آخر الأخبار

الوطن وثقافة الملكية العامة



الوطن وثقافة الملكية العامة

د. محمد إبراهيم بسيوني
الوطن هو المكان الذي يحس فيه المرء بأن له حصة من خيره ولا يشعر فيه بالتهميش أو الظلم، حتى يتولد داخله ذلك الانتماء الذي يمكّنه من الدفاع عنه وبقناعةٍ كاملة في يومٍ ما. الوطن هو أوسع من مجرد مكان، وهذا ما فسره الدكتور جمال حمدان في كتابه "شخصية مصر" حيث قال فيه إن الوطن علاقة بين الجغرافيا والتاريخ، وأنه دراسة في عبقرية الزمان والمكان، كما ذكرَ أنّ الوطن هو الحضارة وإبداع الإنسان عبر القرون، كما قال أنّ الوطن عبارة عن مشاعر، ومن يعرف المعنى الحقيقي للوطن يتولد فيه الانتماء إليه، وتتولد عنده طاقة إيجابية تحُثّه على العمل والإنتاج والتفاؤل رغم كل الأزمات والمشاكل.

انتقاد اي حكومة حق أصيل من حقوق المواطن فلا ينبغي أن ينزعج منه الوزراء أو القيادات في الأجهزة الحكومية، لانهم ارتضوا بتحمُل المسؤولية، وأقسموا على حماية الدولة والمحافظة عليها.
ومن هذا المنطلق نجد ان بيوتنا دائماً في غاية النَّظافة، بينما شوارعنا على النَّقيض من ذلك وخير دليل علي هذا ما نشاهده من تكدس القمامة، والسببُ في ذلك يرجع بما يشعر به المواطن من أنَّه يملك البيت، ولكنه لا يشعر أنَّه يملك الوطن، فأصبحت شوارعنا قذرة ويرجع ذلك إلى خلطنا بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومة، فنعتبرهما واحداً، بسبب جهلنا وهذه مصيبة بحدِّ ذاتها، لأن الحكومة ما هي إلا أداة من أدوات سياسة الدولة وتستخدم من أجل رعاية مصالح الناس وتقديم الخدمات لهم، وسلطاتها دائماً محكُومة لفترة قصيرة من عمر الوطن، بينما الوطن هو التاريخ والجغرافيا، والتراب الذي ضمَّ عظام الأجداد، ويحمل بداخله كل القيم والأعراف والعادات والمعاملات الإنسانية والأخلاقية وهو أكبر مما تحمله أي حكومة وما فيها.

من حقِّ كل مواطن أن يكره الحكومة وسياساتها، ولكن ليس من حقِّه أن يكره الوطن، والمصيبة الأكبر من الخلط بين الحكومة والوطن هو أن نعتقد أنَّنا ننتقم من الحكومة إذا أتلفنا الوطن، وكأنَّ الوطن للحكومة وليس لنا.

 والسبب الثَّاني ثقافة الملكيَّة العامًّ معدومة عندنا بكل أسف، كأنَّنا نعاني إنفصاماً ما، فالذي يحافظ على نظافة مرحاض بيته هو نفسه الذي لا يحافظ علي نظافة المرحاض العام، والذي يحافظ على الطاولة في البيت هو نفسه الذي يحفر أسمه على الشجرة، ومقعد المدرسة والجامعة. والأبُّ الذي يريد من أبنه أن يحافظ على النِّظام في البيت هو نفسه الذي يرفض أن يقف في الطابور وانتظار دوره، والأُمُّ التي لا ترضى أن تُفوِّت أبنتها محاضرة واحدة هي نفسها التي تهربُ من العمل.

 إذاً الحكومة ليست الوطن شئنا هذا أَم أبَينا، ومشاكلنا مع سياسة الحكومة لا يحلُّها تخريب الوطن، لأجل ذلك نشاهد الشعب ينتقم من وطنه ويمارس السلبية، لأنَّ سياسة حكومته سيئة، ويطالب بهذه السلبية بحكومة أفضل.

 رُقيِّنا لا يُقاس بنظافة حديقة بيتنا وإنَّما بنظافة الحديقة العامَّة بعد جلوسنا فيها، لو تأمَّلنا حالنا لوجدنا أنَّنا أعداء أنفسنا، وأنَّه لا أحد يسيء لوطنه بقدر ما نفعل نحن. صدق من قال الإنسان لا يحتاج إلى شوارع نظيفة ليكون محترماً، ولكن الشوارع تحتاج إلى أُناسٍ محترمين لتكون نظيفة.
عميد طب المنيا السابق


إرسال تعليق

0 تعليقات