آخر الأخبار

الحج الأكبر الأبعاد الغائبة فى الفريضة








الحج الأكبر

الأبعاد الغائبة فى الفريضة


بقلم / محمود جابر


              قال الله تعالى: (وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) [التوبة: 3].



تجربة شخصية ومدخل موضوعي :

1-   حن بدأ خطيب العيد خطبته عن الحج، وعن المشاعر المقدسة، عن الطوائف، عن منى ، عن مزدلفة، عن الصفا والمروة، عن رمى الجمرات، عن البيت العتيق، وعن زيارة مسجد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
لاحظت بكاء صاحبي الذي صحبني إلى مصلى العيد. أدهشني بكاءه فى هذا اليوم – العيد، وبعد انتهاء الصلاة سألته : ما الذي كان يبكيك؟!

فقال: أبكاني الشوق والحنين إلى بيت الله الحرام والى زيارة المصطفى، وعجزي عن أداء هذا الركن الركين، وزيارة البيت المعظم، والرسول والبقيع.
فقلت : وما الذى يعجزك عن أمنيتك هذه؟
فقال : ألا ترى وتتابع هذا المزاد الذى يقوم به بارونات الحج فى كل من مصر والسعودية دون حسيب أو رقيب حتى بلغ تكلفة الحج عشرات الآلاف، فمن أين لى بكل هذه الأموال ؟!!
ثم أنه مع الارتفاع الجنونى فى التكلفة، فإنها أصبحت وربنا يسامحنى – رحلة إلى مجهول – نظرا لاستهانة هؤلاء وهؤلاء بأرواح الناس؛ فإن لم تمت فى الطواف تهدمت عليك بناية أو سقط بك مصعدها، أو احترقت بك، وإن لم يكن هذا ولا ذاك تدهسك سيارة أحد أمراء البيت السعودى الذين يرفضون أن يؤدوا الفريضة وسط العامة والدهماء أمثالى (!!)، أو رحت ضحية التزاحم والتدافع فى رمى الجمرات، ثم خاطبنى – بحدة وتأزم وكأنه قنبلة توشك على الانفجار- أسمع يا أستاذ من المسئول عن ما يحدث فى موسم الحج؛ العلماء أو الحكام، أم المثقفين أمثالكم، أم المسئولين عن الحج من إداريين وغيرهم أم بلادنا أم ماذا؟!!
أنا اعتقد – والحديث مايزال لصاحبى – أن هذه الأحداث لو كانت تحدث منذ زمن بعيد ما كان أحد حج، ولا زار، ولا اعتمر، واعتقد أيضا أن هذه الأمور طارئة علينا وعلى المسلمين ويجب أن نفكر فى وضع حد لها، وإلا يمكن أن نتهم هؤلاء القائمين على الحج بصد الناس عن البيت الحرام وعن الحج، وهل موضوع الحج والعمرة والزيارة وتيسيره وتنظيمه أمر صعب جدا كما يتحجج ويروج له هؤلاء؟!!
لم أجد فى جعبتى رد على ما يقول سوى أن أطيب خاطره وأعيد البسمة إليه فقلت له : هون عيك وإنشاء الله تسعد بزيارة البيت وزيارة النبى صلى الله عليه وآله وتعود سالما ولا تنسنا من الهدية تبركا ...

