤/ وأَخيراً؛ من أَجل أَن يُقيِّم المُجتمع
المُصلح، أَيَّ مُصلح، على أَساس إِنجازاتهِ وليس على أَساس زيِّهِ أَو أُسرتهِ
أَو حزبهِ أَو حتَّى تاريخهِ [الجهادي] النَّاصع البياض، أَلم يكُن الزُّبير أَحد
أَربعة حلقُوا رؤُوسهم وحضرُوا عِنْدَ منزلِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) يومَ أَن
استُشهِدَ رسولُ الله (ص)؟! فماذا كانت نتيجتهُ؟!.
لقد قَالَ عَنْهُ أَميرُ المُؤمنين (ع) قولتهُ
المشهورة {مَا زَالَ الزُّبَيْرُ رَجُلاً مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ حَتَّى نَشَأَ
ابْنُهُ الْمَشْؤُومُ عَبْدُ اللهِ}.
هذا يعني أَن يكونَ تقييمنا للأَشخاص
بإِنجازاتهِم ومواقفهِم وليس بتاريخهِم وإِنتماءاتهِم، فعندها فقط سنكونُ الأَقرب
إِلى مشاريعِ الإِصلاح الحقيقيَّة.
0 تعليقات