آخر الأخبار

هواجس التدين الشكلى





هواجس التدين الشكلى

د. محمد إبراهيم بسيوني
عندما يتمسك أي مجتمع بالدين الشكلي المظهري ويتفاخر بأنه مجتمع متدين فأنه يسعى بذلك إلى الارتكاز على مفهوم أن الآخرين الذين لا ينتهجون مسلك التمسك الشكلي بالدين أناسٌ منحرفون ويسيرون إلى الهاوية ومعدومي الأخلاق، وليس هناكَ أقسى من أن يسعى المجتمع الغارق بثقافة التدين الشكلي إلى أن يضع الفرد تحت المراقبة الدينية الدائمة ويصبح الفرد في هذه المجتمعات يحمل هاجس التدين المظهري في كل تصرفاته ومسلكياته ويحسب حسابا ً لمراقبة المجتمع الدينية له طوال الوقت وربما في كثير من الأحيان يتمظهر بالهيئة الدينية خوفا ً من نظرة المجتمع له وليس شرطا ً مدى اقتناعه بتلك المسلكيات الشكلية المهم لديه أن يكون المجتمع راضيا ً عنه دينيا.
 المجتمع الذي يؤدي طقوسه الدينية المظهرية الشكلية الخالية من القيم الروحية والمعاني العميقة يؤسس لمفاهيم مغلوطة ويرى إنها صحيحة ولا يشوبها الخطأ أو الشك فمثلا عندما تقول الآية القرآنية (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) يجدون أن الصلاة بحد ذاتها كشكل متعارف عليه من حركات تعبدية تحقق النهي عن المنكر والفحشاء بمجرد أن يؤديها الفرد ولذلك ما يقترفه الفرد بعد أدائه للصلاة من منكر لا يعتبر منكرا ً لأنه قد أدى الصلاة التي أصبحت في ثقافته مجرد تأديتها بشكلها العادي المظهري قد حصنته من المنكر والفحشاء.

 وحينما يتطرف المجتمع في التمسك بالدين الشكلي تظهر واحدة من أكثر الثقافات سوءا ً وهي ثقافة إبراز الهوية الدينية في إطارها المقدس والأفضل ويصبح تحديدها تعني عداوة لثقافة الآخرين. ومع ضعف الإيمان يقويَ التطرف وصار التدين شكليا ازدحام المساجد مع كثرتها، إطالة اللحى وتقصير الجلابيب وارتداء الفتيات النقاب. وحين يصير الدين شكليا يصبح هو المحدد الوحيد للهوية، وهنا يتبلور مفهومٌ للآخر فضفاض يساوي بين الأجنبي الغربي وابن الوطن المسيحي والعلماني فيضع الكل في خانة الأعداء الذين يصبح قتالهم واجبا (سيد قطب قسم العالم كله مسلمين وجاهليين فقط).
 ولذلك نجد أن المجتمع الغارق بالتدين الشكلي يثور سريعا ً من انتشار أية ثقافة أخرى تختلف عن ثقافته الدينية ويسارع بقمعها والتطاول عليها والانتقاص من معانيها ويصفها بالخروج عن الدين والأخلاق وما نقرأه ونشاهده ونتابعه من أقوال الإسلاميين المتزمتين وتصرفاتهم دليل على استغلالهم للدين وضرب الآخرين به وفرض مفاهيمهم عليهم من خلال تحريم الحفلات الغنائية وتحريم الاحتفال برأس السنة وتحريم تهنئة أخواننا المسيحيين بعيدهم وقائمة طويلة من الممنوعات بحجة إنها ضد الدين وضد ثوابت المجتمع الدينية وذهبوا بعيدا ً في رفضهم لحق الآخرين في اعتناق ما يشاءون من طريقة في حياتهم ورفض التعددية الفكرية والدينية ومَن يجد أن حياته تنسجم مع فكرة عدم التدين كان عليهم أن يعلنوا عليه الحرب والإقصاء والنبذ والطعن في أخلاقياته وضميره.
عميد طب المنيا السابق

إرسال تعليق

0 تعليقات