2- بعد انصرافنا وتفرقنا ظلت هذه المحاورة تشغل ذهنى وتضغط على أعصابى، فالرجل قد اختصر كل معاناة الناس، وتحليلات الصحف والأخبار عن ما يقع للمسلمين فى رحلة الحج والعمرة، وقد وضع صاحبى يده على تلك الفئة التى استلبت مقدساتنا وحولها إلى تجارة، ونزعوا عنها أبعادها الروحية، وحولوا الحجاز إلى مولات تجارية، والرحلة إليها محفوفة بالمخاطر على حد تعبير الرجل ( رحلة إلى المجهول) .
إن الأزمة التى تأخذ بخناق هذه الأمة لها عدة تجليات، واحدة منها هى حماية ورعاية المقدسات الإسلامية فى مكة والمدينة وكل أرض الحجاز، فهذه المقدسات أحد معالم الوحدة الإسلامية، فالمسلمون يجتمعون فى موسم الحج من كافة بقاع الدنيا، من شعوب شتى، تجمعهم كلمة التوحيد، ويقفون على صعيد واحد، ينادون نداء واحدا " لبيك اللهم لبيك"، فالمقدسات هى من عوامل الوحدة الإسلامية، بمعنى أنه كلما أدين المناسك وحافظنا على الشعائر واعتززنا بمقدساتنا كان ذلك من باب الاعتصام بحبل الله ومن الطرق المؤدية للوحدة الإسلامية، والوحدة الإسلامية من شأنها أن توحد النظم الاجتماعية والثقافية وتقرب بين المناهج والأطر السياسية، وكلها عوامل للوحدة وحماية هذه المقدسات، فمالم يكن هناك وحدة واجتماع، ومالم يكن هناك مشاعر واحدة تؤلف بين القلوب فلن نستطيع حماية المشاعر المقدسة... إذن هنا ترابط وثيق بين حماية هذه المشاعر والمقدسات للوصول الى الوحدة الإسلامية، فكل منهما وجه للآخر ...

2-   هذا الحزن والأسى الذى أصاب صاحبى فى مصلى العيد عاد وأصابنى بشدة حين عدت واستعرضت خطابات خطبة عرفة لسنوات مضت، وحينما كنت أقوم بالبحث عن خطبة عرفة فى السنوات السابقة كنت أشفق فى قرار نفسى على من سيقف فى مثل هذا الموقف الذى يخاطب فيه شعوب الأرض قاطبة الذين قصدوا البيت نظرا لتلك الأحداث التى تهدد أمن وسلامة هذه الأمة، فمن الأوضاع المضطربة فى فلسطين، مرورا بحالة الارتباك السياسى والاقتصادي والأمني فى لبنان، وصولا الى سوريا التى تكالب عليها الأعداء قاطبة، والأمر لا يقف عند العراق الجريح من أهله الحكام  قبل الغرباء والمحتلين والدواعش والمجرمين، وفى إيران المحاصرة منذ عقود طويلة، وفى الخليج الذى وظف كل إمكاناته المادية فى ما يضر بالشعوب المحيطة من العرب والمسلمين، وتآمرهم على اليمن، وعلى ليبيا، وهم ليسوا بعيدين عما يحدث فى مصر ... وأفغانستان والصومال وو....

الحاصل أننى لم أجد فى كل خطب عرفة السابقة ذكر لتلك لهموم من قريب أو بعيد، وكأن الأمر لا يعينهم أو يقع لأمة غير أمتنا التى هى حاضرة الموقف والمشعر الحرام ...
 فكل الخطب السابقة تتحدث عن فضل عرفة، وتعظيم هذا اليوم، وحال السلف فى عرفه، وبعض من خطبة النبى فى حجة الوداع .

تُرى هل هذا الذى يريدونه الذين حضروا المشهد أو الغائبين عنه مثلى، وهل عروج الخطباء على خطبة النبى، قد وفى الغرض؟!!

إن الحج لقاء كونى عظيم، وهو حسب المصطلح المعاصر ( جمعية عمومية سنوية للأمة) تجتمع فيها الأمة لتستذكر مهامها السابقة، واللاحقة، وما يجب صنعه فى المستقبل، هو كشف حساب للعام الماضى، والنظر فى برنامج العمل للعام القادم، فهذا ( الحج) اجتماع نهاية العام فى الشهر الأخير من (12) ذو الحجة؛ الذى بتمامه تنتهى السنة وأعمالها ويجب أن تقوم الأمة بمراجعة أعمالها فى نهاية العام وفى هذا اللقاء .

إرسال تعليق

0 تعليقات