تنظيم
القاعدة اليمني
اللواء
محمد رشاد
وكيل
المخابرات العامة الأسبق
يعد
تنظيم القاعدة في اليمن أحد مكونات التنظيمات المناوئة للحوثيين وضد سيطرتهم علي
الدولة مما سيؤدي إلي استمرار الفوضي وعدم الاستقرار باليمن الأمر الذي يتطلب
إلقاء الضوء علي مكونات تنظيم القاعدة.
مصائب
العالم العربي دائما ما تأتي من خارجه وغالبا ما نساهم فيها بدون قصد وهو ما حدث
في دعم العالم العربي والإسلامي للجهود الأمريكية لمقاومة الاحتلال السوفييتي
لأفغانستان وذلك بإرسالهم متطوعين للجهاد ضد النفوذ الشيوعي فيها وتم ذلك بصورة
غير رسمية في معظم الدول العربية. إلا أن الموقف في اليمن قد اختلف اختلافا جذريا
حيث شاركت مشاركة مباشرة في هذا المجال بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية
بفتح مكاتب للمتطوعين اليمنيين وحثهم وشجعهم علي الجهاد في أفغانستان وقامت الدولة
بتجهيزهم وتسفيرهم.
بعد
الانتهاء من مقاومة الغزو السوفييتي وبدء الصراع بين القبائل الأفغانية علي السلطة
عاد هؤلاء المتطوعون إلي بلادهم مدربين تدريبا عاليا علي فنون حرب العصابات
والفدائيين والعمليات الخاصة وأصبحوا يشكلون قنابل موقوتة في هذه الدول جاهزين
للانضمام لأية تنظيمات تتماشي مع اتجاهاتهم ولقد كانت جميع الدول العربية ومنها
مصر من هؤلاء العائدين وخروجهم عن سيطرة الدولة والعمل ضدها وتم ملاحقتهم والقبض
عليهم وإيداعهم السجون اتقاء لشرورهم.
أما
بالنسبة للموقف في اليمن فلقد اختلف الأمر كثيراً، حيث اعتبر العائدون اليمنيون من
أفغانستان أن لهم حقاً علي الدولة لأنهم أرسلوا لأفغانستان في مهمة رسمية من قبل
الدولة. وطالبوا بإلحاقهم بالقوات المسلحة اليمنية وتزامنت هذه الضغوط علي النظام
اليمني مع الضغوط التي شكلها الحزب الاشتراكي في جنوب اليمن ومطالبته بامتيازاته
مقابل جهوده في تحقيق الوحدة الاندماجية بين شطرى اليمن 1990 لذلك قرر النظام
الحاكم الاحتفاظ بالمتطوعين كقوة ردع تواجه بها تطلعات الحزب الاشتراكي واحتضنت
المتطوعين في معسكرات خاصة ووفرت لهم الدعم المادى وتسليحهم تسليحاً خاصاً
واستخدمتهم في تصفية عناصر الحزب الاشتراكى المناوئ للنظام 1994 حتي تخلصت منهم
تماماً.
بعد
انتهاء دور متطوعى أفغانستان في تصفية الحزب الاشتراكي أصبحوا عبئاً علي النظام
وطالبوا مرة أخرى بإلحاقهم بالقوات المسلحة اليمنية والمزيد من الامتيازات، فبدأ
النظام اليمني بالانقلاب عليهم وملاحقتهم والقبض علي بعضهم، فأدركوا أن النظام
أصبح في غني عنهم مما جعلهم يشكلون تنظيمات وخلايا أهمها جيش عدن أبين الإسلامي،
وكان ذلك نواة تنظيم ديني عقائدى في اليمن واتخذ منطقة جبلية في محافظة أبين مقراً
له بقيادة أبو الحسن المحضار، ولتحقيق المزيد من العمل المضاد للنظام تحالف
مع تنظيمات أخرى أهمها تنظيم الجهاد الإسلامي في جنوب اليمن.
وبدأت
الضربة الأولى ضد النظام اليمني باختطاف عدد من السائحين الأجانب 1998 وحاولت
السلطة اليمنية تحرير الرهائن وقتلت بعضهم والقبض على قائد العملية أبو الحسن
المحضار وإعدامه ولقد تسبب هذا الحادث في توتر علاقة اليمن بالدول الأجنبية
الداعمة لها لمقاومة الإرهاب، بالإضافة إلي الحد من السائحين الأجانب والذي أثر
سلباً علي الاقتصاد اليمنى.
