العيب
العيب ..قصة يوسف إدريس
حين يصبح الحرام حلالا..والرشوة أكل عيش..
كانت سناء واحدة من البنات الخمس اللائي تم تعينهن فى المصلحة ..التي لم تستنشق عطرا نسائيا طيلة عمرها..ورغم إن سناء بنت عادية ..تسكن حيا شعبيا..مع والدتها وشقيقها ....فأن أيامها الأولى بالمصلحة لم تكن أياما عادية..فهى مزيج من من الترقب والخوف ..ذلك المكان الذكرى الذي لايعرف تاء التأنيث ولانون النسوة .
تجلس سناء على مكتب وضع أمام الباب ..فالحجرة
من أربعة جدران شان اى حجرة فى العالم ومكتبها هو الخامس الذى وجد بالخطأ مثلها
تماما ..فهى انثى بين أربعة رجال ..وكان الباشكاتب يعاملها كأب بعكس الآخرين وخاصة
محمد الجندى ذلك البدين المحب للنساء والذى يرسل إليها الكلمات الغزلية من نوعية "صباح
العسل ياجميل ..يامدوخنى"..شكته عدة مرات إلا أنها كانت لاتعود الا بكلمات
تطيب الخاطر ولاتحل إشكالا..
بدأت سناء تشك فى أن هناك امورا تدار
من خلف الكواليس ..واكتشفت السر عندما رأت موظفى المكتب يتقاسمون رشاوى الأسبوع
الفائت ..إذن هذا هو سبب التغاضى عن خطايا الجندى حتى تمل سناء وتنصرف بعيدا عنهم ..وبعد
أن انكشف المستور طلب منها الجندى أن تشاركهم الأمر..وكله يسترزق..لكنها رفضت
الرشوة لانها "عيب"..بكت ونظرت للباشكاتب فى عتب فقال لها "ان
الفقر يصهر المبادىء كما تصهر النار الحديد ..وان لديه سبعة أطفال فى التعليم..هذا
بخلاف أخته المطلقة وأبنائها الثلاثة..كما انه يقيم الفرائض ويصوم ويتقى الله فى
كل شىء الا ..هذه..اما الجندى فرغب فى أن يسترسل فنهرته..فهى تكره الأرض التى يمشى
عليها..
عقد معها الباشكاتب معاهدة ..اذا لم
تقتسم فعليها الصمت ..ووافقت سناء وعاشت فى عزلتها تلعنهم أنفاسها الطيبة ..وفى
هذه الأيام منعت المدرسة شقيقها من دخول الامتحان لعدم سداده قسط المصروفات وهو
ثمانية جنيهات..
انه الصراع المرير بين العيب واللاعيب ..ذهبت إلى المدرسة تستعطف مديرها فوجدت أقران شقيقها ممن أصاب الفقر جدران بيوتهم دفعوا المصاريف ولم يتبق الا أخوها الذى تركها راكضا فى الشارع دون وجهة محددة ..ذهبت الى العمل شكت الى زميلتها الوافدة من مكتب أخر عل احد من زملائها يلتفت إلا أنهم تجاهلوها..تماما..
وفى اليوم الثانى خلا المكتب الا من
الجندى وطلب منها ان يجلسا معا باحد النوادى فكان ردها الرفض فطلب منها ان تدخل
اللعبة وان تكون شريكة فى الرشوة بسبب ظروفها القاسية ..فقالت "انا مش ممكن
اعمل كده ..تنقطع ايدى ..لو اتمدت على فلوس حرام .."قالت هذه الكلمات وفى
باطنها عكس ذلك تماما..وفى اليوم التالى خلا المكتب الا من سناء دخل عبادة بك يطلب
تصريحات غير شرعية ..عرض عليها مائة جنيه فرفضت تحرك الرجل قليلا ثم عاد إليها
وقال لن اخبر أحدا ..فوافقت..وانتهى اليوم وجاء يوم جديد ..لكنه جاء محملا بغمز
ولمز وعلمت انها مؤامرة ..كان عبادة احد أطرافها..
المدهش فى الامر ان الجندى قال لها ليه
عملتى كده ؟أنا كنت متراهن مع عبادة بيك والموظفين اك مش حتاخدى الرشوة وانك مثال
للعفة والشرف ..
نظرت إليه ساخرة وقالت له :" اكل العيش مفيهوش عيب ..وعايز اروح معاك النادى أو البيت حتى انا مستعده" ..!!
نظرت إليه ساخرة وقالت له :" اكل العيش مفيهوش عيب ..وعايز اروح معاك النادى أو البيت حتى انا مستعده" ..!!
يوسف ادريس ..
والقصة صارت فيلما عام 1967 من اخراج: جلال الشرقاوى (إخراج) - أنور الشناوى (مساعد مخرج( التأليف: يوسف إدريس (قصة وحوار) - رمضان خليفه (سيناريو) بطولة لبنى عبدالعزيز رشدى أباظة حامد مرسى صبرى عبدالعزيز كامل أنور , عبدالخالق صالح وفيفى يوسف و مديحة حمدى..
0 تعليقات