المخابرات العراقية عودة الروح
هادي جلو مرعي
في مطعم فاخر في حي المنصور
ببغداد كنت أجلس على طاولة طعام، وصديقي الصحفي حسن، بينما المطعم يكتظ بالزبائن
من الشبان والشابات، وأجيال صاعدة من تجار وأثرياء وأصحاب مهن مختلفة وسياسيين. وكنت
أجلت الجلوس عليها منذ أسابيع بعد أن أغراني بسحور رمضاني هناك، وفضلت السحور
قبالة فندق بابل الذي أحبه. فعلى بعد مئات الأمتار منه كان مسقط رأسي الذي ملأته
هموم وطن إسمه العراق، وهموم نفس تعبت في مرادها الأجسام.
حين أتابع بنظرات باردة حركة
الناس والأسواق، وأرى الإنعطافة الكبيرة في مسار الأحداث أجد إن الآتي ليس مجرد
حياة عابرة، بل هي مهمة خطرة للغاية، ويتوقف عليها مستقبل البلاد.
المخابرات العراقية جهاز
معلومات، وكاشف للأسرار العصية، ومكان لإستعادة المبادرة وللهجوم حتى. ياترى هل
يمكن أن يمارس أدوارا مختلفة في الداخل
والخارج بماتقتضيه مصلحة الدولة؟ فليس هينا التفكير بأن هذا الجهاز الذي إرتبط
بنظام شمولي، وتم تفكيكه مثل عديد الأجهزة الحساسة عام 2003 لابد أن يتشكل بطريقة
جديدة، وبرؤية اعمق، وأكثر وضوحا، وأن يلتزم بمعايير مهنية تفترضها طبيعة مهمته
الخطرة، فهو يعمل بعيدا عن الأنظار، وأضواء الصحافة، ويرتهن الى نظام إداري وأمني
صارم، وإذا كان ذلك يتطلب هيكلية إدارية وتنظيمية فإنه يحتاج الى أموال وخبرات
ودورات وتعاون وصدمات وافكار متحفزة ومحفزة لصعوبة وأهمية المسؤولية الملقاة على
عاتقه، وأن يبتعد تماما عن الضغوط السياسية، وأن يلقى عناية خاصة من رأس السلطة
التنفيذية، وهذا مايبدو في الفترة الأخيرة سواء في مرحلة حضور داعش الشرير
ومابعدها مع كم التربص بالعراق من دول ومنظمات إرهابية وقطاعات مالية ومافيات تريد
نهش الجسد العراقي.
رئيس جهاز المخابرات مصطفى
الكاظمي أحد المسؤولين النادرين الذين لايهتمون كثيرا للظهور الإعلامي والممارسات
البروتوكولية، وهذا ماأجده مهما للغاية في بناء الجهاز من الداخل، وترتيب
أولوياته، والمضي به نحو النجاح في مهمته الصعبة، وإذا كان مؤكدا مشاركته في الحرب
على الإرهاب وداعش فإنه اليوم في مواجهة مهمة ديناميكية حول العالم، ويجب على
الحكومة أن تطلق يده في ملاحقة الجماعات الإرهابية والمافيات الفاسدة، وتتبع مصادر
التمويل والتنظيم، وشبكة العلاقات الدولية التي تستهدف الأمن السياسي والإقتصادي
للدولة، وهذا يتطلب ميزانية عالية، والإستفادة من تجربة السنوات الماضية، وتداعيات
ماواجهه العراق وشعبه، وعدم إيذاء الجهاز بأي مماحكة سياسية، أو مزاجية من طرف ما.
الروح تعود لجهاز المخابرات من
جديد، وهذا مهم جدا، وحين تنبعث طاقة الحياة منها يكون الأمر اكثر يسرا، والنجاح
قريبا.
0 تعليقات