فلسفة
الأضحية
د.أحمد دبيان
كانت القرابين ، شعيرة بشرية ، انتهجها الإنسان درءا لغضب
الآلهة ، فكانت ظواهر الطبيعة العاصفة المدمرة دافعا لانتهاج طقس الأضحية والقربان
.
بدأت فيما تذكره الأديان ، بقربانين قدمه الشقيقان ، هابيل
وقابيل ، تحكيما فى نزاع حاول فيه قابيل تأويلا معضداً لرغباته ، وقدم هابيل
قربانه إيمانا وتسليماً .
كان قربان قابيل من حسك الأرض وعشبها الردئ ، وليس من أجود
محصول ناتج عن زراعته ، بينما اختار هابيل ، أفضل كبش لديه ليقدمه للمقام الالهى .
كان الاختيار اختبارا للنوايا ، من يتأول ليخدع الإله ومن
يتأدب فى حضرة الذات .
مع مرور السنين صارت القرابين تجارة القائمين على الدين ، فكان
الذبح على النصب مصدرا للنفوذ ولأموال الكهانة .
تطورت فلسفة القرابين لتتضمن قرابيناً بشرية ، فجاء
ابراهيم عليه السلام تعطيلا للقربان البشرى حين قررت قوى البهتان تقدمته قربانا
لآلهة الزيف ، فكان البرهان تعطيل القانون الارضى ، لوظائف النار .
وجاء الاختبار لإبراهيم ذاته ، فى أمر قنوت بذبح البكر
الولد ، فلبى الأمر وكان الفداء ، لتجعل القربان شعيرة لإعلاء الإنسان لا تجارة
فيه.
لم يختلف بنى إسرائيل كثيرا فى تأويلاتهم للشريعة والتي
اصطنعها الأحبار مصدرا للنفوذ والثروة ففقدت ، كنهها التشريعي كمنظومة اجتماعية
للتكافل ضد الفاقة والجوع .
وانحدرت المفاهيم لربطها التجسيدى للإله الغاضب ، الذى
يرسل نارا لتأكل القربان ، فيكون إثباتا الإلوهية أو استخارة وتخييرا لأمر دنيوي
ما .
صارت ذبيحة التقدمة والخطيئة مصدرا لاحتكار الثروة
وتمركزها ، بل ومصدرا لنفوذ الكهانة ، فجاء عيسى عليه السلام ، ليرسخ لفلسفة ان
الشريعة جاءت من اجل الإنسان لا نفوذ الكهانة، وان السبت كشعيرة قنوت جاءت من اجل الإنسان
لا الإنسان من اجل الشعيرة .
فى تأويلات المسيحية ان عيسى ذاته صار هو القربان والضحية
فداءا للبشر ، وليصبح الإنسان ، جزيئا ديناميكيا فاعلا فى شريعة الحب والإنسانية .
وجاء محمد عليه السلام مرسخاً لفلسفة التواد والتراحم
وبمنظومة ترسخ لديناميكية الشريعة ، وان الأضحية هى مجرد طقس لخدمة الإنسان ،
فيكون التكافل المادي ،والمرحمة روح النسك وان الله لن ينال لحومها ولا دماءها
ولكن يناله تقوى النسك ، الذى يرسخ ، للتكافل الاجتماعي والمادي فى مجتمع التعاون
والتشارك .
فليست الدماء ولا المن ولا توزيع اللحوم فقط هو فلسفة
الأضحية، وإنما جوهر أداءها هو استدعاء روح التكافل وأحقية الفقير الإلهية فى حد
الكفاف الذى يكفل له الحياة الكريمة دون عوز أو ذلة .
كل عام والإنسانية على درب فهم الشريعة والحياة.
0 تعليقات