حاولت
السلطة في اليمن احتواء وتفكيك هذا التنظيم بالحوار مع بعض المعتقلين منهم ونجحت
في إقناع بعضهم بالتخلى عن التنظيم وبدأت الانشقاقات وظهور جيل جديد لا يؤمن
بأنصاف الحلول مع الدولة والاتصال بتنظيم القاعدة للحصول علي التسليح والتمويل. وقام
التنظيم بمهاجمة وتدمير المدمرة كول الأمريكية في أكتوبر 2002، الأمر الذي تطلب
تطوير لعلاقة بين اليمن والولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة الإرهاب ولمزيد من
إحراج النظام دولياً، فلقد قام التنظيم بالاعتداء علي ناقلة البترول الفرنسية
قبالة مدينة المكلاف في أكتوبر 2002 أيضاً، مما ترتب عليه المزيد من التعاون
الأمني بين اليمن والولايات المتحدة الأمريكية بافتتاح مقر للمخابرات الأمريكية في
صنعاء 2003.
هدأت
المواجهات مع النظام في فترة صراع النظام مع الحوثيين من 2002 حتي سنة 2006 وانتهت
الهدنة بينهما علي أثر تعقب النظام الهاربين من التنظيم من سجن جهاز الأمن القومى
في فبراير 2006 واستهدف التنظيم منشآت النفط والغاز في حضر موت ومأرب بالإضافة إلي
اغتيال مدير مباحث مأرب لعمالته للسفارة الأمريكية 2007 والهجوم علي مجموعة من
السائحين الإسبان في نفس الوقت.
علي
ضوء ما سبق فإن ما يطلق عليه تنظيم القاعدة في اليمن هو تنظيم يمني ساعد النظام
بدون خبرة ودراية علي تكوينه واحتضانه، ثم فشل في التعامل معه لاستيعابه فتنامى
وأصبح قوة فاعلة مضادة للنظام واتصل بتنظيم القاعدة في الخارج والحصول علي التمويل
والتسليح والتنسيق معها للقيام ببعض العمليات لصالحها في نفس الوقت، فلقد استثمر
النظام اليمني ملف القاعدة لتوطيد علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية للحصول
علي المزيد من المعونات المادية والعسكرية ولتحقيق مكاسب سياسية داخلياً وخارجياً،
إلا أنه ومهما يكن حجم هذه المعونات ستظل المشكلة الاقتصادية وانعدام التنمية
المحور الرئيسى الذي يهدد نظام الحكم في اليمن واستقراره في المديين القريب
والبعيد.
وبالرغم
من أن القبائل اليمنية تشكل رمانة ميزان الوضع السياسي فيها وهي التي ستساهم في
حسم هذه المواجهات المستمرة والذي يتناسب تناسباً طردياً مع مدي استفادتها من
النظام الحاكم واستمرار هذه الاستفادة خصوصاً المادية والتسليح والذي يعتبر عصب
حياة اليمنيين.
وانطلاقاً
من كل ما سبق فإن اجتياح الحوثيين والحراك الجنوبي للعاصمة اليمنية صنعاء وسيطرتهم
علي كل مناحي الحياة والسلطة فيها يعد سحقاً لنموذج التحول الديمقراطى الذي بدأ
منذ الثورة الشعبية اليمنية في فبراير 2011 وما ترتب عليه من تنحي الرئيس السابق
علي عبدالله صالح، بالإضافة إلي ما يمكن أن يترتب عليه بالنسبة لحرية الملاحة في
منطقة مضيق باب المندب وتأثيرها علي أمن الملاحة في البحر الأحمر في ظل عدم
استقرار الأوضاع في اليمن وبدء الحرب الأهلية والصراع بين الحوثيين والحراك
الجنوبى وبين تنظيم القاعدة وارتفاع سقف المطالب الحوثية باستقالة رئيس الدولة
اليمنية وهو ما يهدد الأمن القومي لدول الخليج العربى والأمن العربى والعالمى.
الحلقة القادمة الحوثيون فى اليمن
0 تعليقات